كشف أسرار زهرة الجثة: رحلة علمية لفهم رائحتها الكريهة

2 دقيقة
تزهر نبتة زهرة الجثة مرة كل 5-7 سنوات.

يستحق نبات زهرة الجثة اسمه بجدارة؛ إذ يستطيع هذا النبات الاستوائي العملاق الذي موطنه الغابات المطيرة السومطرية في إندونيسيا أن يعيش عقوداً من الزمن وينمو إلى ارتفاعات تتجاوز 3.6 أمتار، لكنه مشهور برائحته الشبيهة برائحة الجثث التي يصدرها عند الإزهار. على الرغم من أن رائحة اللحوم المتعفنة المنبعثة من هذا النبات ظاهرة لأي شخص يقف بالقرب منه، فإن السبب الكيميائي لهذه الرائحة ظل مجهولاً بالنسبة للخبراء زمناً طويلاً. مع ذلك، أبلغ فريق من العلماء من جامعة دارتموث بأنهم حلوا هذا اللغز الجزيئي في بحث جديد. وفقاً للدراسة الجديدة التي نشرتها مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم نيكسوس (PNAS Nexus) بتاريخ 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تنبعث رائحة زهرة الجثة في المقام الأول من مركب كيميائي وعملية حيوية لا تحدث عادة إلا في أجسام الحيوانات.

اقرأ أيضاً: ماذا تعلمنا الأزهار عن التكيف مع البيئات التي غيرها الإنسان؟

ارتفاع درجة حرارة الزهرة عند الإلقاح يبدأ عمليةإطلاق الروائح

لا يزهر نبات زهرة الجثث سنوياً، بل يمر بدورة إزهار قصيرة مرة واحدة كل 5-7 سنوات. خلال بضعة أيام فقط، تتفتح طبقة مزركشة ذات لون أحمر داكن من البتلات في قاعدة الساق المركزية الكبيرة للنبات. نبات زهرة الجثة ليس وحيد الزهور من الناحية الفنية، بل يحتوي على العديد من الزهور الأصغر داخل الساق، وتحمل هذه الزهور اسم "الطلعة". ترتفع درجة حرارة هذه الطلعة بمجرد تعرضها للملقِّحات بمقدار 11 درجة مئوية تقريباً مقارنة بالوسط المحيط في عملية تحمل اسم "التوليد الحراري". حينها فقط تبدأ زهرة الجثة بإطلاق المواد الكيميائية الكبريتية التي تجذب الذباب والحشرات الأخرى.

تُظهر خريطة حرارية لزهرة الجثة أن درجة حرارة العنقود الزهري المركزي الشاهق للنبات، والذي يحمل اسم "الطلعة"، ترتفع بمقدار 11 درجة مئوية مقارنة بالوسط المحيط عند الإزهار. المصدر: إريك شالر/دارتموث

تحدث عملية توليد الحرارة عادة في أجسام الحيوانات بفضل بروتينات الفصل، التي تمنع تخزين الطاقة الكيميائية بهدف تحريرها على شكل حرارة. لكن هذه العملية نادرة جداً في النباتات، وحيّر سبب تحفيزها في نبات زهرة الجثة علماء النبات. تحتفظ جامعة دارتموث بإحدى نبتات زهرة الجثة، وهي نبتة عملاقة تبلغ من العمر 21 عاماً وتحمل لقب "مورفي" أزهرت آخر مرتين في 2016 و2022. جمع باحثون بقيادة أستاذ العلوم الحيوية، إريك شالر، عينات من أنسجة هذه النبتة وأوراقها في دورتي الإزهار واستخدموها لتحليل تسلسل الحمض النووي الريبوزي للنبات.

قال شالر في منشور على موقع الجامعة صدر بتاريخ 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2024: "يساعدنا هذا التحليل على تحديد الجينات المعبَّر عنها وتلك التي تكون نشطة بصورة خاصة عندما ترتفع درجة حرارة الطلعة وتطلق الروائح".

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تثبت قدرة النباتات على التلاعب في حبوب اللقاح

تحفيز عملية التوليد الحراري في الزهرة

اكتشف شالر وزملاؤه السبب الذي يحفّز عملية التوليد الحراري في زهرة الجثة، وحددوا المواد الكيميائية التي تمنح هذه الزهرة رائحتها. كشف تحليل الحمض النووي الريبوزي عن وجود إنزيمات تحمل اسم "الأوكسيدازات البديلة" ازداد عددها خلال إزهار نبتة مورفي، كما كشف عن وجود جينات تؤدي دوراً مهماً في استقلاب الكبريت ونقله.

استعان الفريق بباحثين من جامعة ميزوري واستخدم تقنية مطيافية الكتلة لقياس كمية الأحماض الأمينية في زهرة الجثة. لاحظ الباحثون على وجه الخصوص وجود نسب عالية من الميثيونين يؤدي ارتفاعها دوراً مهماً في تركيب الجزيئات التي تتسبب بالرائحة الكريهة لزهرة الجثة. في حين أن فريق شالر تنبأ بذلك سابقاً، فإنه اكتشف أيضاً الإنزيمات النشطة التي تركب البوتريسكين، وهو المركب الموجود في جزيئات الروائح المنبعثة من الحيوانات المتعفنة.

قد لا تساعد هذه الاكتشافات مجتمعة على تخفيف حدة رائحة زهرة الجثة الكريهة، ولكن على الأقل تمكَّن الباحثون الآن من اكتشاف السبب الذي يجعل زهرة الجثة تطلق هذه الرائحة. يأمل شالر أن يكتشف في المستقبل العوامل التي تحفّز دورة إزهار هذه النباتات، وتحديد إذا ما كانت قادرة على مزامنة دورات الإزهار لزيادة فرص التلقيح.

المحتوى محمي