ينظر الكثير من الناس إلى قدوم موسم الثلوج بفرحٍ؛ باعتبار أنه بات بإمكانهم ممارسة رياضاتهم الشتوية المفضّلة، لكن بالنسبة لسكّان المدن، فإن تساقط الثلوج يعني أن الطرقات تغطى بالملح الذي يعلق بالأحذية وأطراف الملابس والسيارات؛ فمجرّد أن يكون هناك أمطار متوقعة مع انخفاض الحرارة إلى ما دون درجة التجمد، تبدأ البلديات المحلية بنشر الملح على الطرقات منعاً لتشكّل الجليد عليها، وإذابة الجليد عن الطرقات والحفاظ على السلامة.
عادةً ما تكون هذه الأملاح أقل نقاوةً من ملح الطعام، ولكن يمكن أن تحتوي على أملاحٍ أخرى؛ مثل كلوريد المغنيزيوم وكلوريد البوتاسيوم؛ حيث تخفّض درجة حرارة تجمد الماء؛ بالتالي تمنع تشكّل الجليد على الطرقات.
يمكن لهذه الأملاح إلحاق أضرار بالغة بالسيارات والبنية التحتية والبيئية؛ إذ تستخدم المدن كمياتٍ هائلةٍ منها سنوياً؛ تصل إلى ما يقارب 20 مليون طنّ في مدن الحزام الثلجي الأميركية، كما تستخدم المدن في كندا وأوروبا واليابان الملح بكثافةٍ أيضاً، لكن هناك خياراتٌ أخرى متاحة قيد البحث حالياً.
بصفتي عالمةً في المواد، فإنني أبحث عن حلولٍ بديلةٍ لاستخدام الملح على الطرقات؛ من خلال النظر في الطرق التي تتكيّف بها الأحياء في الطبيعة مع الجليد. لقد تعلّمت الأسماك والحشرات، وحتى بعض النباتات، التكيّف مع المناخات الباردة على مدى مئات آلاف السنين؛ من خلال إنتاج عوامل منع التجمّد الخاصة بها، للبقاء على قيد الحياة في درجات الحرارة المنخفضة جداً، وفي هذا السياق، نأمل أنا وزملائي تطوير مركبّات فعّالة ضد التجمد، ولكنها أقل ضرراً من الملح المُستخدم حالياً.
التأثيرات الضارة للملح
كما يعرف الكثير من السائقين جيداً أن ملح الطرقات يسرّع من إتلاف السيارات؛ من خلال تسريع عملية الصدأ. لقد أجريت دراسةً عام 2010؛ أفادت نتائجها بأن استخدام الملح لمنع التجمد على الطرقات يكلف السائقين الأميركيين 23.4 مليار دولار سنوياً، بسبب عملية التآكل التي يُلحقها الملح بمركباتهم.
كما تتسبب أملاح الطريق في إتلاف أسطح الطرقات؛ إذ يحتوي الملح على أيونات الكلور -ذرات ذات شحنة سالبة- التي تغيّر كيمياء الماء، وتجعله أكثر قدرةً على التأثير وتعرية الأسطح التي يتلامس معها؛ مثل الخرسانة والفولاذ. نتيجةً لذلك، تزيد الأملاح من الإجهاد الذي تتعرض له البنية التحتية القديمة، وبالفعل، فقد أبلغ عن حالات كان فيها للأملاح دور في تآكل بعض الجسور وحدوث التشققات وغيرها من أشكال التعرية في أسطح الطرق السريعة.
كما تؤثر الأملاح بشكلٍ كبير على الطبيعة أيضاً. على سبيل المثال، إذا كنت تقود سيارتك على طول طريق مليء بالغابات بعد شتاء طويل مثلج، فقد تلاحظ أن الأشجار المجاورة للطريق تبدو بنّية أكثر من الأشجار الأخرى. في الواقع، يرجع ذلك إلى أن أملاح الطرق تحّل مكان المعادن في التربة والمياه الجوفية؛ مما يخلق حالةً تُعرف باسم «الجفاف الفيزيولوجي».
تصبح الأشجار غير قادرةٍ على امتصاص الماء من الجذور، رغم توفر الرطوبة في التربة. في الحقيقة، قد يزيد الجفاف الفيزيولوجي من قابلية اشتعال الأشجار أكثر؛ خصوصاً في ظل توفّر ظروف الجفاف الطبيعية في بعض الأماكن؛ مثل كولورادو.
كما تُعد المسطحات المائية -كالأنهار والجداول والبحيرات- معرضةً للتلوث بمياه الجريان السطحي؛ التي تحتوي على هذه الأملاح. يمكن للكلور مثلاً إعاقة تبويض الأسماك في هذه المسطحات، وتقليل مستويات الأكسجين الذائب في الماء؛ مما يضر بالأسماك وأنواع الحياة المائية الأخرى، كما يمكن لمياه الجريان السطحي الملوّثة أن تعزز نمو البكتيريا الزرقاء الخطرة؛ المعروفة باسم «الطحالب الخضراء المُزرقّة»؛ والتي يمكن لبعض أشكالها إنتاج سموم يمكن أن تصل إلى مياه الشرب وتضر الحيوان والإنسان.
مضادات التجمد الطبيعية
يجب أن يكون خيار مضاد التجمد البديل غير سام، ويتحلل إلى مكوناتٍ حميدة، ولكن ليس بسرعةٍ كبيرة؛ وإلا فإن أثره لن يدوم كثيراً. لنأخذ على سبيل المثال «البروبلين جليكول»؛ الذي يُستخدم لإذابة الجليد من فوق أسطح الطائرات. يُستخدم البروبيلين جليكول لمنع التجمد، لأنه أقل سمّيةً من الإيثلين جليكول المُستخدم كمانعٍ للتجمد في ريداتير السيارة، لكن عمره قصير؛ لذلك لا يمكن للطائرات الانتظار إلا لوقتٍ قصير بين إذابة الجليد والإقلاع؛ لهذا السبب لا يُرش البروبيلين جليكول على الطرق والأسطح، وبالإضافة إلى ذلك؛ ورغم تصنيفه آمناً بالنسبة للبشر عموماً، إلا أنه قد يكون مميتاً للحياة المائية.
ماذا عن البدائل الطبيعية لإذابة الجليد عن الطرقات؟ اكتشف العلماء حشرات وعناكب في ألاسكا تصنع بروتينات خاصةٍ مضادة للتجمد في أجسامها؛ تقلل من حرارة تجمد الماء بضع درجات، كما تنتج بعض الأسماك -مثل أسماك القطب الجنوبي؛ المعروفة باسم «السمك المسنن الأنتاركتيكي المفترس» (ديسوستيتشوس موسوني)- بروتيناتٍ سكّريةً تمنع تجمّد الدم في عروقها في أبرد مياهٍ على كوكب الأرض.
بنية البروتينات المانعة للتجمد؛ والتي تُنتجها بعض الأسماك البحرية. ترتبط الأجزاء الزرقاء منها بسطح بلورات الجليد، وتبطئ أو تمنع نموها. مصدر الصورة: بنك بيانات البروتين
معظم هذه البروتينات السكّرية عبارة عن بنياتٍ حساسة تتحلل بسرعة في بيئة العالم الخارجي القاسية، لكنني وزملائي نحاول صنع مركّب مضادٍ للتجمد مستوحىً من هذا البروتين. ما زال علينا في البداية معرفة كيفية عمل هذا البروتين في السمك حتّى نتمكّن من إعادة إنشائه في المختبر.
ورغم أنه ما يزال هناك الكثير مما لا نفهمه، فإننا نستخدم النمذجة الحاسوبية المتقدمة لمعرفة كيفية تفاعل البروتينات المضادة للتجمّد مع جزيئات الماء، وقد اكتشف علماء آخرون أن البروتينات السكرية المضادة للتجمد في الأسماك تندرج في قسمين رئيسيين، وأن دور بعضها أكثر أهميةً من غيرها في منع التجمّد.
وتحديداً؛ تقوم المركبّات الصغيرة التي تُسمّى بمجموعات «الهيدروكسيل»؛ والتي تنطوي على ذرات الهيدروجين والأكسجين، بالدور الأكبر في منع التجمد؛ حيث تقوم بالارتباط بجزيئات الماء و«إغلاقها» لمنع تجمدها، كما تعتبر الجزء الأهم من البروتينات؛ التي يمكنها الارتباط بسطح أي بلوراتٍ ثلجية متشكلة ومنع نموها.
البروتينات التي تمنع التجمد هي عبارة عن بوليميرات طبيعية (جزيئات طويلة هائلة تتكون من جزيئاتٍ متكررة أصغر حجماً بمثابة روابط في هذه السلسلة أو البوليمير). في الواقع، لن تكون مهمة إعادة تخليق هذه المركبات مهمةً سهلةً مطلقاً، ولكن يمكننا إنشاء نسخ اصطناعيةٍ مشابهةٍ في المختبر؛ انطلاقاً من «الكحول عديد الفاينيل» (البولي فينيل الكحول)؛ وهو مركبٌ بسيط ورخيص وغير سام للإنسان والحياة المائية، بالإضافة إلى أنه مكون شائع في العديد من منتجات العناية الشخصية اليومية.
يحتوي عديد الفينيل على نفس مجموعات الهيدروكسيل الموجودة في بروتينات الأسماك المضادة للتجمد. من خلال استخدام بعض التفاعلات الكيميائية، يمكننا تغيير مكان وجود جذر الهيدروكسيل في بنية البوليمير؛ مما يجعلها أشبه بالبروتينات التي تنتجها الأسماك، وبذلك، ربما نتمكن في المستقبل من إنتاج مادة من مركّب كحول البولي فينيل مقاومة للثلج، ويمكن استخدامها في أي مكان تقريباً.
نظراً لأن البولي فينيل لا يتحلل بسرعة، فقد يكون استعماله مناسباً على أسطحٍ مثل الطرقات والأرصفة والدرابزين لمنع تجمع الثلج، أو إذابة الجليد عن الطرقات أو تشكّل الجليد عليها. كما أن بنيته الكيميائية الطويلة تجعله مناسباً للتشكيل واستعماله في البخاخات أو الطلاء. ربما قد تعتمد المدن يوماً ما في فصل الشتاء على هذه المركبات غير السامة التي لن تلوث ثيابك أو سيارتك.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً