مثل العديد من الباحثين، يجد فيل دي لونا مصدر إلهامه في الطبيعة، وهو في هذه الحالة الطريقة التي تقوم بها النباتات باستخدام عملية التمثيل الضوئي لإنتاج الطعام من ثاني أكسيد الكربون والماء وأشعة الشمس. ويتصور بأن العلماء سيستخدمون يوماً ما المياه والطاقة المتجددة لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى منتجات يمكن أن يستخدمها المجتمع، مثل الوقود أو الدواء أو أعلاف المواشي. وفي حين أن العلماء يميلون إلى الحديث عن احتجاز الكربون وتخزينه كطريقة لمكافحة تغير المناخ، إلا أن دي لونا يعتقد بأن المستقبل سيكون حول احتجاز الكربون وتحويله.
يقول دي لونا - المرشح لنيل درجة الدكتوراه في علوم المواد بجامعة تورنتو: "إن العالم بحاجة إلى المزيد من الحلول لتغير المناخ. فإذا استطعنا تصميم تقنيات تستخدم ثاني أكسيد الكربون بدلاً من الوقود الأحفوري لتلبية احتياجات المصانع من المواد الكيميائية والوقود، فعندها يمكننا إعادة تدوير الكربون بالكامل في حلقة مغلقة ".
اقرأ أيضا:
يقوم البشر بتغيير المناخ عن طريق حرق الفحم والنفط والغاز، مما يطلق الكربون - الذي كان مدفوناً تحت الأرض ذات مرة - إلى السماء، مما يزيد حجم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. أما الوقود المصنوع من الكربون المحتجز - بدلاً من الفحم أو النفط أو الغاز - فلا يضيف أي كمية من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي عند حرقه.
وبمجرد انتشار التقنية التي تحقق ذلك على نطاق واسع، "فيمكننا مواصلة تلبية احتياجات الطاقة في العالم باستخدام الطاقة المتجددة، مع توفير مصدر للسلع الاستهلاكية والمواد التي نحتاجها كل يوم. إذ أن لهذه التقنية القدرة على توفير الاستدامة الكاملة".
في الوقت الحالي، يشتمل احتجاز الكربون عادةً على انتزاع انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من بعض المصادر مثل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، ثم تخزينها تحت الأرض بحيث لا تتمكن من دخول الغلاف الجوي وزيادة حرارة الكوكب. ويقوم دي لونا وزملاؤه، بمن فيهم أولكسندر بوشنوييف - وهو زميل في مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة تورونتو - بدراسة تطوير التقنيات التي يمكنها أن تجعل التخزين أمراً ثانوياً أو حتى غير ضروري. وتأتي إحدى الدراسات التي تصف أعمالهم في دورية جول.
ويقول دي لونا: "باستخدام الطاقة المتجددة لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى وقود، يمكن للمرء أن يخزن تلك الطاقة المتجددة، وبعدها عندما يتم حرق هذا الوقود، فيمكن احتجاز ثاني أكسيد الكربون مرة أخرى وإغلاق دورة الكربون". وقد وصلت فكرة فريقه - التي وصفها بأنها "على وشك أن تصبح قابلة للتسويق" – إلى الدور نصف نهائي من مسابقة NRG COSIA Carbon XPrize، والتي تبلغ قيمتها 20 مليون دولار لتسريع تطوير التقنيات التي يمكنها احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى منتجات قابلة للاستخدام.
وفي حين لا تزال تقنيات التحويل في مهدها، إلا أن الباحثون يعتقدون بأن العقود القادمة ستحقق تقدماً كبيراً. ففي غضون خمس إلى عشر سنوات على سبيل المثال، يمكن للتحفيز الكهربائي - الذي يحفز التفاعلات الكيميائية من خلال الكهرباء - أن يقلل من تكلفة تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى وقود ومنتجات أخرى. وفي غضون 50 سنة أو أكثر، يمكن للتقنيات النانوية أن تقود عمليات التحويل، وفقاً للعلماء.
يقول بوشوييف: "لا تزال هذه التقنيات من أجل المستقبل. ولكنها عملية وممكنة من الناحية النظرية، ونحن متحمسون لتوسيع نطاقها وتطبيقها. وإذا واصلنا العمل على هذا الأمر، فإنها مسألة وقت قبل أن يكون لدينا محطات لتوليد الطاقة يتم فيها إطلاق ثاني أكسيد الكربون واحتجازه وتحويله."
ويعترف الباحثون بأن هناك عقبات يجب التغلب عليها، أهمها تكلفة الكهرباء اللازمة لدفع التفاعلات الكيميائية. ولكنهم يعتقدون بأن السعر سينخفض مع تزايد انتشار الطاقة المتجددة.
اقرأ أيضا: أضرار غاز ثاني الكربون.
يقول دي لونا: "إن جوهر هذه التقنية هو المحفز، أي المادة التي تحول ثاني أكسيد الكربون، ولا بدّ من إتمام العمل نحو جعل المحفز أكثر كفاءة وانتقائية واستقراراً على مدى فترة طويلة من الزمن قبل أن تتمكن التكاليف من الانخفاض. ومن حيث النطاق، فإنها مسألة هندسية في هذه المرحلة، وهناك الكثير من الناس الذين يعملون على توسيع نطاق هذا النوع من التقنيات".
ويعتقد بأنه لا يوجد خطر من أن تكون تقنيات إعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون بمثابة شريان الحياة لمصانع الطاقة التي تعمل بالفحم والغاز للتخلص من تلوث الكربون. إذ يقول: "لا على الإطلاق. فالمشكلة الأكبر المتعلقة بتغلغل الطاقة المتجددة ليست هي عدم رغبة الناس بها، بل أن احتياجاتنا كمجتمع لا تتطابق مع توقيت شروق الشمس أو هبوب الرياح."
ويقول: "إن الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها فعلياً تشجيع الطاقة النظيفة المتجددة هي استقرار مستوى إمدادات الطاقة بحيث لا يبقى هناك مشكلة مع تقطعها، وتوفر هذه التقنية طريقة للقيام بذلك. إن غالبية اقتصادنا الهيدروكربوني - الذي يؤدي إلى بعض الأشياء مثل البلاستيك ومواد البناء - مشتق أيضاً من الوقود الأحفوري. وإذا استطعنا استبدال الوقود الأحفوري بـثاني أكسيد الكربون المحتجز، فيمكننا عندها حل مشكلة التقطع وتخزين الطاقة، واحتجاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وإتاحته للاستخدام وإعداد المواد البلاستيكية والمواد الأخرى من نفايات الانبعاثات."
اقرأ أيضا:
إن البحث كان محاولة لاكتساب "فكرة واضحة على ما إذا كان يمكن لذلك أن يكون مجدياً من الناحية الاقتصادية، وفيما إذا كان يستحق الوقت الذي سيتم استثماره فيه"، كما يقول. أما رؤية أعمالهم فهي "مسار لما يمكننا القيام به فيما يتعلق بتحويل ثاني أكسيد الكربون في العقود القادمة."