العلماء ينجحون في إنماء نوع مهدد من المرجان في المختبر

العلماء ينجحون في إنماء نوع مهدد من المرجان في المختبر
يعد مرجان قمي المسام الراحي من أكثر أنواع المرجان المهددة بالانقراض في منطقة البحر الكاريبي وجزر أرخبيل فلوريدا كيز؛ إذ إن جماعات هذا النوع تراجعت بنسبة تتجاوز 95% في ولاية فلوريدا وحدها. ولكن يهدف مشروع جديد لإنماء أمشاج من هذا النوع من المرجان جُمعت من ولاية فلوريدا وجزيرة كوراساو إلى إنقاذ هذه الجماعات. كريستن مارهيفر بواسطة مجلة هاكاي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تحمل كيري أونيل (Keri O’Neil) وعاء تبريد أبيض اللون في مطار ميامي الدولي وهي ترتدي كنزة زرقاء اللون مزخرفة بشعار حديقة أسماك ولاية فلوريدا. تقول أونيل وهي تضحك: “إنها صغار المرجان”. يحتوي الوعاء على 10 قوارير بلاستيكية تعج بآلاف البقع الصغيرة ذات اللون الوردي الفاتح. هذه البقع الصغيرة هي يرقات نوع من المرجان يحمل اسم قمي المسام الراحي. يشبه شكل هذه اليرقات رقائق الذرة ولا يزيد طولها على مليمتر واحد. وهي تعتبر من الأنواع المهددة بالانقراض التي تتميز بها مناطق مثل أرخبيل فلوريدا كيز والبحر الكاريبي كما يتميز القطب الشمالي بالدببة القطبية أو جبال سييرا نيفادا بأشجار السيكويا.

تعود أونيل إلى حديقة ولاية فلوريدا المائية في مدينة تامبا، حيث تشغل منصب كبيرة علماء المرجان في مركز الحفظ التابع للحديقة، مع هذه اليرقات المحفوظة في درجة حرارة تبلغ 27 درجة مئوية داخل المبرّد المعزول الموجود في صندوق سيارتها. بمجرد وصولها إلى الحديقة، تدخل اليرقات في مرحلة تحمل اسم الاستحالة تتحول فيها من بقع سابحة بحرية إلى سلائل مستقرة. وهي المرحلة الأولى من تلك الأشكال المتفرعة التي تشبه القرون والتي تميّز هذا النوع من المرجان. توفر أونيل وزملاؤها كل ما يحتاجه المرجان ليبدأ حياته، مثل المياه الدافئة المتدفقة ببطء والطحالب التكافلية التي تعيش داخل خلايا المرجان وأشعة الشمس الخفيفة وبعض الصفائح الخزفية “المزوّدة بالطحالب” والتي تؤدي دور منصات هبوط لليرقات.

مشروع إنماء المرجان

مثّلت عملية تحويل اليرقات إلى سلائل الخطوة الأخيرة في مشروع هدف لتربية المرجان تم إطلاقه على شواطئ جزيرة كوراساو التي تقع قبالة سواحل فنزويلا في صيف عام 2018. شارك في هذا المشروع عدد من ناشطي الحفاظ على البيئة والعلماء الذين يتخصص كل منهم في مرحلة واحدة محددة من نمو المرجان. حتى ينجح المشروع، يجب أن يتم إنجاز كل مرحلة من مراحله بسلالة، من جمع البويضات خلال عمليات التفريخ الجماعية إلى حفظ النطاف بالتجميد، ومن التلقيح إلى مرحلة إنماء اليرقات.

تقول عالمة المرجان في مؤسسة الأبحاث وإدارة التنوع الحيوي الكاريبي في جزيرة كوراساو (Caribbean Research and Management of Biodiversity Foundation)، كريستن مارهيفر (Kristen Marhaver)، والتي ساهمت في إطلاق المشروع بجمع البويضات خلال عمليات الغوص الليلية في حيد بحري يبعد مسافة يستغرق قطعها 45 دقيقة عن مختبرها: “هذه العملية هي أكثر مهمة مجهدة على الإطلاق”. عندما استلمت أونيل صغار المرجان في مدينة ميامي، تلقى فريق آخر من العلماء في المختبر البحري وحديقة موت المائية في مدينة ساراسوتا في ولاية فلوريدا (Mote Marine Laboratory and Aquarium) مجموعة أخرى من صغار المرجان. إن المسؤولية التي وقعت على كاهل كلا المختبرين هائلة؛ إذ إن الفشل في هذه المرحلة يعني فشل المشروع في مرحلته الأخيرة.

مع ذلك، كانت جهود العلماء ناجحة للغاية؛ إذ تثبّتت مئات اليرقات على شكل كتل من النسج الشفافة والهشة (والتي كان كل منها سليلة مستقلة) ثم بدأت في الانقسام، وتفرّعت في المياه الصافية ضمن خزانات ضحلة ومفتوحة. ينمو مرجان قمي المسام الراحي بمعدل يتراوح بين 5 و10 سنتيمترات سنوياً. وهو معدل يقترب من معدل نمو نبات الخيرزان وينطبق على معظم أنواع المرجان. اضطرت أونيل إلى قص المستعمرات وفصلها ونقلها إلى خزانات مختلفة على مدار العام التالي. تقول أونيل: “كانت النتيجة النهائية قطعة صلبة من المرجان يبلغ طولها 1.8 متر وعرضها 1.2 متر تقريباً، وتتألف من 400 فرد مختلف”، وتضيف: “نما المرجان بمعدل أكبر من أن يتسع في الخزانات”.

Scientists grow stunning, endangered coral in a lab
بدأت مستعمرة حديثة السن من مرجان قمي المسام الراحي يبلغ عمرها 6 أشهر تقريباً في النمو في حديقة ولاية فلوريدا المائية في مدينة تامبا، فلوريدا. تم جمع بويضات هذه المستعمرة من المرجان الذي يعيش في جزيرة كوراساو، بينما تم جمع النطاف من مناطق أخرى في البحر الكاريبي. هذه المستعمرات التي تم جمع البيوض والنطاف منها لا تختلط في الظروف الطبيعية. التقطت الصورة بواسطة كريستن مارهيفر ونشرت في مجلة هاكاي.

تمثّل صفوف المرجان في الخزانات التي تشرف عليها أونيل طريقة لرؤية عالم مختلف. كان مرجان قمي المسام الراحي النوع المهيمن في شعاب أرخبيل فلوريدا كيز يوماً ما. في أثناء زيارة هذا الأرخبيل الذي يقع جنوب ولاية فلوريدا الأميركية ويشبه شكل طرف منقار طائر جارح، استخدمت عالمة الأحياء والناشطة في قضايا الحفاظ على البيئة والكاتبة، ريتشل كارسون (Rachel Carson)، والتي ألّفت العديد من الكتب عن محيطات العالم أبرزها كتاب “الربيع الصامت” (Silent Spring)، أداة تحمل اسم “الزجاج المائي” (والتي تشبه دلواً ذا قاع زجاجي) لتنظر إلى المياه الضحلة. باستخدام هذه الأداة البسيطة، تمكّنت كارسون من رؤية مدرجات كبيرة وصفتها بأنها غابات مرجانية تحتوي على “أشجار صخرية”. اليوم، وبعد عقود من انتشار الأمراض وتوسع المدن الساحلية والتبييض، مات أكثر من 95% من مرجان قمي المسام الراحي الذي يعيش في سواحل ولاية فلوريدا.

لم تتراجع أعداد المرجان في هذه المنطقة فقط، بل فقدت حيويتها أيضاً. تنحدر بعض مستعمرات المرجان في أرخبيل فلوريدا كيز من فرد واحد تكاثر من خلال عملية الانقسام، والتي تنطوي على انفصال المرجان الأب إلى قطع أصغر تبدأ بتشكيل مستعمرات خاصة بها. يسمح هذا النوع من التكاثر للشعاب المرجانية بالانتشار دون الاختلاط الوراثي الذي يتصاحب مع التكاثر الجنسي. وتكون هذه الأفراد المستنسخة أكثر عرضة للمخاطر مثل الأمراض. تعتبر يرقات المرجان التي قامت أونيل بتربيتها في حديقة ولاية فلوريدا المائية مختلفة؛ إذ إنها نتجت عن النطاف والبويضات واختلاط المورثات ونمو كتل مرجانية فريدة وراثياً. يمكن أن يزيد وضع هذه اليرقات في المواطن البيئية من التنوّع الوراثي لجماعات المرجان، كما يمكن أن ينقذ الأنظمة البيئية المتضررة. مع ذلك، يمكن أن يؤدي ذلك إلى موت جماعات المرجان.

تحتوي الشيفرة الوراثية ليرقات حديقة فلوريدا المائية على خريطة ذات منشأ غير نمطي؛ إذ تم تخصيب البويضات التي جُمعت من جزيرة كوراساو باستخدام نطاف تعود لنوع من المرجان يعيش في مناطق أخرى من البحر الكاريبي، والتي تتضمن ولاية فلوريدا. على الرغم من أن النوعين متماثلان (وهو قمي المسام الراحي)، فإن هذه الجماعات من المرجان لا تتكاثر فيما بينها في البرية. تبلغ المسافة بين موطني النوعين مئات الكيلومترات، وتفصل بينهما جزر الأنتيل الكبرى. من المستحيل أن تقطع نطاف أحد النوعين هذه المسافة لتصل إلى الجماعة الأخرى. المرجان الذي تمت تربيته في حديقة ولاية فلوريدا المائية هو نتاج بشري يمثّل الإضافة الأحدث في مجال الحفاظ على البيئة الحديث (والمثير للجدل غالباً) الذي يحمل اسم “التدفق الوراثي المُساعد”. ينطوي المجال على نقل أنواع من الأحياء إلى موطن جديد لزيادة التنوع الحيوي فيه.

Scientists grow stunning, endangered coral in a lab
يتكاثر مرجان قمي المسام الراحي مرة واحدة في السنة بتأثير اكتمال القمر. ولكن تقدير توقيت التكاثر بدقة أمر صعب. قام العلماء في جزيرة كوراساو بالغطس لأكثر من 40 ليلة قبل أن يطلق مرجان قمي المسام الراحي الذي كانوا يراقبونه البويضات. الصورة عن طريق حديقة حيوان سميثسونيان الوطنية.

لم يسهم أحد في رعاية يرقات المرجان بالقدر الذي ساهم فيه علماء الأبحاث في معهد سميثسونيان لعلم أحياء الحفاظ على البيئة التابع لجامعة هاواي في مدينة مانوا، وأهمهم ماري هاغيدورن (Mary Hagedorn). سافرت هاغيدورن إلى منطقة البحر الكاريبي للإشراف على المشروع من بدايته إلى نهايته. والأبحاث التي أجرتها هي التي جعلت إطلاق المشروع ممكناً. منذ عام 2004، طوّرت هاغيدورن تقنيات للحفظ بالتجميد يمكن استخدامها لتجميد نطاف المرجان والحفاظ على خصوبتها عند إذابتها. على الرغم من أن تقنية الحفظ بالتجميد استخدمت في عمليات التلقيح الاصطناعي لدى البشر والثدييات الأخرى لعقود، فإن ناشطي الحفاظ على البيئة بدؤوا باستخدام التقنيات التي طوّرتها هاغيدورن على نطاف المرجان في السنوات القليلة الماضية فقط. وفقاً للمدير السابق لبرنامج استصلاح الشعاب المرجانية في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، توم مور (Tom Moore)، والذي يعمل حالياً في القطاع الخاص، أخذت اكتشافات هاغيدورن شكلها العلمي الكامل في الوقت الذي كنا فيه بأمس الحاجة إلى هذه التقنيات. إذ يقول: “أعتقد أننا سنشهد تطبيق هذه التقنيات بشكل أوسع خلال السنوات القليلة المقبلة”.

بدون إمكانية تجميد النطاف، اضطر ناشطو الحفاظ على المرجان للعمل في النطاق الزمني الذي تبقى النطاف فيه على قيد الحياة، والذي يمتد لبضع ساعات فقط. يقول مور إنه في ولاية فلوريدا، اضطر العلماء الذين يعملون في الجزر الجنوبية من أرخبيل فلوريدا كيز إلى التوجه جنوباً باستخدام السيارات للالتقاء بزملائهم الذين يعملون في الجزر الشمالية من الأرخبيل واستبدال عينات النطاف على الطريق، ثم تخصيب البويضات هناك قبل أن تفقد النطاف القدرة على الحركة. أما بتوفر خيار تجميد النطاف باستخدام النيتروجين السائل، أصبح بالإمكان نقل العينات لمسافات طويلة، من ولاية فلوريدا إلى جزيرة كوراساو على سبيل المثال. بعد ذلك، وعند تجميع البويضات من الحيود البحرية، يمكن إذابة النطاف واستخدامها بتراكيز تعظّم احتمال نجاح التخصيب. يتيح عمل هاغيدورن إمكانيات جديدة لم تكن متاحة في أغلب الحالات منذ بضع سنوات فقط.

تعرّضت هاغيدرون لخطر إيقاف أبحاثها في عام 2011، والتي تمكّنت من إنجازها من خلال تمويلها بنفسها لعدة سنوات؛ إذ إن مدّخراتها نفدت ولم يعتقد الممولون أن هذه الأبحاث واعدة. تقول هاغيدورن: “كنت على بعد شهر واحد من إغلاق مختبري”. بعد ذلك، تلقّت هاغيدورن مكالمة غير متوقعة من مؤسسة رودنبري، وهي منظّمة خيرية تأسست إكراماً لذكرى جين رودينبيري (Gene Roddenberry)، مؤلفة سلسلة أفلام رحلة النجوم. نظراً لأن أبحاث هاغيدورن تتوافق مع العلوم الطموحة والفريدة من نوعها، سعت هذه المؤسسة لتمويلها لمدة 5 سنوات. ومنذ ذلك الحين، توسّعت أبحاث هاغيدورن لتشمل اليرقات المجمّدة والطحالب المرجانية التكافلية المجمدة وقطع المرجان المجمّدة. كما أنه تم اعتماد تقنياتها من قبل العديد من المختبرات حول العالم. لترويج تقنيات الحفظ بالتجميد، أقامت هاغيدورن ورشات عمل مختلفة وشاركت هذه التقنيات بالمجان. يمكن تحميل إرشادات تصميم المعدات التي طورتها هاغيدورن، والتي يمكن تطبيقها لتصنيع هذه المعدات باستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد.

هل يعتبر تخصيب المرجان مثالياً؟

كما هو الحال في تقنيات التلقيح الاصطناعي لدى البشر، لا تعتبر تقنيات تخصيب المرجان مثالية. بيّنت هاغيدورن وزملاؤها في دراسة نشرت في عام 2017 أن معدّلات التخصيب باستخدام نطاف المرجان المجمّدة أخفض بكثير من معدلات التخصيب باستخدام النطاف المنتجة حديثاً؛ إذ بلغت الأولى نحو 50% بينما تجاوزت الثانية 90%. بالإضافة إلى ذلك، استُمدت هذه النسبة بناءً على دراسة جماعات المرجان المتجاورة التي تعيش في نفس الحيود البحرية. أراد الباحثون زيادة التنوع الوراثي لجماعات المرجان في المستقبل (من خلال تقنيات التدفق الوراثية المساعد)، لكن لا يزال من غير المعروف ما إذا كانت جماعات المرجان المعزولة عن بعضها لآلاف السنين قادرة على إنتاج ذرية قابلة للبقاء على قيد الحياة، وخصوصاً بعد تجميد نطافها. تعتبر فكرة تزويج مرجان قمي المسام الراحي من أرخبيل فلوريدا كيز مع المرجان من نفس النوع والذي يعيش في جزيرة كوراساو التطبيق العلمي الأكثر تطرفاً لتقنيات هاغيدورن حتى الآن. ووفقاً لأونيل، كان احتمال نجاح هذا المشروع منخفضاً للغاية؛ إذ تقول: “أردنا إنجاز مهمة لم يتمكن أحد من إنجازها من قبل”.

قدّرت مارهيفر أن احتمال نجاح هذا المشروع يتراوح بين 5 و10% فقط. ولم تتخيل أن يتمكّن الباحثون من تربية مئات الأفراد من المرجان الذي يتمتع بصحة جيدة في الخزانات. يعتبر ناشطو الحفاظ على البيئة معتادين على المشكلات التي يتسبب فيها تعرّض الأنواع إلى خطر الانقراض وانقراض هذه الأنواع وزوالها. وهم ليسوا معتادين على نجاح مشروع مستبعد النجاح لهذه الدرجة. والآن بعد إنجاز المهمة التي كانت تبدو مستحيلة، تتمثّل العقبة التالية في نقل المرجان من المختبرات إلى المحيط. وهي خطوة لا توافق عليها جميع الجهات العاملة في هذا المجال.

اقرأ أيضاً: الشعاب المرجانية معرضة للانقراض، والحل في تجميدها

عوامل تمنع انتشار الشعاب المرجانية الجديدة

كما هو الحال في مجال الطب، القاعدة الأهم في استصلاح النظم البيئية هي “أولاً، لا تتسبب في أي ضرر”. يتمثّل أحد العوامل التي تثير قلق منسّقة البرامج والسياسات في لجنة ولاية فلوريدا للحفاظ على الأسماك والحياة البرية (Florida Fish and Wildlife Conservation Commission، وهي المنظمة التي تقرر مصير المرجان في ولاية فلوريدا وجزيرة كوراساو)، ليسا غريغ (Lisa Gregg)، في أن الجماعات الجديدة من المرجان لم تتكيّف للعيش ضمن الظروف السائدة في أرخبيل فلوريدا كيز، وهي المنطقة التي توصفها كارسون بأنها تتمتع بظروف بيئية “فريدة بشكل خاص”. تشكّلت جزر أرخبيل فلوريدا كيز من خلال عملية الترسّب. بينما تشكّلت جزيرة كوراساو وجزر شرق البحر الكاريبي نتيجة للنشاط البركاني.

بالإضافة إلى ذلك، تعاني جماعات المرجان في جزر أرخبيل فلوريدا كيز من مشكلاتها الخاصة، من انتشار الأمراض المعدية إلى نمو المدن الساحلية والأعاصير وتبييض المرجان. تقول أونيل: “هناك الكثير من المشكلات التي يجب أن نتعامل معها”، وتضيف: “من المرجح أن جماعات المرجان التي تمكّنت من البقاء على قيد الحياة في ولاية فلوريدا على الرغم من جميع الظروف التي مرت بها هي الأنسب للعيش في هذه المنطقة وإنتاج الذرية القادرة على البقاء على قيد الحياة في فلوريدا”. إذا تم إدخال مورثات المرجان الذي يعيش في جزيرة كوراساو، قد يؤدي ذلك إلى انخفاض معدلات التكاثر بين جماعات المرجان الموجودة هناك أو تقصير فترات حياتها أو انخفاض مقاومتها للأمراض المحلية. يمكن لهذا “التراجع الناجم عن التزاوج الخارجي”، والذي لم يتم أخذه بعين الاعتبار في بداية المشروع، إضعاف جماعات المرجان ببطء مع تتابع الأجيال. وقد يتسبب إدخال المورثات التي لم تمر بنفس السياق التاريخي بازدياد احتمال انقراض جماعات المرجان.

مع ذلك، يعتبر احتمال حدوث هذا التراجع، والذي يعتقد الكثير من ناشطي الحفاظ على البيئة أنه سيتسبب بزوال جماعات المرجان في ولاية فلوريدا، منخفضاً للغاية. تقول مديرة برامج الحفاظ على البيئة البحرية واستصلاحها في جامعة أولدنبورغ في ألمانيا، إليانا باومز (Iliana Baums)، والتي درست مرجان قمي المسام الراحي منذ عام 1998: “لا أعتقد أن [مورثات] مرجان جزيرة كوراساو ستتسبب في ضرر كبير لجماعات ولاية فلوريدا المحلية”، وتضيف: “لكن هذا الاعتقاد مبني على معرفتي الخاصة بالأدبيات العلمية التي تخص الأنواع الأخرى والنماذج التي صممت من قبل وما إلى ذلك. ليس لدي أي أدلة علمية تدعم هذا الاعتقاد”. يتطلب إيجاد هذه الأدلة إدخال المورثات إلى هذه البيئة الجديدة، وهي عملية لا مهرب منها. لذلك، فإن الممارسة المثيرة للجدل والتي قد تكون خطيرة هي الطريقة الوحيدة لفهم تبعات إدخال مورثات جماعات المرجان إلى بيئة جديدة.

Scientists grow stunning, endangered coral in a lab
كان مرجان قمي المسام الراحي أحد أكثر أنواع المرجان غزارة في التكاثر في البحر الكاريبي وأرخبيل فلوريدا كيز. ويمكن أن تساعد تربية هذا المرجان في تعزيز إنتاجية هذا النوع. لكن نظراً لأن المستعمرات الجديدة تم تشكيلها من بويضات ونطاف لا تختلط في الظروف الطبيعية، واجه المشروع عدداً من المعوقات في محاولة إدخالها إلى البرية. الصورة عن طريق حديقة حيوان سميثسونيان الوطنية.

كانت غريغ واضحة مع أونيل ومارهيفر وهاغيدورن وزملائهم منذ بداية المشروع؛ إذ تقول: “علم الباحثون منذ البداية أنهم لن يتمكّنوا من إدخال مستعمرات المرجان الجديدة إلى البرية. لم يكن هذا خياراً متاحاً في أي مرحلة”. تطبّق لجنة ولاية فلوريدا للحفاظ على الأسماك والحياة البرية سياسة تنص على المزج بين الأنواع “الأقرب جغرافياً” فقط عندما يتعلق بالحفاظ على الشعاب المرجانية في ولاية فلوريدا، حسب تعبير غريغ، والتي تقول: “أعتقد أن أنواع المرجان الأقرب من مرجان قمي المسام الراحي تعيش في كوبا أو بيليز. ولكن يمكن أيضاً إحضار المرجان من مناطق أخرى مثل المكسيك أو جزر الباهاما. أما أنواع المرجان التي تعيش في جزيرة كوراساو بعيدة للغاية عن ولاية فلوريدا”.

بعد ما يقرب من 20 عاماً من إجراء الأبحاث والإغلاق المحتمل لمختبرها، سئمت هاغيدورن من الانتظار. تتفهّم هاغيدورن نهج لجنة ولاية فلوريدا للحفاظ على الأسماك والحياة البرية، لكنها تعتقد أيضاً أنه يجب إدخال هذه الجماعة الكبيرة من المرجان “بطريقة ضيّقة ومراقَبة” نظراً للحالة الحرجة لجماعات مرجان قمي المسام الراحي، حسب تعبيرها. تضيف هاغيدورن قائلةً: “عدد المرجان في ولاية فلوريدا منخفض للغاية حالياً، والأمر أشبه بمهزلة”. بالإضافة إلى تتبع حالة الشعاب المرجانية المتدهورة بسرعة، حاول العلماء أيضاً إيجاد الأدلة التي تبين أن جماعات مرجان قمي المسام الراحي التي تتكاثر جنسياً تستقر في سواحل ولاية فلوريدا. لكنهم فشلوا في ذلك حتى الآن. نظراً لأن هذا النوع يطلق النطاف والبويضات بشكل جماعي مرة واحدة في السنة فقط، يعتبر غياب الجماعات التي تكاثرت جنسياً بشكل طبيعي علامة مقلقة تبين فشل أحداث التكاثر الجماعي هذه.

اقرأ أيضاً: هذا المهندس يبتكر خطة طموحة لإنقاذ الشعاب المرجانية من التغير المناخي

تؤدي العديد من العوامل إلى منع انتشار المستعمرات الجديدة، بما في ذلك ارتفاع درجة حرارة المياه والتلوث وانتشار الطبقات السميكة من الطحالب وندرة المستعمرات مكتملة النمو. بجميع الأحوال، يعتبر معدل التكاثر الجنسي الناجح (أي تلقيح البويضات بواسطة النطاف لتشكيل يرقات سابحة) منخفضاً للغاية لدرجة أنه لا يكفي لزيادة انتشار جماعات المرجان. تقول باومز: “في كل عام، يبدو أن جماعات [المرجان] تتراجع ولا تتكاثر لتعويض أعدادها. ويعود ذلك إلى أن عمليات التكاثر الجنسي تفشل”، وتضيف: “لم يتوقع أحد منا أن جماعات المرجان هذه ستزول بهذه السرعة. لا أعتقد أننا كنا قادرين على توقّع ذلك، حتى قبل 10 سنوات من الآن. أعتقد أننا في مرحلة يجب علينا أن نجرّب فيها نهجاً جديداً”.

تقول أونيل إنه على الرغم من هذا التراجع الحاد في جماعات المرجان، لم يفت الأوان على تجربة نسخة أقل تطرفاً من تقنية التدفق الوراثي المساعد. الآن بعد نجاح مشروع فلوريدا-كوراساو، سيتمكن فريق أونيل من أخذ تزويج الجماعات الجديدة مع أنواع المرجان التي تعيش في المكسيك أو جزر الباهاما أو كوبا بعين الاعتبار، والتي تبعد مسافة قصيرة نسبياً عن الجماعات التي تعيش في فلوريدا. هذه الجماعات قادرة على التزاوج بشكل طبيعي. وعلى الرغم من أن نطافها لا تستطيع الانتقال من أحد المواقع للآخر، فإن اليرقات العالقة يمكنها الانتقال من جزر الباهاما إلى فلوريدا. لذلك تعتبر هذه الجماعات جزءاً من نفس الجماعة الفرعية. تقول غريغ إنها ستدعم أي مشروع يهدف إلى استصلاح جماعات مرجان قمي المسام الراحي ويتوافق مع سياسة لجنة ولاية فلوريدا للحفاظ على الأسماك والحياة البرية التي تنص على إدخال الجماعات القريبة من بعضها جغرافية إلى بيئات بعضها فقط. وحتى إطلاق هكذا مشروع، سيظل تطبيق تقنية التدفق الوراثي المساعد مقتصراً على المختبرات والحدائق المائية.

اقرأ أيضاً: الشعاب المرجانية تُظهر تأثير التغير المناخي عليها، لكن لا يزال هناك أمل

في ديسمبر/ كانون الأول 2021، ودّعت أونيل مستعمرات المرجان التي قامت بتربيتها منذ صغرها. ومع انتهاء المشروع، تم نقل هذه المستعمرات من حديقة ولاية فلوريدا المائية إلى المختبر البحري وحديقة موت المائية، حيث تمت إضافتها إلى المستعمرات الأخرى التي استخدمت في الدراسة. يتم تعريض بعض هذه المستعمرات للمياه الأكثر دفئاً لمعرفة ما إذا كانت ستتمكن من البقاء على قيد الحياة في المياه الأكثر سخونة والتي يتوقع أن تسود في المستقبل. وسيتم نقل بعض منها إلى المتاحف والحدائق المائية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. أما ما تبقى من المستعمرات، فهي تركت على حالها وتستمر بالانقسام والنمو تدريجياً. قد لا يتم إدخالها أبداً إلى البرية. ولكن مجرد وجودها يفتح آفاقاً واسعة في مجال الحفاظ على جماعات المرجان. إذا كان من الممكن تزويج جماعات المرجان المختلفة وزيادة أعدادها، لن يعجز الباحثون عن فعل أي شيء لإنقاذ الشعاب المرجانية. ستكون صغار المرجان التي ستستلمها أونيل من المطار في المرة القادمة قد قطعت مسافة أقصر في أثناء حفظها في المبرّدات.