هل يمكن لتكنولوجيا احتجاز الكربون المساعدة في تحقيق أهداف مؤتمر باريس؟

6 دقائق
هل يمكن لتكنولوجيا احتجاز الكربون المساعدة في تحقيق أهداف مؤتمر باريس؟
يمكن إعادة استخدام انبعاثات الكربون لعدة أغراض، من بناء أحجار الخرسانة إلى تسميد المحاصيل. حقوق الصورة: بيكساباي.

إذا تعلّمنا أي شيء من التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، فهو أنه حان الوقت للتعامل مع التغير المناخي. وعلى الرغم من أن تقليل كمية الوقود الأحفوري الذي نستخدمه أمر بالغ الضرورة، فلا شك أنه من الضروري إعادة امتصاص جزء من انبعاثات غاز ثنائي أوكسيد الكربون الموجودة في الغلاف الجوي بطريقة أو بأخرى. وهنا يأتي دور آليات احتجاز الكربون وعزله.  

ما هو احتجاز الكربون وعزله؟ 

إن احتجاز الكربون وعزله هي العملية التي يتم من خلالها امتصاص غاز ثنائي أوكسيد الكربون من مصادر مثل مداخن محطات توليد الطاقة الكهربائية، أو حتى من الغلاف الجوي في بعض الحالات، وذلك عن طريق الاحتجاز الهوائي المباشر. يتم بعد ذلك حبس الكربون بشكل دائم، عادة تحت الأرض، من خلال طرق العزل. ولكن هناك طريقة أخرى محتملة لاحتجاز ثنائي أوكسيد الكربون، وهي استخدامه في صناعة منتجات أخرى. نظراً لأن الاقتصاد الدائري الذي يعتمد على إعادة استخدام أكبر كمية ممكنة من المواد أصبح ضرورياً في يومنا هذا، ويحاول الكثير من الباحثين ابتكار طرق لإعادة استخدام الغازات الدفيئة المنبعثة.  

يقول «دانيال سانشيز»، الأخصائي المساعد في الإرشاد التعاوني في قسم العلوم والسياسة والإدارة البيئية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي: «احتجاز الكربون هو إحدى الطرق التي يمكننا من خلالها إزالة ثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي»، ويضيف: «لكن هذا ليس الاستخدام الوحيد لطرق احتجاز الكربون، إذ أننا نستطيع تقليل الانبعاثات وإعادة تدويرها أيضاً».  

لكن لا يزال هناك الكثير من الأسئلة حول كيفية إعادة استخدام غاز ثنائي أوكسيد الكربون، وما إذا كان ذلك يفيد في تخفيف آثار التغير المناخي بالفعل.

اقرأ أيضاً: إذا أردنا احتجاز انبعاثات الكربون، فيمكننا الاستفادة منها أيضاً

شرح لطرق احتجاز الكربون وإعادة استخدامه

وجدت مجموعة من الباحثين في 2017 أنه للحفاظ على مستوى الزيادة في درجات الحرارة الوسطية دون 2 درجة مئوية (مقارنة بدرجات الحرارة الوسطية قبل الثورة الصناعية) بحلول عام 2050، يجب على دول العالم أن تخفض انبعاثات الكربون بمقدار 800 جيجا طن خلال العقود الثلاثة القادمة. وحتى مع تخفيض الانبعاثات، يجب عزل 120-160 جيجا طن من ثنائي أوكسيد الكربون حتى عام 2050، كما أن هذه الكمية يجب زيادتها بعد 2050.  

مع ذلك، لا توجد الكثير من المحفّزات الاقتصادية لدفن كميات هائلة من الكربون تحت الأرض أو سطح البحر. وهنا تدخل طرق احتجاز الكربون وإعادة استخدامه المعادلة، والتي يمكن من خلالها تحويل الغازات المنبعثة التي تحتوي على الكربون إلى منتجات يمكن بيعها. 

هناك عدة طرق يمكن من خلالها تسويق الكربون المحتجز واستخدامه لأغراض أخرى، وأولها تسخيره لاستخدامات مباشرة، أي دون تعديله كيميائياً. تتضمن بعض طرق الاستخدام المباشر ضخ الغاز داخل الدفيئات، وتركيزه لصناعة الأسمدة، وتحويله إلى مُذيب لنزع الكافيين، والتنظيف الجاف.  

لكن الطريقة الأكثر شيوعاً لإعادة استخدام ثنائي أوكسيد الكربون دون تعديله كيميائياً هي «الاستخراج المحسّن للنفط»، وهي عملية تنطوي على حقن ثنائي أوكسيد الكربون في حقول النفط لإخراج المزيد من النفط من خلال زيادة الضغط داخل الحقول. (وفقاً لتحليل نُشر في عام 2018، تنتج دول العالم 500 ألف برميل من النفط يومياً باستخدام هذه الطريقة). نظرياً، إذا بقيت كمية من ثنائي أوكسيد الكربون محتجزة تحت سطح الأرض، بينما تم التقاط الكمية المتبقية وإعادة حقنها في حقول نفطية أخرى، يمكن أن يصبح النفط المستخرج بهذه الطريقة «سلبي الكربون» (أي أن كمية الكربون التي يتم عزلها في استخراجه أكبر من تلك الناتجة عن حرقه). بالطبع، فإن حرق النفط يطلق ثنائي أوكسيد الكربون في الجو، لذلك، تعتمد النسبة بين كمية ثنائي أوكسيد الكربون التي تم إطلاقها وتلك التي تم احتجازها على مصدر الغاز المستخدم في عملية الاستخراج المحسّن، ولمن يعود الفضل في تخزينه.     

بالإضافة إلى استخدام ثنائي أوكسيد الكربون دون تعديله كيميائياً، يمكن تحويل انبعاثات الكربون إلى منتجات مثل الميثان والميثانول ووقود السيارات والبوليمرات البلاستيكية والإسمنت والخرسانة. في بعض الحالات يمكن عزل الكربون المحتجز الموجود في هذه المنتجات عن الغلاف الجوي لفترة قد تصل نظرياً لعدة قرون.  

ولكن بغض النظر عن الطريقة التي يستخدم فيها الكربون المحتجز، من المرجح أن تعود هذه الانبعاثات إلى الغلاف الجوي يوماً ما، وهذا ما ولّد الكثير من الجدل حول ما إذا كان ينبغي تطبيق هذه التكنولوجيات للتعامل مع التغير المناخي، وكيف يجب تطبيقها في ذلك. 

اقرأ أيضا:

الجدل حول تطبيق طرق احتجاز الكربون وإعادة استخدامه لمحاربة التغيّر المناخي

حلل الباحثون في دراسة نُشرت في شهر فبراير/شباط 2022 في مجلة «أون إيرث» دورة حياة انبعاثات الكربون وجاهزية التكنولوجيا التي تطبق في عشرات الطرق المختلفة لاحتجاز الكربون وإعادة استخدامه لتحديد ما إذا كانت هذه الطرق تفيد في تحقيق الأهداف العالمية المتمثّلة في تقليل انبعاثات الكربون إلى النصف بحلول عام 2030، ثم الوصول إلى صافٍ صفري من الانبعاثات بحلول عام 2050. وبعد الأخذ بعين الاعتبار مصادر ثنائي أوكسيد الكربون (أي ما إذا كان منشؤه الغلاف الجوي، أو كان حيويّ المنشأ، أو يوجد بشكل طبيعي في النباتات أو الوقود الأحفوري، أو إذا كان منشه مزيجاً من الوقود الأحفوري والحيوي)، واستخداماته (أي ما إذا استُخدم دون تعديل كيميائي، أو لإنتاج الوقود والمواد الكيميائية الأخرى، أو لصناعة الكربونات المعدنية ومواد البناء، أو في الاستخراج المحسن للهيدروكربونات)، استنتج الباحثون أن عدداً قليلاً فقط من طرق احتجاز الكربون وإعادة استخدامه تساعد في الوصول إلى أهداف اتفاقية باريس لعام 2030. كما وجدوا أن واحدة فقط من الطرق تساعد في تحقيق الأهداف التي يجب الوصول إليها بحلول عام 2050.   

ما وجده الباحثون هو أن التكنولوجيات التي تتوافق مع أهداف مؤتمر باريس التي يجب تحقيقها بحلول 2030 هي استخدام غاز ثنائي أوكسيد الكربون الذي تنتجه محطات الغاز الحيوي لزيادة خصوبة الدفيئات الزراعية، وغاز ثنائي أوكسيد الكربون حيوي المنشأ لصناعة مواد البناء، وغازات المداخن (وهي الغازات الناتجة عن حرق الوقود أو المواد الأخرى في محطات توليد الطاقة والمنشآت الصناعية) التي يتم التقاطها بشكل مباشر لصنع مواد البناء أيضاً، والغازات الناتجة عن أفران الأوكسجين القاعدية لإنتاج الكرباميد، والذي يمكن استخدامه في إنتاج السماد وصناعة بعض المنتجات التجارية. وجد الباحثون أيضاً أن تكنولوجيا الاستخراج المحسّن للنفط يمكن أن تساعد في تحقيق أهداف اتفاقية باريس فقط في ظل الظروف الخاصة للغاية التي يتم فيها استخدام ثنائي أوكسيد الكربون بشكل مباشر (دون تعديله كيميائياً)، ولا يتم إنتاج أكثر من برميلين من النفط لكل طن من الكربون المحقون.  

تقول «كيانيه دي كلاينيه»، مؤلفة الدراسة وطالبة في مرحلة الدكتوراه في جامعة «رادباود نيميخن» في هولندا: «يتوافق عدد قليل فقط من طرق احتجاز الكربون وإعادة استخدامه مع أهداف عام 2030 المناخية، وقد يعود ذلك إلى أن التكنولوجيا ليست متقدّمة للغاية»، وتضيف: «لا تزال هذه الطرق في مرحلة مبكرة من النضج التكنولوجي». 

وجد الباحثون أيضاً أن واحدة فقط من طرق احتجاز الكربون وإعادة استخدامه تتوافق مع أهداف اتفاقية باريس لعام 2050، وهي صناعة أحجار البناء باستخدام تيار منقّى من غاز ثنائي أوكسيد الكربون ذو المنشأ الحيوي. كتب الباحثون في الدراسة: «نظراً لأن ثنائي أوكسيد الكربون لا يمكن تخزينه في الوقود أو المواد الكيميائية الأخرى بشكل دائم، فلا يمكن أن تكون هذه المنتجات متوافقة مع أهداف اتفاقية باريس إلا إذا كان غاز ثنائي أوكسيد الكربون الموجود فيها ذو منشأ حيوي أو جويّ (أي من الغلاف الجوي)، وإذا لم ينتج عن عملية احتجازه وتعديله كيميائياً أية انبعاثات من الغازات الدفيئة». 

يقول سانشيز إن تحقيق أهداف اتفاقية باريس أمر صعب للغاية. ونظراً لأنه سيكون من الصعب على دول العالم بشكل عام أن تبقي الارتفاع في درجات الحرارة الوسطية الناجم عن تغير المناخ دون 1.5 درجة مئوية، وبالإضافة إلى أننا بعيدون كل البعد عن تحقيق الأهداف التي نسعى لها حالياً، فيبدو أن المهمة أكثر تعقيداً مما كنا نعتقد. 

يقول سانشير: «يمكن أن تحل تكنولوجيا احتجاز الكربون وإعادة استخدامه محل التكنولوجيات الأخرى التي تعتمد على الوقود الأحفوري بشكل مكثف، إذ أنها يمكن أن تمكننا من تقليل الانبعاثات، ولكنها غير قادرة على إزالة الكربون من الغلاف الجوي»، ويضيف: «تحافظ هذه التكنولوجيا على استخدام الكربون في قطاع الصناعة». يفيد سانشيز أيضاً بأنه لا يمكن التخلّص من الانبعاثات تماماً دون التخزين طويل الأجل للكربون.     

هناك محاججتان رئيسيتان أخريان تدعمان استخدام تكنولوجيا احتجاز الكربون وإعادة استخدامه. تنص الأولى على أنه من خلال إعادة تدوير ثنائي أوكسيد الكربون في الاستخدامات التي نلجأ عادة إلى الوقود الأحفوري فيها، فإننا نبقي كمية أكبر من الوقود الأحفوري تحت الأرض حيث لا يمكن أن يلوث الغلاف الجوي

نظراً لأن العديد من الشركات تواجه صعوبات في تخفيض انبعاثات الكربون الناتجة عنها بسرعة، يبدو أن إيجاد طرق للحفاظ على انتعاش الاقتصاد مع تجنّب الضرر البيئي الناجم عن استخراج المزيد من الوقود الأحفوري أكثر أهمية. بيّنت دراسة نُشرت في مجلة «نيتشر» في عام 2021 أنه ليكون احتمال تحقيق أهداف اتفاقية باريس هو 50%، يجب عدم استخراج 58% من النفط، و59% من الغاز الأحفوري، و89% من الفحم الموجود في الأرض حالياً. قال «ستيف باي»، المؤلف المشارك للدراسة، والباحث في أنظمة الطاقة في كلية لندن الجامعية لموقع بوبيولار ساينس (العلوم للعموم) في شهر سبتمبر/أيلول 2021: «كما يتضّح من هذا البحث، لا يتوافق استمرار الاستثمار في استخراج الوقود الأحفوري [مع خطط التخفيف من آثار التغير المناخي]».   

تنص المحاججة الثانية على أنه حتى لو تمكّنا من تخفيض استهلاك الطاقة العالمي إلى الصفر تقريباً بين ليلة وضحاها، سنظل بحاجة إلى تطبيق تكنولوجيا احتجاز الكربون وعزله لامتصاص الكربون الموجود في الغلاف الجوي بهدف السيطرة على التغير المناخي. تبلغ مستويات ثنائي أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي حالياً 419.03 جزءاً في المليون، بينما كانت تبلغ 260-270 جزءاً في المليون قبل الثورة الصناعية. في بعض الحالات، يمكن استخدام تكنولوجيا احتجاز الكربون وعزله كحجر أساس لتطوير تكنولوجيا لعزل الكربون بشكل دائم. 

يقول سانشيز: «هناك نقاشات ممتعة وأكثر دقة يمكن خوضها حول تكنولوجيا احتجاز الكربون وعزله»، ويضيف: «ربما يجب أن يكون صافي كل الانبعاثات السلبية والإيجابية مساوياً للصفر أو أقل. ولكن لا يتعيّن على كل [تكنولوجيا] أن يكون لها صافي انبعاثات صفري».   

اقرأ أيضا:

المحتوى محمي