تتنفس الطبيعة مثلنا تماماً؛ تستنشق الأشجار ثنائي أكسيد الكربون، وتخزن هذا الكربون في أوراقها وأغصانها، ثم بعد أن تموت هذه الأشجار، تلتهم الميكروبات الموجودة في التربة البقايا الغنية بالكربون، وتزفر ثنائي أكسيد الكربون إلى الهواء مرة أخرى، وهو ما يعرف باسم التنفس الكربوني، ويتسبب تسريع كلتا العمليتين في ارتفاع الحرارة، ولكن اكتُشف حديثاً أن هذا التسريع لم يحدث بنفس الدرجة، بل تعمل الميكروبات بوتيرة أعلى من النباتات.
يبدو أن الأرض -باختصار- تلهث.
يعمل بين بوند لامبيرتي باحثاً في المعهد المشترك لأبحاث التغيير العالمي (وهو مؤسسة مشتركة بين مختبر باسيفيك نورث ويست الوطني التابع لوزارة الطاقة، وجامعة ماريلاند)، ويقول: "بدأت التربة في جميع أنحاء العالم تستجيب للاحترار العالمي، مما يؤدي إلى تحويل المزيد من الكربون إلى ثنائي أكسيد الكربون الذي يطلق في الغلاف الجوي، ويؤدي هذا التغير المناخي إلى رفع الحرارة -التي تعمل فيها التربة والأنظمة البيئية- بتأثيرات يمكن توقعها (مثل تسارع النشاط)، وتأثيرات غير أكيدة (مثل تغير التجمعات النباتية والميكروبية)".
اقرأ أيضا:
لا يؤدي هذا الاختلال المتزايد فقط إلى زيادة كمية ثنائي الأكسيد الكربون الحابس للحرارة في الهواء، بل يؤدي أيضاً إلى إضعاف وظيفة التربة كمخزن طبيعي للكربون؛ يقول بوند لامبيرتي (المؤلف الأساسي لدراسة جديدة في مجلة Nature حول هذه الظاهرة): "ليس من المؤكد على الإطلاق كم ستستمر الأرض في العمل كمخزن فعال للكربون، أو إلى أية درجة، ولكن من الواضح أنها لن تستمر في العمل إلى ما لا نهاية إذا استمر المناخ في التغير".
ووجد العلماء أن وتيرة إطلاق الميكروبات لثنائي أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ازدادت بنسبة 1.2% ما بين 1990 و2014، وهو رقم قد يبدو صغيراً للوهلة الأولى، ولكنه يعتبر هائلاً بالنسبة للمستوى العالمي، وضمن فترة زمنية قصيرة نسبياً، وقد بنى الباحثون استنتاجهم على آلاف القياسات في مئات المواقع حول العالم.
يقول بوند لامبيرتي: "بُنيَ هذا الاكتشاف على ملاحظات من العالم الحقيقي، إنه ليس عبارة عن تجربة مخبرية خاضعة لشروط صارمة، بل إن كل ما فعلناه هو مراقبة الأرض، إذ لا يمكننا أن نتلاعب بشيء كهذا في المختبر"، وقد جمع الفريق كل القياسات من التنفس الكربوني للتربة، وتفحصوا بيانات الأقمار الاصطناعية في نفس الوقت والمكان؛ من أجل تحديد "مدى تغير إنتاجية النباتات -والذي يمكن قياسه بالأقمار الاصطناعية أو استنتاجه من القياسات الأرضية- بالنسبة لتغيرات تنفس التربة"، كما يقول بوند لامبيرتي.
وتقول فانيسا بايلي (باحثة رئيسية في مختبر باسيفيك نورث ويست الوطني، ومؤلفة مشاركة في البحث): "تقوم معظم الدراسات حول هذا الموضوع على تفحص موقع واحد، غير أن هذه الدراسة تطرح السؤال على مستوى العالم، إننا نتحدث عن كميات هائلة من الكربون؛ حيث إن الميكروبات تؤثر بشكل شاذ على العالم، وهو تأثير لا يمكن قياسه على هذا المستوى الضخم إلا بصعوبة بالغة".
اقرأ أيضا:
وتقول بايلي عن السبب الذي يجعل من زفير الميكروبات أقوى بكثير: "قد يكون عدد الميكروبات أكبر، أو قد تكون ميكروبات مختلفة"، ومن التفسيرات المحتملة لكل هذا التنفس الثقيل هو أن ارتفاع الحرارة جعل تفكيك الكربون المعقد أسهل على الميكروبات؛ حيث تقول بايلي: "من المحتمل أن الميكروبات صارت تلتهم أشكالاً مختلفة من الكربون مع ارتفاع الحرارة، وقد يكون هذا الكربون أكثر توافراً أو أكثر تحللاً، وهذا ليس مجرد تسارع ثابت في عمليات النظام البيئي، بل هو تغير في توازن الكربون في الأنظمة البيئية".
وقد وجدت دراسة أخرى -أجراها علماء في جامعة مانشستر في المملكة المتحدة- أن التغير المناخي يؤدي إلى تغيرات أخرى هامة في التربة؛ حيث إن الحرارة والجفاف يؤديان إلى انتشار أعشاب سريعة النمو ومقاومة للجفاف وتمتص الرطوبة من التربة، ويتوقع الباحثون -الذين عملوا تحت قيادة فرانشيسكا دي فرايس من مدرسة علوم الأرض والبيئة في الجامعة- أن الجفاف المستمر قد يغير من التركيب البيولوجي للتربة.
تقول بايلي إن الجفاف قد يدفع بالميكروبات إلى تغيير وظيفتها؛ بحيث "تفكك أشكالاً من الكربون كانت تعد فيما سبق مستقرةً نسبياً ودائمة الوجود في التربة". وتضيف قائلة: "إن استجابة الميكروبات للجفاف لغز كبير للغاية، وتوجد عواقب كبيرة قد تؤثر على استقرار التربة حول العالم وخصوبتها وتماسكها".
ويمكن للبشر أن يساعدوا في الحفاظ على سلامة التربة عن طريق حماية الغابات أو إعادة زراعتها، ولكن هذا قد لا يكون كافياً كما يقول بوند لامبيرتي، ويشرح أن هذا الأمر "هو استجابة عالمية لعملية عالمية، وسنحتاج من أجل عكسها إلى إبطاء وتيرة إطلاق الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وعكس هذه الوتيرة في نهاية المطاف".
اقرأ أيضا: