هل استئجار الملابس أكثر استدامة من شرائها؟

4 دقائق
هل استئجار الملابس أكثر استدامةً من شرائها؟
يلعب الشحن والتغليف دوراً كبيراً في استدامة خدمات تأجير الملابس. حقوق الصورة: أنسبلاش.

لأكثر من ستين عاماً، كان الناس يستأجرون الملابس الرسمية سواء لحفلات التخرج أو الزفاف أو غيرها من المناسبات الخاصة. إذ غالباً ما يلجأ المستهلكون لاستئجار الملابس لأنه ليس من المجدي من الناحية المالية شراء الملابس لارتدائها ليوم واحد فقط. واليوم، توسعت خدمات تأجير الأزياء لتشمل الملابس غير الرسمية، ويحرص العديد من المستهلكين المهتمين بالموضة على تجربتها لتقليل هدر الملابس

مع دفن 11.3 مليون طن من نفايات النسيج في مدافن القمامة في عام 2018، ومعظمها عبارة عن ملابس مهملة، أصبح تقليل النفايات أمراً بالغ الأهمية. لكن هل استئجار الملابس حقاً أكثر استدامة من شراء قطعة ملابس جديدة؟ تظهر الأبحاث أن الأمر ليس بهذه البساطة.

يُظهر مستهلكو الجيل «زد»، وهو تعبير يشمل الجيل الذي يلي جيل الألفية، استعداداً لاستئجار الملابس لتقليل النفايات

وفقاً لدراسة صغيرة أجريت عام 2021 نُشرت في دورية «ساستينبيليتي» (Sustainability)، فإن المستهلكين البالغين من جيل زد حريصون على تجربة خدمات تأجير الملابس لتقليل استهلاكهم المفرط للملابس. الإيجار، من الناحية النظرية، يلبي الرغبة في اقتناء ملابس جديدة، لكن التركيز هنا على الاستخدام وليس الحيازة.

جمع الباحثون 362 إجابة مقبولة عبر استطلاع عبر الإنترنت ووجدوا أن هناك العديد من العوامل التي تؤثر بشكل كبير على رغبة المستهلكين في الاستفادة من خدمات تأجير الملابس، كما يقول تينغ تشي، أحد مؤلفي الدراسة ومدير قسم الملابس والترويج والتصميم والمنسوجات في جامعة ولاية واشنطن.

على سبيل المثال، من المرجح أن يستأجر مستهلكو الجيل زد الملابس إذا كانوا يعرفون شخصاً لديه تصور إيجابي عنها. وكان التثقيف حول الفوائد البيئية لتأجير الملابس والسلوك البيئي السابق مرتبطاً أيضاً بنية استخدام خدمات تأجير الملابس.

يقول تشي: «يمكن أن يؤدي عبء حيازة الملابس إلى التخلص منها أو التبرع بها أو بيعها كملابس مستعملةً. ويمكن أن يكون تأجير الملابس حلاً مقبولاً للمستهلكين الذين يفضلون أحدث اتجاهات الموضة دون تحمل عبء حيازتها».

ظاهرياً، يمكن أن تساعد خدمات التأجير في إطالة عمر الملابس، وتوفير وصول أسهل إلى العناصر التي قد لا تكون متاحة لولا ذلك، وتشجيع الناس على الشراء بمعدل أقل. ومع ذلك، فإن تأجير الملابس قد لا يكون بالضرورة مستداماً.

تتوقف استدامة تأجير الملابس على عدة عوامل

تشير دراسة أجريت عام 2021 ونشرت في دورية «إنفايرومنتال ريسيرش ليترز» (Environmental Research Letters) إلى أن شراء بنطال جديد من الجينز واستخدامه كالعادة والتخلص منه سيكون أفضل بيئياً من استئجار زوج وإعادته بعد 10 استخدامات. قارن الباحثون إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المقدرة في جميع مراحل الإنتاج والتسليم والاستخدام ونهاية العمر لكلا السيناريوهين ووجدوا أن استئجار زوج من الجينز سيكون له احتمالية أعلى بكمية المساهمة بالاحتباس الحراري.

على الرغم من أن الإيجار سيزيد من فائدة المنتج، إلا أن استئجار قطعة ملابس وإعادتها من شأنه أن يولد المزيد من الانبعاثات. ومع ذلك، إذا زاد المستهلك من عدد المرات التي يرتدي فيها الجينز واستخدم وسيلة نقل منخفضة الكربون، فسيكون ذلك مستداماً أو أكثر استدامة من شراء بنطال جديد، حسبما ذكرت الدراسة.

يقول ماكسين بيدات، مؤسس ومدير معهد نيو ستاندرد، والذي لم يشارك في الدراسة: «تشمل العوامل التي تحدد ما إذا كان شراء الملابس أو استئجارها أكثر أو أقل ضرراً على البيئة عدد المرات التي سيتم فيها ارتداء الملابس في حالة شرائها، والمسافة المقطوعة بين كل دورة إيجار، وطرق غسيل كلّ منها».

يلعب نوع الملابس المستأجرة أو المشتراة أيضاً دوراً رئيسياً في الاستدامة. على سبيل المثال، لن يكون شراء ملابس جديدة ذات جودة منخفضة مثل شراء ملابس متينة وعالية الجودة صُنعت لتدوم طويلاً، كما تقول سونالي ديدي، الأستاذة المشاركة في قسم التصميم والتسويق والمحاضرين الأقدم في مدرسة الاستدامة البيئية العالمية من جامعة ولاية كولورادو، والتي لم تشارك في الدراسة. تختلف الآثار المترتبة على الاستئجار من متجر بيع بالتجزئة على مسافة قريبة مقارنة بالتوصيل من خدمة تأجير عبر الإنترنت.

تقول ديدي: «على الرغم من أن نماذج أعمال تأجير الأزياء عبر الإنترنت مبتكرة جداً، إلا أنها تحتاج إلى أن تكون أكثر شفافية بشأن ممارسات أعمالها عبر سلسلة التوريد بأكملها لتتمكن من تعزيز جانب الاستدامة في نموذج أعمالها. باختصار، ونظراً لنقص البيانات والمعلومات حول شركات تأجير الأزياء عبر الإنترنت، لا يبدو أنها خيار مستدام مقارنة بشراء ملابس جديدة».

قامت خدمة تأجير الأزياء بالاشتراك «رينت ذي رَن أواي» (RTR) بإجراء دراسة في عام 2021 لتقييم دورة الحياة لنموذج أعمال الإيجار مقارنة بشراء ملابس جديدة. وخلصت الدراسة، والتي أجريت بالاشتراك مع عدة شركات استشارية خارجية للاستدامة، إلى أن تأجير الملابس يوفر المياه والطاقة وانبعاثات الكربون مقارنة بشراء ملابس جديدة. ومع ذلك، لم تقدم الدراسة معلومات وبيانات ملموسة وقابلة للتحقق، ما يلقي بظلال من الشك على مصداقية النتائج التي توصلت إليها كما تقول ديدي. 

وتضيف: «نظراً لأن المناقشات حول الاستدامة وتغير المناخ أصبحت أكثر انتشاراً وتشكل محور اهتمام المستهلكين أكثر فأكثر، تزعم شركات تأجير الأزياء، ولاسيما شركة RTR، أن تأجير الملابس طريقة مستدامة لاستهلاك الأزياء دون تقديم أي بيانات واضحة. أعتقد أن شركات تأجير الأزياء عبر الإنترنت تحتاج إلى الالتزام الواعي بالممارسات المستدامة، بدلاً من مجرد تقديم حلول مؤقتة واتباع نهج تفاعلي مع المستهلكين».

ووفقاً لديدي، قد يكون تأجير الملابس أكثر استدامة إذا توفرت المزيد من خيارات الاستلام داخل المتجر والنقاط الملائمة لتسليم الملابس، واتباع ممارسات التنظيف المستدامة وخيارات التعبئة والتغليف الصديقة للبيئة. إن توفير حافز لإعادة أدوات التغليف البلاستيكية والشفافية بشأن سلسلة التوريد وعرض خطة واضحة لنهاية العمر الافتراضي ومساءلة الملابس المستأجرة من شأنه أن يساعد أيضاً في تعزيز مطالبات الاستدامة الجريئة.

من الأفضل بكثير شراء كميات أقل من الملابس وإصلاح ما أمكن منها

تقول ديدي: «إن أفضل طريقة للترويج لاستهلاك الملابس المستدام هو أن يتبع المستهلكون قاعدة "تجنب، قلل، إعادة الاستخدام، إعادة التدوير"، بهذا الترتيب. الممارسة الأكثر استدامة هي تجنب شراء ملابس جديدة في المقام الأول. بدلاً من ذلك، يمكنك تجربة استبدال الملابس مع الأصدقاء وأفراد العائلة. كما يفيد إصلاح الملابس وإعادة استخدامها في إطالة عمرها الافتراضي». 

إذا قررت شراء شيء جديد، ركز على الاحتياجات بدلاً من الرغبات. اشترِِ ملابس عالية الجودة مصممة لتدوم وتجنب الألياف الاصطناعية، والتي تعد مساهماً رئيسياً في تلوث البلاستيك الدقيق. 

تقول ديدي: «لا يمكن وصف نماذج الموضة مثل التأجير عبر الإنترنت- رغم أنها مبتكرة- بأنها الخيار الأكثر استدامة نظراً لتأثيراتها البيئية الكبيرة المتعلقة بالتنظيف والنقل والتعبئة. علاوة على ذلك، تمنح معظم نماذج عرض الأزياء عبر الإنترنت للمستهلكين خيار شراء الملابس التي تم استئجارها، ما يزيد من انتشار وباء استهلاك الملابس المفرط».

باختصار، ما زلنا بحاجة إلى مزيد من البحث للحصول على إجابة أكثر واقعية حول مدى استدامة تأجير الملابس مقارنة بشراء ملابس جديدة كما يقول بيدات. في الوقت الحالي، يمكنك استئجار ثياب لن ترتديها كثيراً، ما يقلل من الحاجة إلى إنتاج ملابس جديدة. ولكن قد يكون من الأفضل امتلاك الملابس الأساسية التي ترتديها كثيراً.

المحتوى محمي