هل سيستخدم مهندسو البناء الإسمنت الأخضر الصديق للبيئة؟

4 دقائق
هل سيستخدم مهندسو البناء الإسمنت الأخضر الصديق للبيئة؟
يجب تحقيق الاستدامة في البناء لتخفيض الانبعاثات الكربونية. أنايا كاتليجو/أنسبلاش

الخرسانة هي ثاني أكثر المواد استخداماً في العالم. نحتاج إلى الخرسانة لدعم الجسور والمباني والباحات المرصوفة والأدراج وأسطح العمل وغير ذلك الكثير، وقد نما استخدامها وتضاعف ثلاث مرات خلال الأربعين عاماً الماضية.

تشتمل مواد البناء الأساسية على الماء، والركام الخشن مثل الرمل والحصى، وعامل ربط، وهنا يأتي دور الإسمنت، وهو منتج كثيف الكربون بشكل خاص.

وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، يعد قطاع الإسمنت ثالث أكبر مستهلك للطاقة الصناعية في العالم، حيث يستهلك 7% من استخدامات الطاقة الصناعية. كما يُعتبر ثاني أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الصناعية، وهو مسؤول عن 7% من الانبعاثات العالمية. تأتي معظم الانبعاثات عندما يتم تسخين المواد الخام، عادة الطين والحجر الجيري، إلى أكثر من 1370 درجة مئوية لتصبح مادة الربط فائقة القوة. بشكلٍ عام، يتسبب إنتاج كل طن من الإسمنت بإطلاق نحو 600 كيلوغرام تقريباً من ثاني أكسيد الكربون.

لكن يشيع استخدام الإسمنت المستدام "الأخضر" أكثر في الوقت الحالي نظراً لبصمته البيئية المنخفضة مقارنة ببصمة الإسمنت التقليدي. يأتي أحد الأمثلة الحديثة من جامعة طوكيو العام الماضي، حيث صنع الباحثان كوتا ماتشيدا ويويا ساكاي الإسمنت من نفايات الطعام. في الواقع، لقد استخدمت نفايات الطعام كمواد حشو في بدائل الإسمنت من قبل، ولكن ماتشيدا وساكاي طورا أول عملية من نوعها في العالم لصنع الإسمنت بالكامل من نفايات الطعام.

اقرأ أيضا: النفايات الإلكترونية: مشكلة عالمية تهدد الصحة والبيئة

صناعة الإسمنت من نفايات الطعام

قضى الثنائي شهوراً في تجربة مزج نفايات الطعام بالبلاستيك لجعل المواد تلتصق ببعضها بعضاً. في النهاية، وجدوا المزيج الصحيح من درجة الحرارة والضغط لصنع الإسمنت من نفايات الطعام فقط دون إضافات. قاما بالاعتماد على استراتيجية "الضغط الحراري" التي تستخدم عادة لصنع مواد البناء من مسحوق الخشب، بمزج مسحوق نفايات الطعام بالماء وضغطوه في قالب ساخن تحت حرارة تصل إلى 176 درجة مئوية. يقول الباحثان إن قوة الشد أو الانحناء لمركب الإسمنت الجديد أكبر بثلاث مرات من الخرسانة العادية.

يقول ساكاي في بيان صحفي: «كان التحدي الأكبر هو أن كل نوع من نفايات الطعام يتطلب درجات حرارة ومستويات ضغط مختلفة». لقد استخدما أوراق الشاي وقشور البرتقال والبصل وبقايا القهوة والملفوف الصيني وحتى بقايا الطعام من علب الغداء.

قال ماتشيدا في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس في وقت سابق من هذا الشهر: «نأمل في النهاية أن يحل هذا الإسمنت محل منتجات البناء البلاستيكية والإسمنتية، والتي تؤثر بشدة على البيئة».

في الواقع، كان المهندسون والباحثون يعملون على تطوير ابتكارات لتقليل البصمة الكربونية للإسمنت والخرسانة منذ سنوات. في عام 2021، أنشأ علماء من جامعة طوكيو عملية لصنع الخرسانة تعتمد على إعادة استخدام المنتجات الخرسانية القديمة (والتي غالباً ما تُهدر) عن طريق تسخينها في درجات حرارة منخفضة، وتلتقط ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

وفي عام 2019، اكتشف باحثون من جامعة تايبيه الوطنية للتكنولوجيا في تايوان وإدارة الموارد المائية في الهند أن النفايات الطبيعية من الزراعة ومزارع تربية الأحياء المائية يمكن أن تحل جزئياً محل المواد الخشنة ومواد الربط في الخرسانة الخضراء. هناك الكثير من البدائل، وعلى الرغم من أن هذه الابتكارات ما تزال في المراحل الأولى من تطويرها، إلا أنها تسير بمواد البناء نحو تحقيق أهداف خفض انبعاثات الكربون الخاصة بها.

ولكن عند الحديث عن استخدام الإسمنت المصنوع من نفايات الطعام من أجل المباني، قد يكون من الصعب في الواقع إقناع الشركات باستخدامه كبديل عن الإسمنت التقليدي، وفقاً لما يقوله مهندس التصميم الإنشائي في شركة البنية التحتية متعددة الجنسيات "فيروفيال" (Ferrovial)، سوهان مون.

يقول مون: «إن تغيير طريقة استخدام الإسمنت بالكامل سيتطلب الكثير من التغييرات الجذرية في صناعتنا. في الحقيقة، كل البنية التحتية الحالية مكرسة لاستخدام الإسمنت التقليدي، من التركيب إلى النقل، وكل شيئ».

ويضيف مون أن ذلك لا يعني أن استخدام الإسمنت الأخضر غير ممكن أو أنه لا يستحق كل هذا العناء. لكن نوعاً واحداً من التكنولوجيا لن يحل جميع المشكلات في صناعة البناء.

اقرأ أيضا: اللبنة: صديقة المعدة والبيئة

تحديات الإسمنت الأخضر

أحد المخاوف التي يثيرها مون هي أنه يتعين على مصنعي الإسمنت وشركات البناء التأكد من أن الإسمنت الأخضر يلبي معايير الأداء والسلامة. تستخدم معظم مشاريع البنية التحتية الكبيرة الخرسانة التي تعتمد على حديد التسليح لتقوية الإسمنت. ويصبح الإسمنت وحده بدون دعم هيكلي إضافي مثل البورسلان أو الخزف. يمكن للعناصر الخزفية مثل الأحواض والمراحيض أن تتحمل الأحمال الضاغطة، لكن الخزف ليس قوياً مثل الخرسانة.

يقول موني: «بمجرد تطبيق قوة القص، مثل قوة الشد أو الانحناء، فإن الإسمنت وحده يتفتت ويتكسر. إذ لا يمكنه تحمل التوتر».

لذلك فإن استخدام الإسمنت القائم على نفايات الطعام أو بدائل الإسمنت في الخرسانة لأغراض أكثر تعقيداً وفي عمليات البناء المكثفة يتطلب اختبارات سلامة ومتانة كبيرة، كما يقول موني. كما يجب أن تكون المنظمات التي تنظم الصناعة والمتعاقدون أنفسهم مقنعين بجدواها.

يقول مون: «نلتزم بشدة باللوائح التنظيمية، وليس لدينا الحرية الكاملة في اختيار المواد التي يمكننا استخدامها. يمكن أن تبقى الهياكل التي نبنيها مئات السنين، لذلك يبقى السؤال كيف سيكون أداء بدائل الإسمنت التقليدي عند تعرضها لعوامل البيئة بمرور الوقت. هناك دائماً خوف من عدم معرفة كيفية تفاعل أي شيئ جديد، ناهيك عن أن الخرسانة نفسها تحتاج إلى الكثير من الصيانة.

يمكن أن تكون المواد الخضراء باهظة الثمن أيضاً، ما يُصعب إقناع الشركات باستخدامها أكثر كما يقول موني. في الواقع، غالباً ما يعتمد البناة خططاً اقتصادية أكثر في مشاريع البناء الكبيرة. لكن التحول إلى الإسمنت الأخضر قد يكون يستحق تكلفته، خاصة إذا زاد استهلاك الخرسانة مع تسريع البلدان النامية لمشاريع البناء وتجديد البلدان الأخرى بنيتها التحتية القديمة.

قد يزيد الإنتاج العالمي للإسمنت بنسبة تصل إلى 23% بحلول عام 2050، حسبما أفادت به مؤسسة "ميشين بوسيبل بارتنرشيب" (Mission Possible Partnership) في تقرير خطة عمل الخرسانة من أجل المناخ (CAC) الخاصة بها. مثلما يشكل الإسمنت والخرسانة بيئتنا المبنية، فإن تأثيرهما يشكل أيضاً مستقبلنا المناخي.

سيتعين على صناعة الإسمنت خفض انبعاثاتها السنوية بنسبة 16% على الأقل بحلول عام 2030 للوفاء ببنود اتفاقية باريس المتعلقة بمعايير تغير المناخ. ونظراً لأن الإسمنت والخرسانة سيكونا مهمين جداً في التنمية والتطوير المستقبلي، يجادل الباحثون بأن تصنيع مواد بديلة للإسمنت التقليدي سيكون أحد أسرع الطرق لتقليل الانبعاثات والتأثير البيئي.

يقول معهد تشاتام هاوس للسياسات في تقريره عام 2018 "نحو تغيير الخرسانة: الابتكار في الإسمنت والخرسانة منخفضة الكربون": «نظراً للتحدي الملّح والوقت الذي يستغرقه تطوير أنظمة التكنولوجيا، هناك حاجة إلى دعم كبير كي يصبح استخدام الجيل التالي من الإسمنت منخفض الكربون ممكناً في الواقع بدلاً من بقائه في المخابر. لن تنجح جميع البدائل، لكن التي ستنجح منها سيكون لديها إمكانات كبيرة لإزالة الكربون».

من المؤكد أن نمو المدن وإصلاح البنية التحتية لن يتباطأ قريباً. ولكن مع التطورات الجديدة في مواد البناء الأكثر اخضراراً، يجب ألا يكون التأثير الكربوني لإعادة إحياء البيئة المبنية بهذه الضخامة.

اقرأ أيضا: 6 طرق للتخلص من الأشياء غير الضرورية من المنزل دون الإضرار بالبيئة

المحتوى محمي