من بين المواد البلاستيكية، ليس هناك ما هو أسوأ سمعة من أكياس البقالة، وهو ما دفع 32 دولة، من ضمنها كندا، إلى البدء بتطبيق سياسات تحظر استخدام المواد البلاستيكية أحادية الاستخدام، بما فيها أكياس البقالة، بحلول عام 2021، الأمر الذي أعلن عنه مسؤولون كنديون مؤخراً. هذا قرار وجيه، خاصة إذا علمنا أنه يتم استهلاك حوالي 500 مليار وتريليون كيس بلاستيكي كل عام في جميع أنحاء العالم، أي ما بين مليون ومليوني كيس في الدقيقة، وينتهي المطاف بالكثير منها إلى تلويث البيئة وإلحاق الضرر بكائنات حية دقيقة مثل البكتيريا.
لكن قد يشعر المتسوقون الذين لديهم وعي بالبيئة بالعجز وهم يحاولون تقييم مزايا وعيوب بدائل، مثل البولي بروبيلين والبوليستر وأكياس القطن، فكما أوضحت مقالة على موقع كوارتز، ليست هذه الخيارات بالضرورة رفيقة بالبيئة، على الأقل وفقاً لتقييمات دورة الحياة التي تأخذ بعين الاعتبار الطاقة والموارد المستخدمة في تصنيع ونقل والتخلص من هذه البدائل. ففي دراسة أجرتها الحكومة الدنماركية، وجد الباحثون أن كيس التسوق العضوي يحتاج أن يُعاد استخدامه 20000 مرة قبل أن يكون له نفس التأثير البيئي الذي تحدثه أكياس البقالة البلاستيكية أحادية الاستعمال. ويعزى جانب كبير من هذا التأثير إلى متطلبات المحصول من المياه واستخدام مواد كيميائية مستنفدة للأوزون أثناء التصنيع.
من السهل الشعور بالارتباك والارتياب أمام هذه الأرقام، فما تعنيه هو أنه سيتعين عليك استخدام كيس تسوق عضوي يومياً ولمدة 55 عاماً تقريباً كي يصل إلى أن يكون رفيقاً بالبيئة مثل الكيس البلاستيكي، وذلك من ناحية انبعاثات غازات الدفيئة والمواد المستخدمة وآثار التلوث. لكن الواقع أن تقييمات دورة الحياة هذه لا تقدم بياناً وافياً عن آثار البلاستيك وقد تكون أيضاً مضللة.
اقرأ أيضا: أضرار التعدين على البيئة
بهذا الصدد، تقول جينيفر كلاب، رئيسة قسم الأبحاث في مجال الأمن الغذائي العالمي والاستدامة بجامعة واترلو بكندا، أن مقارنة تقييمات دورة الحياة قد لا تكون ذات فائدة دائماً. وتضيف أن العديد من دراسات تقييم دورة الحياة تبحث بالأساس علاقة الطاقة المجسدة وتغير المناخ، ولا تتناول الأسئلة المتعلقة بدوام وسُمّية ومخاطر البلاستيك.
البلاستيك دائم وقد يستغرق تحلله ألف سنة، وحتى في هذه الحالة غالباً ما يقتصر الأمر على أجزاء صغيرة منه، وهو لا يتحلل في التربة مثلما هو الحال مع الورق، أو القطن، أو البلاستيك الحيوي. في نهاية المطاف، يتحلل إلى جزيئات صغيرة، أو جسيمات بلاستيكية، أصبحت تمثل مصدر تهديد متزايد على الصحة والبيئة. في الأسبوع الماضي، صرّح علماء بأن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تتراكم في أعماق المحيطات، وليس على سطحها فقط، وأن نسبة كبيرة منها مصدرها البلاستيك أحادي الاستعمال. في المقابل، يمكن تحويل الأكياس القطنية إلى سماد، كما يمكن إلقاؤها في كومة في الفناء الخلفي، أو في صندوق نفايات بجانب الرصيف.
نعم، يُعاد تدوير الأكياس المصنوعة من الأغشية البلاستيكية، وفي الواقع، هناك العديد من محلات البقالة المزودة بصناديق تجمع فيها هذه الأكياس. ومع ذلك، في الولايات المتحدة، يُعاد تدوير أقل من 5% من أكياس البلاستيك هذه. وتقول هيذر تريم، المديرة التنفيذية لمنظمة Zero Waste Washington غير الربحية، إن المواد البلاستيكية أحادية الاستعمال خفيفة الوزن وتنتشر في كل مكان ولها آثار سلبية على الحياة البرية؛ فهي تخلق كمية كبيرة من القمامة في المساحات المفتوحة، وتسبب الكثير من المشكلات في أنظمة إعادة التدوير.
ما يتبقى من هذه الأكياس ينتهي في مدافن النفايات، أو مرمياً على الأرض، أو في المياه، أو كملوث في مراكز إعادة التدوير. لكن مدافن النفايات هذه ليست بتلك الأهمية التي تعزى إليها، حيث إنها محصورة إلى حدٍ ما، وفي العادة تغطى النفايات داخلها بواسطة التربة أو بواسطة مواد أخرى. ومع ذلك، تفلت العديد من الأكياس البلاستيكية من هذه المدافن نظراً لخفتها وسهولة حركتها، الأمر الذي يستدعي إنفاق آلاف الدولارات في محاولة جمعها واحتوائها. أما في الماء، فتبتلعها مختلف الكائنات الحية، مما يؤدي إلى مرضها وموتها.
اقرأ أيضا: تعرف إلى الشعاب المرجانية وأهميتها في الحفاظ على البيئة البحرية
تنتشر على شبكة الإنترنت صور الحيتان والطيور التي انسدت أحشائها بسبب بقايا البلاستيك، لكن هذه الأكياس المتناثرة في كل مكان لا تهدد المحيطات وحدها، فعندما تطرح في صناديق إعادة التدوير ينتهي بها المطاف بتلويث مراكز إعادة التدوير. تستخدم هذه المراكز أسطوانات لفافة لفصل المواد بداخلها، وعندما تدخل الأكياس البلاستيكية إليها تلتف حول هذه الأسطوانات، ما يعني أن على العمال إيقاف المحطة والتسلق إلى التجهيزات لإزالة بقايا البلاستيك. هذا العمل خطير، ويستغرق وقتاً طويلاً، إذ تُقدّر شركة «Waste Management» أن إزالة هذه الأكياس يستغرق ما مجموعه 140000 ساعة كل عام.
حتى مع هذه الجهود، تصرح هيذر تريم أن رزماً من المواد المضغوطة القابلة لإعادة التدوير ما تزال ملوثة بنسبة تتراوح بين 11 و20 في المائة داخل الولايات المتحدة، ما يعني أن قيمتها منخفضة. وتضيف أنه منذ مارس 2018، لم تعد تقبل الصين، التي كانت تستقبل المواد القابلة لإعادة التدوير الخاصة بالولايات المتحدة منذ وقت طويل، سوى المواد البلاستيكية والألياف التي تقل نسبة التلوث فيها عن 0.5 في المائة. وترجع هيذر نسبة كبيرة من هذا التلوث إلى المواد البلاستيكية أحادية الاستعمال، وفي مقدمتها الأكياس البلاستيكية، وهكذا يؤدي استخدام المواد البلاستيكية إلى الإضرار بصناعة إعادة التدوير بأكملها.
كل هذه الآثار المترتبة عن الأكياس البلاستيكية، من نفايات، ومخاطر على البشر والحيوان، وتلوث، لا تدخل في حسابات تقييمات دورة الحياة، فهي تعقد مقارنات بناءً على الظروف والشروط المتوفرة وقتها. فإذا انتقلنا على سبيل المثال إلى أنظمة طاقة تعتمد على مصادر منخفضة أو منعدمة الكربون، فستنخفض نسبة غازات الدفيئة المرتبطة بنقل وإنتاج القطن لصنع أكياس البقالة. لكننا لا نسمع عن هذا الجانب من القصة لأنه ليس في مصلحة بعض الناس أن يُعرف هذا الفارق بين نوعيتي الأكياس.
وبهذا الخصوص تقول كلاب إن لصناعات الأكياس البلاستيكية مصلحة في الحفاظ على الوضع الراهن، ولهذا تراهم يتحدثون دائماً عن تقييمات دورة الحياة لأنها تمكنهم من التصريح بأن الأكياس البلاستيكية تتطلب طاقة مجسدة أقل. فعلى سبيل المثال استأجرت «American Progressive Bag Alliance» خبيراً استشارياً لإعداد تقييم دورة حياة الأكياس البلاستيكية، واستخدمت النتائج النهائية لإعداد صحيفة وقائع تفيد بأن الحظر والضرائب على الأكياس البلاستيكية هي محض سياسات مضللة لا معنى لها.
مع ذلك، يرى «ترافيس فاغنر»، أستاذ العلوم والسياسات البيئية في جامعة مين، أن تقييمات دورة الحياة أداة مفيدة في معرفة ما ينبغي تغييره، ويقول إن معظم هذه التقييمات تميل إلى الاتفاق على أن الأكياس القطنية تستخدم قدراً كبيراً من الموارد. لكن العبرة ليست في أن نتنازل عن هذا الخيار ونواصل استخدام البلاستيك، إذ يمكن أن تقودنا هذه التقييمات نحو بدائل أفضل. فعلى سبيل المثال، يمكن للقنب أن يكون بديلاً عن القطن نظراً لأنه لا يتطلب الكثير من الموارد. ويضيف فاغنر أن القصد الأصلي من وراء تقييمات دورة الحياة هو تحديد ما يمكن تحسينه، وليس إساءة تفسير بعض نتائجها لتقول أن استخدام هذا النوع من الأكياس يجب أن يتوقف حالاً.
ما الذي يجب على المتسوق حسن النية فعله إذاً؟ حتى لو اتبعنا نتائج تقييمات دورة الحياة، فإن بعض المواد ليست بذلك السوء، إذ وجدت الدراسة الدنماركية السابقة أنك تحتاج فقط إلى إعادة استخدام أكياس البولي بروبيلين -الأكياس المتينة التي تشبه القماش والتي تباع في محلات السوبر ماركت- 52 مرة ليضاهي تأثيرها تأثير أكياس البقالة البلاستيكية؛ بعبارةٍ أخرى، مرة في الأسبوع لمدة عام.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن دقة نتائج تقييمات دورة الحياة تعتمد أساساً على المكان الذي أجريت فيه الدراسة. ويقول فاغنر إن كل بلدية لديها تكاليف مختلفة مرتبطة بإدارة النفايات، والتي تغير من درجة التأثيرات البيئية للمواد المدروسة. ففي إحدى تقييمات دورة حياة أكياس بقالة مصنوعة في المملكة المتحدة، توصل الباحثون إلى أن أكياس البولي بروبيلين تحتاج فقط إلى إعادة استخدامها 11 مرة حتى يكون لها التأثير نفسه الذي تحدثه الأكياس أحادية الاستعمال. وفي نفس الدراسة احتاج كيس القطن إلى 131 إعادة استخدام حتى يساوي تأثير الأكياس أحادية الاستعمال، وليس 20000.
بغض النظر عن المواد التي تدخل في تكوين أكياس البقالة، تبقى أفضلها تلك التي نملكها بالفعل. معظمنا لديه أكوام من الأكياس القابلة لإعادة الاستخدام التي جمعناها على مر السنين، لذلك فلا حاجة إلى شراء مجموعة جديدة من الأكياس القطنية العضوية. وهو ما يؤكده «جوزيف غرين»، أستاذ الصناعة والهندسة المستدامة بجامعة كاليفورنيا الحكومية، إذ يرى أن الأكياس البلاستيكية القابلة لإعادة الاستخدام والمصنعة من البلاستيك المعاد تدويره هي الأفضل. لكن إذا كانت تضايقك الموارد المستخدمة في صناعة الأكياس القابلة لإعادة الاستعمال، فهناك بدائل يمكنك صنعها بنفسك، ولك فقط أن تدخل إلى اليوتيوب لتجد كثيراً من مقاطع الفيديو التي تريك كيف تحول قمصان قديمة إلى أكياس بقالة.
في الختام، عندما يحين الوقت للتخلص من الأكياس البلاستيكية، يمكنك التقليل من تأثيراتها على البيئة عن طريق إعادتها إلى متجر البقالة، فالعديد منها يجمع هذه الأكياس لإعادة تدويرها. ويقول جوزيف غرين إن أكياس البولي إيثيلين، التي تشمل الأكياس ذات الاستعمال الواحد، ونظائرها من الأكياس السميكة القابلة لإعادة الاستخدام، يمكن إعادة تدويرها بين 15 و20 مرة. وعندما تتم معالجة البلاستيك وتحويله إلى حبيبات، فإن ثمنه يتراوح بين 75 و80 سنت للرطل الواحد؛ أكثر من ثمن العلب البلاستيكية. ويرتفع الطلب على هذه المواد البلاستيكية المعالجة نظراً لاستخدامها في مواد البناء.
وفقا لكلاب، فإن التخلي عن استخدام الأكياس البلاستيكية وغيرها من المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد أمر يتعلق بتغيير العادات الشخصية، وتغيير النظام القائم، وتؤكد أن العبء لا ينبغي أن يقع على عاتق الأفراد وحدهم، بل يجب كذلك أن تتحمل الحكومات والصناعات قسطاً من المسؤولية.
اقرأ أيضا: تعرف على مصطفى كمال طلبة: المدير السابق لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة