كيف يهدد التغير المناخي أولمبياد الألعاب الشتوية؟

4 دقائق
الرياضات الشتوية وتغير المناخ.
حقوق الصورة: بيكساباي.

يتغير فصل الشتاء في جميع أنحاء العالم، حيث بات هناك عدد أكبر من أيام الشتاء الدافئة، وحالاتٍ تسقط فيها الثلوج فجأةً، وعواصف تحدث بسرعة ولا تتيح للناس التحضر لها، بالإضافة إلى قصر فترات تساقط الثلوج عن المعتاد. في الواقع، يمكن أن يكون تغير الطقس باستمرار، والناجم عن تغير المناخ، مصدر إزعاجٍ أو حتى قد يضر بصحة الناس، ويمكن أن يؤثر سلباً إلى حد كبير على الرياضات الشتوية.

أضرار يتخطى أثرها التزلج على الجليد

لا يحد التغير المناخي نشاطاتنا الفردية كالتزلج على الثلج في المناطق المحلية القريبة وحسب، بل يعيق إقامة الأحداث الرياضية ويجعلها نادرةً حتى في أفضل أماكن التزحلق على الجليد والتزلج على الثلوج وأماكن ممارسة رياضة الزحافات الثلجية. قد يكون تأثير ذلك على دورات الألعاب الأولمبية التي ستقام في المستقبل فظيعاً جداً. 

حدد تقرير صدر مؤخراً في دورية «Current Issues in Tourism» أياً من المواقع الإحدى والعشرين التي استضافت ألعاب الأولمبياد الشتوية سابقاً مؤهلةٌ في الواقع لاستضافة الأحداث الرياضية الشتوية بشكلٍ آمن وعادل بحلول نهاية القرن. لم يجد الباحثون سوى موقعٍ وحيد مؤهل لاستضافة دورة ألعاب أولمبية شتوية آمنة وعادلة بحلول عام 2100، وهو مدينة سابور في اليابان، والتي استضافت أولمبياد عام 1972، وذلك في حال استمر معدل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في مساره الحالي. وحتى في السيناريوهات الأقل للانبعاثات وفق اتفاقية باريس للمناخ، لن تكون هناك سوى تسع مدنٍ، أقيمت فيها سابقاً ألعاب الأولمبياد الشتوية، موثوقة لاستضافة الألعاب الشتوية في ثمانينيات القرن الحالي.

درس الباحثون التأثيرات المناخية في هذه المدن، واستطلعوا آراء 339 من نخبة الرياضيين والمدربين لتحديد ما يعتبر في الواقع مكاناً "آمناً وموثوقاً" للمنافسة في الرياضات الثلجية. صنف المستجيبون 23 شرطاً للطقس، مثل درجة الحرارة وكمية الثلج ونوعه وثباته وسرعة الرياح والأمطار والضباب على مقياس يتراوح بين المثالي والجيد والمحايد والسيء وغير الآمن. كان الغطاء الثلجي الخفيف والرقيق أكثر الأشياء غير المقبولة التي تمنع إقامة مسابقاتٍ مثالية.

بالإضافة إلى ذلك، أفاد 89% ممن شملهم الاستطلاع بأنهم شعروا أن التغير في الطقس يؤثر على ظروف ممارسة الرياضة، ويخشى 94% منهم تأثير تغير المناخ على مستقبل رياضتهم. 

اقرأ أيضاً: أكثر من 100 مليار دولار: تكلفة الكوارث الناجمة عن التغير المناخي عام 2021

كيف يؤثر تغير المناخ على الرياضات الشتوية؟

يقول مؤلف الدراسة دانييل سكوت، أستاذ الجغرافيا والإدارة البيئية في واترلو في بيان: «يتغير عالم الرياضات الشتوية مع تسارع تغير المناخ، ويعاني الرياضيون والمدربون الدوليون الذين قابلناهم من التأثيرات على أماكن المنافسة والتدريب، بما في ذلك في الألعاب الأولمبية». 

وجد الباحثون أن متوسط درجة الحرارة اليومية للمدينة المضيفة قد تغير بشكل كبير  على مدار تاريخ الألعاب الأولمبية الشتوية، والتي تقام عادةً في فبراير/شباط كل أربع سنوات. لقد كان متوسط درجة الحرارة بين عشرينيات وخمسينيات القرن الماضي نحو 0.4 درجة مئوية. لكنه ارتفع بين الستينيات والتسعينيات إلى 3.1 درجة مئوية، بينما وصل متوسط درجة الحرارة في القرن الحادي والعشرين إلى 6.3 درجة مئوية. 

بغض النظر عن المسار الذي سنسير عليه بشأن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ستستمر درجة الحرارة في الارتفاع في المستقبل. وحتى لو حققنا أهداف اتفاقية باريس للمناخ، ستكون درجة الحرارة أعلى بمقدار 1.9 درجة مئوية بحلول عام 2050. في أسوأ السيناريوهات، سترتفع درجة الحرارة بحلول عام 2080 بمقدار 4.4 درجة مئوية. في أي من الحالتين، يمكننا أن نقول وداعاً إلى حد ما لاستضافة أوروبا الوسطى للألعاب الشتوية لعقود قادمة. 

يقول مؤلف التقرير، روبرت شتايجر من جامعة إنسبروك في النمسا، في بيان صحفي: «تغير المناخ يغير جغرافية الألعاب الأولمبية الشتوية، ولسوء الحظ، سوف يستبعد بعض المدن المضيفة المشهورة بالرياضات الشتوية». 

لقد تركت الآثار المؤسفة لتغير المناخ بصماتها بالفعل على التاريخ الحديث للألعاب الأولمبية الشتوية، حيث بدأ صنع الثلج اللازم للألعاب الشتوية في الواقع منذ عام 1980. في عام 2010، كان على مدينة فانكوفر أن تستورد بعض الثلج من خارج المدينة عبر المروحيات والشاحنات من أجل إقامة المنافسات لتعويض نقص الثلج الناجم عن ظروف الطقس غير المتوقعة. بعد أربع سنوات، عمدت مدينة سوتشي الروسية إلى تخزين الثلج عبر تظليل بعض مناطق الثلوج منذ فصل الشتاء السابق تحسباً لحصول نقص فيه أثناء دورة الألعاب الأولمبية. ومع ذلك، كانت 80% من الثلوج في أولمبياد سوتشي صناعية، وفي ألعاب بيونج تشانغ عام 2018، كانت نسبة الثلوج الصناعية 90%. 

مساوئ الثلوج الصناعية

من المحتمل أن تعتمد ألعاب بكين لهذا العام على الثلوج الصناعية بنسبة 100%، الأمر الذي قد يمثل مشكلة بالنسبة للمنطقة التي تعاني بالفعل من الجفاف ونقص المياه في الأساس، ناهيك عن أن الحفاظ على الثلج على الأرض أمر صعب للغاية لأن جفاف المنطقة يهدد بجرف الثلج أو تبخره. تقول كارمن دي يونج، عالمة الجغرافيا بجامعة ستراسبورج، لوكالة بلومبرج في هذا الصدد: «لا مفر من أن تكون هناك بعض التأثيرات في منطقة تغيب فيها المياه طوال فترة الشتاء تقريباً. في الواقع، تغيب المياه عن النظام البيئي الطبيعي لمدة نصف عام، وتحديداً خلال موسم الرياضات الشتوية». 

قد تحتاج البلاد إلى توفير ما يصل إلى 49 مليون جالون من المياه المعالجة كيميائياً، وفقاً لتقرير حديث صادر عن مجموعة الرياضة البيئية في جامعة لوبورو في إنجلترا ومجموعة «حماية البيئة الشتوية». ويكتب مؤلفو الدراسة: «لا يقتصر الأمر على الاستخدام المكثف للطاقة والمياه، أو استخدام المواد الكيميائية بكثرة لإبطاء ذوبان الثلوج، ولكن الثلوج الصناعية توفر سطحاً يقول العديد من المتنافسين أنه لا يمكن التنبؤ به ويمكن أن يكون خطيراً». من جانبها، تقول المتزلجة الأولمبية الأميركية، روزي برينان، للإذاعة الوطنية العامة (NPR): «تختلف طبيعة الثلج المعالج كيميائياً عن الثلج الطبيعي، إذ يتجمد بسرعة أكبر ويكون صلباً أكثر».

ويقول سورين رونج، الناشط في حملة «احموا شتاء أوروبا»، لصحيفة الجارديان: «إن تجاهل تغير المناخ له مخاطر تتجاوز الألعاب الكبرى. ستُغلق المنتجعات وستزداد حرائق الغابات ويتفاقم الجفاف. يجب على الحكومات إعطاء الأولوية لخفض الانبعاثات من خلال حلول الطاقة النظيفة والنقل، وإلا لن يكون هناك إمكانية لإقامة منافسات الرياضات الشتوية في الأولمبيادات الشتوية، ولن يكون بمقدورنا الذهاب في رحلاتٍ عائلية إلى الجبال. هناك آثار لا تعد ولا تحصى لفقدان الغطاء الثلجي الموثوق به. بدون تساقط الثلوج وتراكمها بشكل مستمر، سيكون غياب القدرة على التزلج أهون مشاكلنا».

بدأت دورة الألعاب الشتوية في الرابع من شهر فبراير/شباط 2022، وستستمر حتى العشرين منه، ومن المقرر أن تستضيف مدينة ميلانو بإيطاليا دورة الألعاب الشتوية عام 2026.

المحتوى محمي