برودة الأرض قديماً قد تغيّر تنبؤاتنا حول الاحتباس الحراري

4 دقائق
برودة الارض
shutterstock.com/Tatiana Gasich

وفقاً لبحث جديد نُشر في 27 يناير/ كانون الثاني 2021 في دورية «نيتشر» حول الاحتباس الحراري ومناخ الأرض؛ فإن الـ 12 ألف سنة السابقة كانت أبرد بكثير مما نعتقد، بينما اتّضح أن احترار الغلاف الجوي نتيجة النشاط البشري منحرف عن تنبؤاتنا أكثر مما كنا ندرك. وجد مؤلفو الدراسة الجديدة طريقة جديدة لتقدير درجات الحرارة في العصور القديمة؛ يدّعون أنها تتجاهل النقلات الموسميّة التي جعلت العصور القديمة تبدو أكثر دفئاً مما هي في الحقيقة.

قد تمثّل المكتشفات الجديدة حلاً للغز قديم حول التاريخ الحديث للتغيّر المناخي. تدعى المشكلة «معضلة سخونة الهولوسين»؛ وهي أن التمثيلات السّابقة للمناخ التاريخي بيّنت وجود فترة دافئة امتدّت بين 6 آلاف إلى 10 آلاف عام من الآن، تبعتها فترة من انخفاض درجات الحرارة. مع ذلك؛ فإن النماذج المناخية التي توصف نفس الفترة تبيّن أن الأرض يجب أن تكون قد مرت بفترة من الاحترار المنتظم.

تشرح «سامانثا بوفا»؛ وهي باحثة في المناخ القديم في جامعة «روتجرز»، وواحدة من مؤلفي الدراسة الجديدة: «تبيّن البيانات بالفعل حدوث احترارٍ ينسجم تماماً مع تنبؤات النماذج المناخيّة»؛ وذلك عن طريق التفسير الدقيق للأدلّة الملموسة التي نملكها عن المناخ المتغيّر.

إعادة تفسير تغيّرات التاريخ المناخي يغيّر سياق الاحتباس الحراري الذي يتسبب فيه البشر خلال الـ 150 سنة المنصرمة. تقول بوفا أنه بدلاً من حدوث فترة من الاحترار تلي فترة 6 آلاف سنة من البرودة، فنحن نتوجه إلى فترة غير متوقّعة أكثر دفئاً من أي وقت مضى منذ أن كانت تغطّي الأنهار الجليدية جزيرة مانهاتن.

تبيّن بوفا أن هذا لا يعني أن التفسير الحالي الذي يبيّن الاحترار من 6 آلاف سنة هو خاطئ، بل يعني حدوث تغيّرات في درجات الحرارة في فصول الصيف (وليس في درجات الحرارة السنويّة) في النصف الشمالي من الكرة الأرضيّة. هذه الفكرة مهمّة لأن تفاوت الحرارة بين الفصول يتأثر أكثر بموقع الأرض بالنسبة للشمس، ولا يمكن مقارنته بدرجات الحرارة الوسطيّة التي تتنبأ بها النماذج المناخيّة.

مناخ عصر الهولوسين

خلال بدايات عصر الهولوسين؛ كانت فصول الصيف في النصف الشمالي من الكوكب أسخن مع تحرّك الأرض وفق مدار أقرب إلى الشكل الإهليلجي؛ مما تسبّب في تفاوتات أشد بين السخونة والبرودة، لكن هذا لا يعني أن السنة كانت أكثر سخونةً بشكلٍ وسطي، بل أن التفاوتات في درجات الحرارة بين الفصول كانت أشد.

تقول بوفا: «حتى قبل الثورة الصناعيّة، كانت نسب غازات الدفيئة -غازات الاحتباس الحراري- تزيد من 6 آلاف سنة»، لكن هذه الزيادات ضئيلة مقارنةً بالانبعاثات الحديثة، وتفيد بأن تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي زاد بما يعادل 20 جزء من مليون؛ في الفترة ما بين حوالي 4000 و 1850 قبل الميلاد، بينما فتركيز نفس الغاز زاد بما يعادل حوالي 100 جزء من مليون من 1950 فقط.

تفيد بوفا أيضاً أن هذا اللغز يُستغل من قبل المشككين بالتغيّر المناخي. يحاجج هؤلاء كالتالي: كيف يمكن أن يكون تأثير الدفيئة مهماً جداً للاحتباس الحراري؛ إذا زادت تراكيز غازات الدفيئة خلال عصر الهولوسين في نفس الوقت الذي انخفضت فيه درجات الحرارة العالمية؟

بدأت محاولات حل اللّغز عام 2016 خلال حملة قادتها جامعة روتجرز إلى الساحل الشمالي لبابوا غينيا الجديدة، وهناك؛ جمعت بوفا وزملاؤها أنابيب الرواسب من قاع البحر التي تغطّي مئات آلاف السنين من التاريخ المناخي.

تقدير الأنماط الموسمية خلال عصر الهولوسين هو عملية تزيد من تعقيدها التغيرات في تراكيز غازات الدفيئة، وامتداد صفائح الجليد، ولذلك؛ نظَر علماء المناخ بدلاً من ذلك إلى الفترة ما بين الجليديّة الأخيرة (الفترات ما بين الجليدية هي فترات أسخن وسطياً تتخلل الفترات الجليدية في العصر الجليدي)؛ والتي امتدّت من 128 ألف إلى 115 ألف سنة من الآن.

تشرح بوفا أن هذه الفترة الدافئة الأخيرة كانت أبسط مناخياً، وتقول: «على عكس ما كانت عليه في عصر الهولوسين، كانت تراكيز غازات الدفيئة متشابهة خلال هذه الفترة». تراجعت الصفائح الجليدية أيضاً بسرعة؛ مما تسبب في تأثير أقل نسبياً على مناخ الكوكب ككل.

بنفس الوقت، كان مدار الأرض حول الشمس إهليلجياً أكثر، والتفاوتات الموسميّة لأشعة الشمس كانت أكثر بضعفٍ مما هي اليوم. تقول بوفا أنه بسبب هذا «يمكننا أن نُرجع التغيّرات في درجات الحرارة التي نرصدها اليوم إلى التغيرات في الإشعاعات الشمسيّة التي تصل إلى الأرض».

في الحقيقة؛ التغيرات طويلة الأمد؛ التي وجدها الباحثون خلال الفترة ما بين الجليدية الأخيرة، تنسجم مع أنماط إشعاعات الشمس الموسمية؛ التي تسببت بها التغيّرات في شكل مدار الأرض؛ مما يشير إلى أن الرواسب تعكس مرور فصول من الصيف أكثر حرّاً، وليس سنوات أحرّ.

تأثير أشعة الشمس

انطلاقاً من هذا الاستنتاج، كان على الباحثين أن يحسبوا تأثير أشعة الشمس الموسميّة على درجات حرارة المحيطات، ثم الوسطي السنوي. عندما حسب الباحثون درجات الحرارة السنوية الوسطية؛ عن طريق تطبيق الآلية نفسها على سجلات درجات الحرارة لعصر الهولوسين، كشفوا وجود نمط من الاحترار المنتظم؛ وهو تماماً ما تنبأت به النماذج المناخيّة. تقول بوفا أنّه بسبب أن النماذج تنسجم مع السجلات، أصبح الفريق قادراً على إرجاع أنماط الاحترار التي كشفتها بياناتهم إلى أسباب ملموسة.

في البداية، كان الاحترار خلال عصر الهولوسين ينتج عن التراجع البطيء للصفائِح الجليدية؛ كما تعلل بوفا «لأن كمية الجليد على سطح الأرض كانت تقل»، وتضيف: «ولذلك، قلّت كميّة الإشعاع التي تنعكس عن سطح الأرض»، ولهذا السبب زادت درجة حرارة الكوكب. بعد ذلك؛ وقبل حوالي 6 آلاف سنة، تسببت تراكيز غازات الدفيئة المتزايدة في المزيد من التسخين.

تعترف بوفا بوجود فرضيّات منافسة لتفسير التضارب بين ما تقوله النماذج والبيانات المناخية السابقة. إحدى الفرضيات تحاجج أن النماذج المناخية الحالية لا تأخذ ازدياد الغبار الجوي خلال عصر الهولوسين بالحسبان؛ والذي يمكن أن يكون له أثر إجمالي تبريدي، لكن بوفا تقول أن الدراسة الجديدة تقدّم أدلّة بأن المشكلة تكمن في تفسير البيانات، وليس النماذج.

تقول بوفا: «اقتُرح سابقاً أن السجلات قد تكون منحازة موسمياً، ولكن لم يكن هناك أي طريقة جيدة لبرهان ذلك».

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً

المحتوى محمي