يتم التخلص من نحو 4.5 مليار عقب سيجارة سنوياً في جميع أنحاء العالم، ما يجعل منها أحد أكثر العناصر تناثراً على وجه الأرض. يحتوي نحو 90% من السجائر على فلاتر مصنوعة من بلاستيك حيوي يُدعى أسيتات السيللوز، والذي يمكن أن يستغرق ما يصل إلى 14 عاماً حتى يتحلل. وحتى لو تم التخلص منها بشكلٍ صحيح، لا تزال أعقاب السجائر تُعد من النفايات الصلبة الخطرة.
في السنوات الأخيرة، أصبح استخدام السجائر التي لا تحتوي على المنثول (مادة عضوية بنكهة النعناع تُضاف إلى التبغ لتخفيف حدة التدخين) أقل شيوعاً، لكن استخدام السجائر الحاوية على المنثول لم ينخفض أو يتغير بشكل كبير. لذلك اقترحت إدارة الغذاء والدواء (FDA) مؤخراً حظراً على السجائر الحاوية على المنثول وغيره من النكهات الأخرى المستخدمة بخلاف التبغ في السجائر لتقليل استهلاكها، لتشجيع مدخني سجائر المنثول على الإقلاع عن التدخين.
يمكن أن يؤدي حظر سجائر المنثول إلى تقليل التفاوتات الصحية بالنظر إلى أن الفئات الضعيفة لديها ميل أعلى لتدخينها. يفضل نحو 40% من المدخنين تقريباً في جميع أنحاء الولايات المتحدة السجائر التي تحتوي على المنثول على السجائر الأخرى، ومع ذلك، فإن هذا التفضيل مرتفع بشكل غير متناسب بين داكني البشرة والسكان المحرومين اجتماعياً واقتصادياً والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي بالإضافة إلى الأشخاص الذين يعانون من مشكلات الصحة العقلية. كما يشيع استخدام سجائر المنثول بين شباب الأقليات العرقية والإثنية.
اقرأ أيضاً: ضعف التلوث الكربوني يسببه 1% من سكان العالم فقط
على الرغم من أن إدارة الغذاء والدواء كانت تهدف من خلال هذا الاقتراح إلى الحد من الأمراض والوفيات الناجمة عن استهلاك السجائر، فإن الأبحاث تظهر أن حظر سجائر المنثول يمكن أن يفيد البيئة أيضاً.
تقليل عدد المدخنين يحد من نفايات السجائر
وفقاً لرسالة مجلة "مكافحة التبغ" (Tobacco Control)، فإن تبني حظر سجائر المنثول الذي اقترحته إدارة الغذاء والدواء الأميركية من شأنه أن يوفر فوائد بيئية كبيرة لأنه سيقلل قمامة السجائر بمقدار 3.8 مليون سيجارة سنوياً.
لقد نجح هذا الإجراء في كندا بالفعل. بدأت كندا بحظر سجائر المنثول في عام 2015 وحتى عام 2018، ما دفع العديد من المدخنين إلى الإقلاع عن التدخين. اعتمد مؤلفو الدراسة على معدل الإقلاع عن التدخين في كندا لتقدير أن حظراً مشابهاً في الولايات المتحدة يمكن أن يقود إلى إقلاع 1.3 مليون شخص عن التدخين، ثم قاموا بضرب هذا العدد بالرقم 11.9- الذي يمثل المتوسط اليومي لعدد سجائر المنثول التي يستهلكها المدخنون البالغون في الولايات المتحدة- وبـ 365- عدد أيام السنة- لاستنتاج مقدار عدد السجائر التي يمكن تخفيض استهلاكها. كانت النتيجة 5.8 مليار سيجارة.
اقرأ أيضاً: يتسبب الإنسان بـ90% منها وللطبيعة دورها أيضاً في حرائق الغابات
تقول مديرة نشر المعلومات في مشروع تقييم سياسة مكافحة التبغ الدولية (ITC) في جامعة واترلو في كندا، والتي شاركت في الدراسة، لورين كريغ: «تشير التقديرات السابقة إلى أن 65% من أعقاب السجائر يتم التخلص منها بشكل غير مناسب في الولايات المتحدة، وبأخذ مقدار السجائر التي يمكن تخفيض استهلاكها حسب الدراسة، قدرنا أن الحظر الذي تقترحه إدارة الغذاء والدواء سيؤدي إلى تقليل عدد السجائر المتناثرة سنوياً بمقدار 3.8 مليار سيجارة».
إذا كان وزن عقب كل سيجارة نحو 0.2 غرام، فإن التخلص من 3.8 مليار عقبٍ متناثر في الشوارع والشواطئ سيؤدي لتجنّب 755 طناً من نفايات السجائر سنوياً، وهو ما يعادل كمية النفايات البلاستيكية التي ينتجها نحو 7114 أميركياً سنوياً إذا ما اعتبرنا أن الأميركي العادي ينتج نحو 106 كيلوغرامات من النفايات البلاستيكية سنوياً.
يضر التبغ بالبيئة خلال المراحل المختلفة من دورة حياته
من المعروف أن الإقلاع عن التدخين يقلل من مخاطر الوفاة المبكرة وأمراض القلب والأوعية الدموية. ومع ذلك، فإن السياسات الهادفة إلى الحد من استهلاك التبغ لا تؤدي إلى تقليل التكاليف الاقتصادية والصحية المرتبطة بالتدخين فحسب، بل وقد تقلل أيضاً من الضرر البيئي الذي يتسبب به التبغ طوال دورة حياته بأكملها، وفقاً للمؤلفين.
تقول كريغ: «تلوث السجائر الأرض والماء والهواء بدءاً بزراعة التبغ وحصاده مروراً بإنتاج السجائر واستهلاكها ووصولاً إلى التخلص من أعقاب السجائر وعبواتها». لقد تم قطع نحو 600 مليون شجرة بهدف زراعة التبغ مكانها، وهناك حاجة إلى 24 مليار طن من المياه لصنع السجائر. وبالإضافة إلى ذلك، يطلق إنتاج واستهلاك التبغ 84 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي سنوياً.
ويقول مدير حملة المحيطات في فرع منظمة السلام الأخضر بالولايات المتحدة الأميركية، والذي لم يشارك في الدراسة، جون هوسيفار: «تشيع المواد الكيميائية المسرطنة والمعادن الثقيلة السامة مثل الرصاص والزرنيخ في السجائر، ويمكن أن تتسرب هذه المواد إلى المجاري المائية والتربة. بمجرد وصول الألياف البلاستيكية الدقيقة الموجودة في أعقاب السجائر إلى المجاري المائية، فإنها تجذب مركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور والمواد الكيميائية السامة الأخرى وترتبط بها وتزيد من خطورتها».
اقرأ أيضاً: هذا الثوب يغير لونه ليظهر مدى تلوث الهواء
يمكن أن تبتلع الحيوانات المائية، مثل الحيتان والمحار والشعاب المرجانية، كمياتٍ هائلة من هذه الألياف البلاستيكية الدقيقة الموجودة في المياه، ويضيف هوسيفار بأن هذه المخلوقات ستعاني من هذه المواد الكيميائية السامة، وبالإضافة إلى ذلك، ستجد صعوبة أكبر في تلبية حاجاتها الغذائية.
وتقول كريغ: «إذا كانت السجائر تتسبب في مثل هذا التدهور البيئي الواسع النطاق والمتعدد الأوجه، فإن سياسات مكافحة التبغ التي تقلل من التدخين ستعود بفائدة مماثلة على البيئة من خلال الحد من هذا التدهور».
الحد من استهلاك السجائر يفيد البيئة في نهاية المطاف
يقول هوسيفار إن استبعاد المواد الكيميائية السامة من إنتاج التبغ من شأنه أن يقلل من ضرر نفايات السجائر، لكنه لن يحول دون دخول الألياف الدقيقة البلاستيكية إلى البيئة، وبالتالي ستكون السياسات الحكومية التي تحد من استخدام السجائر أكثر فائدةً للبيئة.
ويقول الباحث الرئيسي في مشروع تقييم سياسة مكافحة التبغ الدولية (ITC) في جامعة واترلو في كندا، والذي شارك في الدراسة المنشورة في مجلة مكافحة التبغ، جيفري فونغ: «تسلّط الدراسة الضوء على قضية أعقاب السجائر باعتبارها مصدراً رئيسياً للتلوث البلاستيكي، بالإضافة إلى إمكانية حظر المنثول لتقليل استخدام المواد البلاستيكية التي تستخدم مرة واحدة.
اقرأ أيضاً: النفايات البلاستيكية في البحار والمحيطات تشكل بيئة ملائمة لنمو وتكاثر العوامل الممرضة
يمكن لصانعي السياسات الحد من نفايات السجائر بشكل أكبر من خلال التنفيذ الصارم لسياسات مكافحة التبغ الواردة في اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ، والتي تنطوي على التزام الدول الموقعة عليها باتخاذ إجراءات للحد من استخدام التبغ، مثل تنظيم محتويات منتجات التبغ وإلزام المنتجين بالكشف عن مكوناتها ووضع تحذيرات صحية مصورة بارزة على منتجات التبغ».
ويضيف فونغ أن سياسة حظر بيع السجائر المفلترة قد تكون إجراءً فعّالاً للمساعدة في الحد من التلوث الذي تسببه المنتجات البلاستيكية التي تُستخدم لمرة واحدة.
«ستقود أي سياسة تهدف لتقليل عدد المدخنين إلى تقليل نفايات السجائر. إنها تضرب عصفورين بحجر واحد، أو بعبارة أخرى، سيكون الجميع رابحاً بتطبيقها: سياسة صارمة لمكافحة التبغ تقلل من التدخين وتقلل من الضرر البيئي».