خذ حفنةً من التراب وقرّبها إلى أنفك. تلك الرائحة الأرضية العذبة ما هي إلا رائحة المواد العضوية الموجودة فيها، وجزءٌ منها هو الكربون. قد تكون الرائحة التي تشمّها هي رائحة حلٍ ممكن لمعالجة أزمة التغير المناخي.
تحتوي مصادر التربة في العالم على كميةٍ من الكربون العضوي، أكبر من الكمية الموجودة في الغلاف الجوي وفي النباتات مجتمعين. فالنبّات، من خلال عملية التمثيل الضوئي، يستخلص الكربون من الجو، ثمّ وعندما يموت، يعود هذا الكربون إلى التربة.
إنّ تخزين المزيد من الكربون في التربة يساعد على تخليص الغلاف الجوي منه، وبالإضافة إلى ذلك، يساعد أيضاً على توفير العناصر المغذية لنمو النبات، ويحسّن بنية التربة، وبالتالي يزيد قدرتها على الاحتفاظ بالماء.
في الواقع، تتزايد أهمية الحفاظ على الخدمات الجليلة التي تقدمها بيئة التربة خلال العقود القليلة القادمة. فبحلول عام 2050، سيصل عدد سكّان العالم لما يقارب من 9 مليارات شخص حسب التقديرات، وذلك سيعني طلباً أكبر بكثر على التربة الخصبة لتلبية احتياجات الغذاء المتزايدة. في الأعمال التجارية، فإن الطلب المتزايد على المنتج يمكن تلبيته عن طريق زيادة الإنتاج. لكن بالنسبة للتربة، فإن الحصول على المزيد منها قصةٌ مختلفةٌ تماماً.
ينشأ قسمٌ كبير من تربة الأرض من القواعد الصخرية العميقة تحت سطح الأرض، وهي عمليةٌ بطيئة للغاية. وفي جميع أنحاء الأرض، خصوصاً في المناطق التي يتسارع فيها الإنتاج الزراعي، تتعرّض التربة لمختلف أشكال التعرية والتدهور بمعدلاتٍ أكبر بكثير من معدّل تشكّل الترب الجديدة. ومن المعلوم أنّه كلما قل سمك التربة، قلّت إنتاجيتها، لأنها تصبح أقل قدرةً على تخزين العناصر الغذائية والماء والكربون، وبالتالي، فإنّ القدرة الطويلة الأجل التي يمكن أن تساهم بها التربة في الحدّ من التغير المناخي ستصبح مهددةً.
الوقت ينفذ منا بسرعة
كم عاماً يمكن لتربة الأرض فيها الاستمرار بدعم انتاج المحاصيل الزراعية أو تخزين وتنقية المياه أو لامتصاص ما يكفي من الكربون من الغلاف الجوي للحدّ من أثر التغير المناخي؟ في الواقع؛ لا توجد سوى قياساتٌ وأبحاثٌ قليلة تتناول سرعة تشكّل التربة الصالحة للزراعة وسرعة تعريتها حتّى الآن. لقد كانت الجهود المبذولة لتبيّن ذلك متواضعةً وتشبه في أغلبها محاولة التنبؤ برصيد بنكٍ اعتماداً على النفقات فقط.
اقرأ أيضا: ما هي إيجابيات تغير المناخ؟
يقدّم بحثنا، الذي يُعدّ الأول من نوعه في العالم، تقديراً علمياً واضحاً لعمر التربة، وذلك من خلال استخدام قياساتٍ تجريبية لسرعة تشكّل التربة وتعريتها، كما يتيح للمزارعين والعلماء فكرةً أدّق حول مدى استدامة موارد التربة في العالم.
عند أخذ القياسات المتعلّقة بتشكّل التربة في مزرعةٍ في نوتنجهامشاير في المملكة المتحدة، قدّرنا أن طبقة السطحية من التربة البالغ سماكتها 30 سنتيمتراً يمكن أن تتآكل في غضون أقلّ من 138 عاماً، وأنّ حجر الأساس الرملي الذي تشكّلت منه هذه التربة سيتكشّف في غضون 212 عام. قد لا تشير الأرقام إلى بوادر حدوثٍ أزمةٍ في القريب العاجل، ولكّن، ونظراً لأن تشكّل هذه التربة قد استغرق 10 آلاف عام، فإن هذه التنبؤات تشير إلى أنّه لم يتبقى سوى 1% من عمرها قبل أن تندثر.
في مناطق أخرى من العالم، تآكلت التربةُ التي اُستخدمت لقرونٍ في الزراعات المُكثّفة إلى حدٍّ كبير. ويُعد خطر تدهور التربة في جنوب الصحراء الأفريقية وآسيا وأميركا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي عالياً، وإنتاجيتها آخذةٌ في الانخفاض أيضاً.
في هذه المناطق، حيث معدلات تآكل التربة في كثير من الأحيان أعلى من معدلاتها في المملكة المتحدة، قد يكون عمر التربة أقصر بكثير. ونظراً لأنّ الطلب على التربة سيزداد نتيجة ارتفاع عدد سكان العالم، ستضطر المجتمعات إلى التكيف لعكس مسار تدهور التربة، وبالتالي، إيجاد طرقٍ لزيادة سماكة التربة وزيادة عمرها الافتراضي.
إنقاذ تربة الأرض
إن الجدل الدائر حول الحفاظ على التربة ما زال قائماً منذ آلاف السنين. فلمعظم الحضارات تقريباً، بدرجاتٍ متفاوتةٍ طبعاً، دورٌ ما في محاولات الحفاظ على التربة. ولذلك، من حسن حظنا اليوم أن لدينا مجموعةً من الأدوات التجريبية تحت تصرّفنا، والتي يمكننا من خلالها إنقاذ التربة في العالم.
اقرأ أيضا: تأثير البقع الشمسية على الأرض
تشمل هذه الأدوات تغييراتٍ طفيفة نسبياً في الممارسات الزراعية. على سبيل المثال، يمكن أن تفيد زراعة المحاصيل عبر التلال بدلاً من زراعتها في السفوح؛ من تقليل جريان مياه الأمطار، وبالتالي منع جرف التربة وتعريتها. يمكن أيضاً زراعة الأشجار والعمل على تغطية الأجزاء المتبقية غير المزروعة بمحاصيل التغطية، كالبرسيم مثلاً، حيث يساعد ذلك في الحدّ من تدفّق المياه ويعمل على تثبيت التربة أيضاً.
في مايو/ آيار 2019، حضرت الندوة العالمية في روما التي تناولت مشكلة تدهور التربة. لقد مر الكثير من الماء (والتربة) تحت جسر بونس فابريسيوس -المعلم الأثري الشهير في روما- منذ أن وقف المزارعون الرومانيون القدماء وناقشوا مسألة الحفاظ على التربة في مزارعهم، والتي تمنح الحياة لروما.
لم تجمع الندوة المزارعين فقط، بل العلماء والمسؤولين الحكوميين ومديري الأراضي أيضاً. تُعد مشكلة تدهور التربة مشكلةً عالمية، لذلك كان من الضروري أن يعرض المعنيون بالأمر من خلفياتٍ وأعمالٍ مختلفة آرائهم، لكّن الرسالة التي خرجت بها الندوة كانت بسيطةً بمضمونها نسبياً؛ فمن أجل مستقبلٍ آمنٍ ولائقٍ للجميع، يجب أن ننقذ تربة العالم. الساعة تدق والوقت ينفد.
اقرأ أيضا: كيف تعامل شعب المايا مع التغير المناخي وكيف استطاع النجاة؟