خلال الأسبوعين الثاني والثالث من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، اجتمع العلماء والمسؤولون الحكوميون معاً في مؤتمر التغيّر المناخي كوب 27 في مدينة شرم الشيخ المصرية لمناقشة بعض من أهم المشكلات التي تهدد كوكب الأرض.
سيكمل الخبراء ما بدؤوه في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالتغيّر المناخي الذي عقد في عام 2021 في اسكتلندا. وتشمل القضايا الأساسية التي ستتم مناقشتها إجراءات التخفيف من آثار التغيّر المناخي واستراتيجيات التكيّف والأهداف التي تتمثل في الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري للغازات الدفيئة وتوفير التمويل لتعويض الخسائر وترميم الأضرار التي تعرّضت لها المجتمعات التي تعاني أكثر من غيرها من تبعات التغيّر المناخي.
اقرأ أيضاً: 3 من أهم مقررات مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي كوب 27
استثمارات وميزانيات كُبرى في مجال المناخ والطاقة
في عام 2022، توجّه وفد الولايات المتحدة إلى مؤتمر التغيّر المناخي في أعقاب إصدار قانون خفض التضخم الخاص بإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن (Joe Biden). يعتبر هذا القانون الذي سيخصص ميزانية قدرها 369 مليار دولار لمقاومة آثار التغيّر المناخي، والذي يتعلق أيضاً بقضايا أخرى مثل تخفيض تكاليف الرعاية الصحية، أكبر استثمار في مجال المناخ والطاقة في التاريخ الأميركي.
يقول مدير معهد الموارد العالمية في الولايات المتحدة، دان لاشوف (Dan Lashof)، إن إصدار هذا القانون يعني أن الرئيس جو بايدن سيتوجه إلى المفاوضات بمصداقية أكبر من ذي قبل. يتمثّل هدف الولايات المتحدة حالياً في تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بمقدار أقل من انبعاثات عام 2005 بنسبة 50-52% بحلول عام 2030. مع تطبيق قانون خفض التضخّم، يعتقد لاشوف أن الحكومة الأميركية قد وضعت خطة فعّالة لخفض الانبعاثات بنحو 40%.
على الرغم من النتائج الإيجابية لهذا القانون، يحذر لاشوف من أنه مبني على تحفيز الشركات المصنّعة الأميركية على الاستثمار في سلاسل توريد الطاقة المتجددة. تتمثل الخطوة التالية في اتخاذ إجراءات جدية حول التغيّر المناخي في فرض المتطلبات الإلزامية على المستويين الفيدرالي والمحلي، وذلك لضمان تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة. سيتعين على الولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص تحديد أهداف واضحة وسّن سياسات تهدف لتتميم الاستراتيجية العامة التي تهدف بدورها للوصول إلى صافي انبعاثات صفري.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تحفّز المفاوضات التي سيتم إجراؤها في مؤتمر التغيّر المناخي لعام 2022 تنسيق الجهود على نطاق واسع بين الدول الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة الهيكلية حول تغيّر المناخ. يقول لاشوف: "إن تحقيق الأهداف هو أمر حاسم بالنسبة للولايات المتحدة. ويجب على إدارتها أيضاً أن تحفّز الدول الأخرى على تحقيق أهداف طموحة أكثر".
اقرأ أيضاً: ما الذي ينبغي معرفته حول خفض انبعاث غاز الميثان؟
هل من الممكن الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة دون 1.5 درجة مئوية؟
وفقاً لتقرير فجوة الانبعاثات الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، من المتوقع أن تخفق مجموعة العشرين في الوفاء بوعودها المتعلقة بالمناخ والخاصة بعام 2030 دون اتخاذ المزيد من الإجراءات. يعني ذلك أن هناك احتمالاً لخرق أهداف اتفاقية باريس المتمثلة في الحفاظ على مقدار ارتفاع درجات الحرارة دون درجتين مئويتين مقارنة بدرجات الحرارة الوسطية في الفترة قبل الثورة الصناعية. مع ذلك، يمثّل تقليل هذا المقدار ليبلغ 1.5 درجة مئوية الفرصة الأمثل بالنسبة للبشر لتجنّب التأثيرات غير القابلة للعكس في مناخ الأرض وحماية الجماعات البشرية وأشكال الحياة البرية المعرضة للخطر.
يقول لاشوف: "كل طن [من ثنائي أوكسيد الكربون] له تأثير كبير. وكذلك الأمر بالنسبة لكل عُشر درجة مئوية. كلما تمكّنا من تقريب الارتفاع في درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، سيكون حال الأرض أفضل"، ويضيف: "لا ينص تقرير الفجوة على أن هذا مستحيل؛ إذ إن توقعاته تستند على السياسات والأهداف الحالية".
اقرأ أيضاً: هل أهداف اتفاقية باريس للمناخ كافية للحد من تأثير التغيّر المناخي؟
وجد تقرير صدر عن معهد الأبحاث العالمي في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2022 أن السياسات الحالية لن تمكننا من الوصول إلى ارتفاع يبلغ 1.5 درجة مئوية فقط، وذلك قياساً بـ 40 مؤشراً مختلفاً حول الإجراءات التي تم اتخاذها حيال التغيّر المناخي. يشير لاشوف إلى أنه يجب تعزيز الجهود بشكل أكبر لتحقيق الأهداف الموضوعة.
توافق ليسا فانهالا (Lisa Vanhala)، والتي تقود أحد المشاريع الممولة من مجلس الأبحاث الأوروبي حول السياسة وإدارة الخسائر والأضرار الناجمة عن تغيّر المناخ، على هذا الكلام؛ إذ تقول: "الحد الذي يبلغ 1.5 درجة مئوية مهم لأن تجاوزه يهدد وجود بعض البلدان في العالم". حتى جزء واحد من الدرجة له تأثير كبير على البشر الذين يعيشون في الدول الجُزرية مثل توفالو وكيريباس.
ما الفائدة من إقامة مؤتمر تغيّر المناخ؟
مع تزايد شدّة الكوارث المناخية في جميع أنحاء العالم، تتوقع فانهالا أن التعويضات، وليس فقط مستويات الاحترار القصوى، ستحتل المكانة الأكثر أهمية في المفاوضات هذا العام. قبل يوم من انطلاق المؤتمر بشكل رسمي، حقق المفاوضون من البلدان النامية انتصاراً كبيراً من خلال الإصرار على إدراج تخصيص الميزانيات لتعويض الخسائر وترميم الأضرار في جدول أعمال المؤتمر.
تمثّل هذه الميزانيات بشكل أساسي تعويضات تُمنح للدول المعرضة للخطر والتي تعاني من آثار التغيّر المناخي نوعاً ما أكثر من غيرها. قبل عقد من الزمن، ساهمت منظمة الأمم المتحدة في إنشاء ما يدعى بآلية وارسو الدولية للخسائر والأضرار. لكن الأطراف المسؤولة عن دفع الأموال اعترضت على هذه الآلية منذ ذلك الحين.
اقرأ أيضاً: فرز أضرار التغير المناخي قد يكون أحد الحلول لمواجهته
تعتقد مديرة عمليات التمويل والوصول والتطبيق المتعلقة بالمناخ في معهد الأبحاث العالمي، غايا لارسن (Gaia Larsen)، أن الدول الغنية مثل الولايات المتحدة تتردد في الالتزام بدعم ميزانيات الخسائر والأضرار لأنه يمكن اعتباره إقراراً بالذنب مصحوباً بمسؤولية قانونية. لذلك، فإن بند جدول الأعمال المتضمن حديثاً في مؤتمر كوب 27 يشتمل على فقرة تنص على أن "التعاون والتسهيل [لا] ينطوي على مسؤولية ولا يمثّل تعويضاً".
قد لا تحفز هذه الاستراتيجية إحراز تقدم تجاه تحقيق الأهداف السابقة مثل الحدود القصوى للاحترار، لكنها تمثل أولوية للدول التي تعاني من آثار التغيّر المناخي أكثر من غيرها. على سبيل المثال، افتتح الوفد الباكستاني المؤتمر بالحديث عن أهمية تلقي التمويل لتعويض الخسائر وترميم الأضرار في أعقاب الفيضانات المدمرة والمكلفة التي شهدتها البلاد. وفي شهر سبتمبر/ أيلول 2022، صرّح الأمين العام لمنظّمة الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس (António Guterres) بأن البلدان الأكثر ثراءً "تتحمل مسؤولية أخلاقية" لمساعدة الدول الفقيرة على التعافي والتكيّف وتعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة الكوارث. قال غوتيريس في التصريح سابق الذكر: "لا يجب أن ننسى أن 80% من الانبعاثات التي تتسبب بهذه الكوارث تنتج عن مجموعة العشرين".
لكن فانهالا تقول إن بعض البلدان النامية لا تهتم بإلقاء اللوم، بل إنها تركز على تأمين تمويل ملموس للتعامل مع الظروف المناخية التي تمر بها. تتمثل إحدى الطرق التي تستطيع هذه الدول تطبيقها لتحقيق هذا الهدف في الاستفادة من صندوق المناخ الأخضر، وهو جزء من معاهدة بيئية دولية تهدف إلى مساعدة البلدان النامية على تنفيذ الإجراءات للتخفيف من شدة آثار التغير المناخي والتكيف معها. تقول لارسن إنه على الرغم من وجود حاجة للاستفادة من مصادر متعددة لرأس المال، فإن الدعم المتوفر لإنشاء صندوق مستقل خاص بالخسائر والأضرار محدود نتيجة لمشكلات مثل نقص البيانات والبيروقراطية.
اقرأ أيضاً: التغير المناخي فاقم الجفاف بمقدار 20 مرة على الأقل
في الواقع، تواجه البلدان النامية الكثير من الصعوبات في محاولتها للحصول على التمويل الذي تمت الموافقة عليه بالفعل. لا يزال أحد الصناديق السنوية الذي تبلغ قيمته 100 مليار دولار والمخصص للتخفيف من آثار التغيّر المناخي يعاني من نقص يبلغ 16.7 مليار دولار. وجد تحليل أجراه موقع كاربون بريف (Carbon Brief) أن الولايات المتحدة وحدها مدينة بمبلغ قدره 32 مليار دولار لهذا الصندوق.
الآن بعد أن أصبح التمويل الخاص بتعويض الخسائر وترميم الأضرار على جدول أعمال مؤتمر التغيّر المناخي، سيتحقق القائمون عليه مما إذا كانت مصادر انبعاثات الكربون العملاقة مثل الولايات المتحدة جدية في دعم التمويل المتعلق بآثار التغيّر المناخي وتقليل الانبعاثات العالمية بالمعدل المطلوب.
تقول لارسن: "أعتقد أن الأشخاص الذين ناضلوا في سبيل تحقيق الأهداف المتمثلة في الحد من الارتفاع في درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية سيستمرون في ذلك. وحتى إذا سعينا لرفع هذا الرقم إلى درجتين مئويتين، فسيتمثّل ما سنسعى إليه في التقليل من الانبعاثات بأسرع ما يمكن". أمام معظم الدول حتى عام 2050 لتخفض انبعاثاتها. وكلما تباطأت أكثر، سيصبح تحقيق الأهداف أكثر صعوبة.