كيف تؤثر التضاريس على اختلاف أنماط الرياح الموسمية؟

3 دقائق
لماذا لا تشبه الرياح الموسمية في أميركا الشمالية أي رياح موسمية أخرى؟
تجلب الرياح الموسمية في أميركا الشمالية عواصف رعدية منتظمة على امتداد الجنوب الغربي الأميركي والمكسيك، بما في ذلك الصحاري بالقرب من تومبستون، أريزونا. حقوق الصورة: جورجي دورت.

تشهد كل قارة باستثناء القارة القطبية الجنوبية أحداثاً موسمية لهطول الأمطار تُعرف بالرياح الموسمية. من بين الرياح الموسمية العالمية الست السنوية، أحدها يمثل مشكلة بعض الشيء؛ إنه موسم رياح أميركا الشمالية. عادة ما يضرب الطقس الرطب هذا المكسيك وجنوب غرب أميركا في فصل الصيف، جالباً معه خطر الفيضانات المفاجئة والرياح العاتية بالإضافة إلى الأمطار المفيدة للزراعة. 

يقول ويليام بووس، عالم الغلاف الجوي في جامعة كاليفورنيا، بيركلي ومختبر لورانس بيركلي الوطني (LBNL): «لطالما كانت الرياح الموسمية في أميركا الشمالية غريبة بعض الشيء». فهي تمتد على مساحة جغرافية أصغر من نطاق شقيقاتها الأخرى من الرياح الموسمية الأخرى القوية في آسيا وإفريقيا. تحمل الرياح الموسمية في أميركا الشمالية أمطاراً أقل أيضاً، وتقلباتها الدورية في أنماط الرياح ليست واضحة مقارنة بالرياح الموسمية الأخرى في العالم. ويضيف بووس: «لم يفهم الناس سلوك هذه الرياح الموسمية تماماً». 

دور التضاريس في اختلاف الرياح الموسمية

توصل العلماء مؤخراً إلى حل لغز أكثر الرياح الموسمية غموضاً في العالم. فقد اكتشف فريق من الباحثين بقيادة بووس أن ما يحرك الرياح الموسمية في أميركا الشمالية ليست الفروق في درجات الحرارة مثل الرياح الموسمية الخمسة الأخرى، بل التضاريس. نشر الباحثون النتائج التي توصلوا إليها في دورية «نيتشر» في نوفمبر من العام الماضي. 

تبدأ الرياح الموسمية النموذجية خلال فصل الصيف عندما تصبح الأرض أكثر دفئاً من المحيط. وتندفع الرياح الباردة من البحار حاملةً معها الرطوبة التي تسقط في النهاية فوق الأرض على شكل أمطار غزيرة. 

 بدلاً من ذلك، وجد فريق بووس أن الأمطار المتكررة عبر رقعة الزوايا الجنوبية للقارة سببها جبال سييرا مادريس والجبال القريبة. نظراً لأن التيار النفاث الغني بالرطوبة يتدفق من الغرب إلى الشرق فوق قارة أميركا الشمالية، فإن جزءاً منه يتدفق على طول الشريط المستمر لسلسلة الجبال من ارتفاعاتٍ أعلى باتجاه الجنوب. تدفع جبال سييرا الهواء الرطب إلى الغلاف الجوي، حيث يتكثف بخار الماء في شكل مطر، ما يؤدي إلى بدء تشكل الرياح الموسمية. 

يعتبر الجنوب الغربي الأميركي مناسباً بشكل فريد لتكوين رياح موسمية غريبة الأطوار، وذلك بفضل قرب جبالها من المحيط الهادئ الدافئ، والذي يمتد من نصف الكرة الأرضية العلوي إلى خط الاستواء. 

تقول إيسلا سيمبسون، عالمة المناخ في المركز القومي لأبحاث الغلاف الجوي في بولدر، كولورادو، والتي لم تشارك في الدراسة: «إنه منظور جديد لما يسبب في النهاية الرياح الموسمية في أميركا الشمالية. لقد أظهر الباحثون أهمية التضاريس بطريقة مقنعة تماماً».

محاكاة تطلبت الكثير من ساعات العمل على الحواسيب

لطالما استعصى فهم آلية عمل الرياح الموسمية على العلماء الذين حاولوا نمذجة الظاهرة على أجهزة الكمبيوتر. تُعد سلسلة جبال سييرا ضيقة جداً، لذلك فإن نماذج الكمبيوتر منخفضة الدقة ليست دقيقة بما يكفي لنمذجة ميزاتها الطبوغرافية من أجل محاكاة تأثيرها على الأحوال الجوية. في الحقيقة، يمكن فقط لأجهزة الكمبيوتر العملاقة إنشاء نموذج معقد يأخذ في الاعتبار ميزات سلسلة جبال سييرا الهزيلة نسبياً. 

استفاد فريق بووس من الموارد الحوسبية المتوفرة في مركز الحوسبة العلمية لأبحاث الطاقة التابع لمختبر لورانس بيركلي الوطني لإعادة إنتاج طبقات الأرض بدقة عالية للغاية. استغرقت العمليات الحسابية التي أجراها الباحثون 5 ملايين ساعة كمبيوتر- أي ما يعادل خمسة ملايين ساعة عمل لمعالج الكمبيوتر العملاق أو عمل خمسة ملايين معالج لمدة ساعة واحدة- موزعة على فترة ستة أشهر تقريباً. عندما قام الباحثون بتسوية الجبال في عمليات المحاكاة الخاصة بهم، لم يتمكنوا من تكرار شدة الرياح الموسمية الحقيقية في أميركا الشمالية، حتى مع زيادة التباين بين اليابسة والمحيطات التي تسبب الرياح الموسمية الأخرى حول بقية العالم. يقول بووس: «بدون سييرا مادريس، ستغيب الأمطار الموسمية في أميركا الشمالية بالكامل تقريباً». 

النتائج مهمة لإزالة الغموض عن أنماط الطقس التي تحكم الهيدرولوجيا في الجنوب الغربي الأميركي. تعتبر الرياح الموسمية مصدراً رئيسياً للمياه، حيث تساهم بأكثر من نصف إجمالي هطول الأمطار في المنطقة كل عام. ويصل نطاقها إلى كاليفورنيا، وتسبب عواصف رعدية تنتج صواعق تؤدي لنشوب حرائق الغابات فيها. 

إن الفهم الأوضح لهذه الظاهرة الحالية قد يلقي الضوء أيضاً على الماضي. تقول أريانا فارولو كلارك، عالمة المناخ في جامعة كولومبيا بنيويورك والتي لم تشارك في الدراسة: «هذا الارتباط بين التيار النفاث والتضاريس يفتح طريقاً جديداً تماماً لفهم الرياح الموسمية في أميركا الشمالية». وتذكر كلارك أن لديها فضولاً لمعرفة ما إذا كان يمكن استخدام نتائج البحث الجديدة لشرح كيفية نشوء الرياح الموسمية. وتقول: «يمكن البحث مجدداً في السجلات التاريخية، وحتى في بعض السجلات القديمة للتيار النفاث للحصول على فهم الاختلافات التاريخية لنظام الرياح الموسمية هذا بشكل أفضل». 

ربما الأهم من ذلك، أن الدراسة يمكن أن تساعد الباحثين على التنبؤ بتوزع المياه في جنوب غرب أميركا في السنوات القادمة. 

لا يزال العلماء غير متأكدين من الكيفية التي قد تتغير بها الرياح الموسمية في أميركا الشمالية مع تغير المناخ. فتحديد محركاتها الرئيسية، مثل التيار النفاث، هو الخطوة الأولى في تقييم مدى تأثر أنماط المناخ. يقول بووس: «مع هذا الفهم الجديد للفيزياء الأساسية للنظام، ربما يمكننا التنبؤ بشيء محدد حول ما سيحدث». 

بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في الجنوب الغربي، كانت الرياح الموسمية تأتي كل عامٍ بشكلٍ روتيني، مؤذنةً بقدوم العواصف الرعدية في منتصف الصيف. من خلال معرفة مسببات رياح أميركا الشمالية الموسمية، يمكن للباحثين التنبؤ بمصيرها، بما في ذلك معرفة ما إذا كان انتظامها سيتلاشى في خضم ارتفاع درجة حرارة الكوكب الذي لا مفر منه. 

المحتوى محمي