كان صيف عام 2022 في جميع أنحاء نصف الكرة الشمالي، على غرار فصول الصيف الثلاثة السابقة، صيفاً حاراً وجافاً. شهد هذا العام نقصاً في المياه وحالات جفاف وحرائق غابات وخسائر في المحاصيل في جميع أنحاء العالم، وليس هناك ما يشير إلى تراجع حدة هذه الأحداث. يقول تقرير جديد صادر عن مبادرة إسناد المناخ العالمي (World Weather Attribution initiative) إن تغيّر المناخ والاحتباس الحراري قد زادا من احتمالية حدوث حالات الجفاف الشديد هذه 20 مرة على الأقل مقارنة بما كان عليه الحال منذ قرن من الزمان.
جفاف غير مسبوق في التربة بسبب التغير المناخي
تعاون علماء من سويسرا والهند وهولندا وفرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة في هذا التقرير لقياس إلى أي مدى قد أثّر التغيّر المناخي الناجم عن النشاط البشري في احتمالية وشدة انخفاض الرطوبة في الطبقة السطحية للتربة أو في مناطق الجذور لمعظم المحاصيل. وفقاً للدراسة، أدت موجات الحرارة هذا الصيف وقلة الأمطار إلى جفاف شديد في التربة، لا سيما في دول أوروبا الوسطى مثل فرنسا وألمانيا، وفي بر الصين الرئيسي، وقد أدى جفاف التربة هذا إلى زيادة مخاطر الحرائق وضعف إنتاجية المحاصيل، ما أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار الغذاء كثيراً، الأمر الذي بات يهدد الأمن الغذائي على مستوى العالم.
اقرأ أيضاً: كيف غذّى التغير المناخي الفيضانات المدمرة في الباكستان؟
ووفقاً للدراسة أيضاً، كان ارتفاع الحرارة الشديد في معظم أنحاء نصف الكرة الشمالي العامل الرئيسي وراء حالات الجفاف هذه، حيث يشير مؤلفو الدراسة إلى أنه من المستحيل عملياً ارتفاع درجات الحرارة إلى هذا المستوى القياسي على مساحة واسعة دون أن يكون هناك دور لانبعاثات الغازات الدفيئة فيها.
يقول مدير مركز المناخ التابع للصليب الأحمر والهلال الأحمر، والذي كان بين الباحثين الذين أعدوا الدراسة الجديدة، مارتن فان آلست، لصحيفة نيويورك تايمز: «في العديد من هذه البلدان والمناطق، نرى بوضوح أدلة علمية تشير إلى بصمات التغيّر المناخي. لقد باتت تداعيات التغيّر المناخي واضحة الآن للناس، وهي تضرب بشدة».
تداعيات التغير المناخي ملموسة عبر العالم
ووفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، شهدت نحو نصف الولايات الأميركية الثمانية والأربعين المتجاورة جفافاً معتدلاً إلى شديد في عام 2022، وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال أجزاء من الجنوب الغربي وكاليفورنيا تعاني من موجة جفاف طويلة الأمد ممتدة منذ عقدين من الزمن.
في أوروبا، ضربت درجات الحرارة القياسية معظم أنحاء القارة في مايو/ أيار من هذا العام، ما أدى إلى جفاف الأنهار واندلاع حرائق غابات ضخمة. ويقدر الاتحاد الأوروبي أن موجات الحر مسؤولة عن 11 ألف حالة وفاة إضافية في فرنسا و8 آلاف وفاة في ألمانيا.
اقرأ أيضاً: التغير المناخي يتسبب بذوبان ثلوج جبال الألب
وقد شهدت الصين أشد فصول الصيف حرارة منذ أن بدأ توثيق درجات الحرارة فيها عام 1961، حيث أدى الطقس الحار والجاف إلى انخفاض توليد الطاقة الكهرومائية، ما أجبر البلاد على حرق المزيد من الفحم لتوليد الطاقة وضمان استمرار تشغيل مصانعها، الأمر الذي زاد من انبعاثات غازات الدفيئة.
وقد قال علماء من مبادرة "إسناد المناخ العالمي" في أيلول/ سبتمبر إنه من المرجح أن التغيّر المناخي كان وراء تفاقم الفيضانات المدمرة في باكستان هذا الصيف، حيث دمرت مليوني منزل وأغرقت نحو ثلث البلاد وتسببت في مقتل 1600 شخص. كما وجدت المبادرة التي تهدف إلى إجراء تحليل سريع لأحداث الطقس العالمية أن الاحتباس الحراري فاقم موجة الحر القياسية التي ضربت بريطانيا في شهر يوليو/ تموز، وقد رجّح العلماء تكرار حدوثها في المستقبل.
تفيد أحد أهم النتائج التي خلص إليها التقرير حول نصف الكرة الشمالي إلى أنه بالنظر إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب فعلياً بمقدار 1.2 درجة مئوية منذ نهاية القرن التاسع عشر، كان احتمال انخفاض مستويات الرطوبة في الأقدام القليلة الأولى تحت سطح التربة هذا الصيف أكبر بـ20 مرة، حيث يُعتبر هذا الجزء من التربة ذا أهمية بالغة بالنظر إلى أنه المكان الذي تمتص منه أنظمة الجذور للنباتات الرئيسية الماء.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر التغير المناخي على معدل انتشار الجفاف؟
ووفقاً للعالمة في كلية لندن الإمبراطورية وأحد مؤلفي الدراسة، فريدريك أوتو، فإن التغيرات الطبيعية في الطقس في وسط وشرق أوروبا يمكن أن تلغي بعضها بعضاً لأنها منطقة أصغر من نصف الكرة الشمالي فوق المناطق الاستوائية.
وتقول أوتو في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز: «لا شك في أن التغيّر المناخي قد يؤدي دوراً كبيراً في هذه الأحداث، ولكن التحديد الكمي الدقيق لهذا الدور غير مؤكد بالنسبة لرطوبة التربة مقارنة، على سبيل المثال، بتأثير الأمطار الغزيرة».