اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تدق ناقوس الخطر تحذيراً مما هو قادم

4 دقائق
اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ: التغيّر المناخي يخالف جميع توقعاتنا
بدأت آثار تغير المناخ بالظهور، من الكوارث إلى المشاكل الزراعية، وحان وقت التصرف حيالها. حقوق الصورة: غاسبر وايلد/ أنسبلاش.

عندما نشرت اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ آخر توقعاتها الكئيبة في عام 2014، ركزت على المخاطر في السنوات القادمة. الآن، أصبحنا نعيش هذا المستقبل. يعطي تقرير جديد يبلغ طوله 3675 صفحة صدر عن نفس الهيئة في 28 فبراير/شباط 2022 نظرة مفصلة على الطريقة التي تزعزع فيها استقرار العالم بالفعل، وكيف سيستمر هذا الوضع حتى يتم اتخاذ إجراءات صارمة.  

تقرير اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ الصادم

قال «أنطونيو غوتيريز»، الأمين العام للأمم المتحدة، في بيان: «تقرير اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ اليوم يبين بالتفصيل المعاناة التي تمر بها الإنسانية، وإدانة دامغة للتعامل الفاشل مع تغير المناخ»، وأضاف: «بعرض حقيقة علمية تلو الأخرى، يكشف هذا التقرير الطريقة التي يؤثّر فيها التغير المناخي على البشر والكوكب». 

حالياً، يتجاوز متوسط درجات الحرارة العالمية مستويات ما قبل العصر الصناعي بنحو 1.09 درجة مئوية. تهدف اتفاقية باريس، والتي وقعتها 174 دولة بالإضافة للاتحاد الأوروبي، إلى إبقاء هذا الارتفاع تحت 1.5 درجة مئوية. على هذا المستوى، سيظل لتغير المناخ تأثير كبير على الكوكب، ولكن ليس بقدر الزيادات التي تبلغ 2 أو 3 درجات مئوية. هناك بعض الجدل حول ما إذا كان بإمكان العالم تحقيق هذا الهدف من خلال الممارسات الحالية، وما يجب فعله لعدم تجاوز الحد الأقصى البالغ 1.5 درجة مئوية.   

يصف التقرير، والذي كتبه 270 باحثاً من 70 دولة تقريباً، كيف أن تغير المناخ يحدث بشكل أشد وأسرع مما توقعه أي شخص. بالإضافة إلى ذلك، تنصح الحكومات والمجتمعات بتوسيع استراتيجيات التكيّف الخاصة بها لحماية المناطق المعرضة للخطر بشكل متزايد. 

دور الظواهر الجوية والأحداث البيئية المتطرفة

أدّت الظواهر الجوية المتطرفة إلى سيناريوهات مأساوية بشكل متزايد بالنسبة للبشر في جميع أنحاء العالم. بين عامي 2010 و2020 كان عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم بسبب الفيضانات والعواصف والجفاف أكبر بـ 15 مرة في أكثر مناطق العالم عرضة للخطر، ومنها أجزاء من إفريقيا وجنوب آسيا وأميركا الوسطى والجنوبية، وذلك مقارنة بالمناطق الأقل عرضة للخطر. تؤدي درجات الحرارة الأعلى أيضاً إلى انتشار أمراض مثل داء لايم ومرض غرب النيل والملاريا.  

تتعرض الطبيعة للتأثيرات أيضاً، إذ وقعت أحداث موت جماعي هائلة في أنواع مختلفة من الأشجار والشعاب المرجانية، وانقراضات شاملة لحيوانات مثل الضفدع الذهبي. وفقاً للتقرير، يواجه نحو 14% من جميع الأنواع «معدل انقراض مرتفع للغاية» حسب تنبؤات ارتفاع درجة الحرارة الأكثر تفاؤلاً، والتي تقابل درجات حرارة تبلغ 1.5 درجة مئوية. ستتضاعف هذه النسبة المئوية على الأقل إذا ارتفعت درجة الحرارة إلى 3 درجات مئوية.   

يحلل التقرير كذلك تأثيرات تغير المناخ على كل قارة ومنطقة. ستواجه أميركا الشمالية والجنوبية، على سبيل المثال، موجات حر متزايدة، وأعاصير استوائية أكثر شدة، وتراجعاً كبيراً في الغطاء الثلجي والأنهار الجليدية والأراضي المتجمدة. تشهد القارة الإفريقية بأكملها شذوذات في حالة الطقس، ومن المرجح أن تشهد زيادة في موجات الحر على اليابسة وفي البيئات البحرية طوال القرن الحادي والعشرين. من النتائج الأخرى حدوث فيضانات ساحلية شديدة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر.    

بالإضافة إلى ذلك، يتعمق التقرير في المخاطر التي تتعرض لها الجزر الصغيرة في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ وغرب المحيط الهندي، والتي من المرجح أنها ستكون الأكثر تأثراً مع سواد الظروف المناخية المتطرفة. وفقاً لـ «أديل توماس»، باحثة التكيف في جامعة جزر الباهاما، والمؤلفة المشاركة للتقرير، يمكن أن تظل هذه الأماكن صالحة للسكن تحت درجة حرارة 1.5 درجة مئوية، لكن الآثار لا رجوع فيها في بعض الجوانب.  

قالت توماس في مؤتمر صحفي: «الدلائل العلمية واضحة تماماً، وهي تبين أن الإجراءات لا يمكن أن تمنع كل الخسائر والأضرار»، وأضافت: «هناك فقط بعض الآثار السلبية لتغير المناخ التي يمكننا منعها».   

كوارث مائية وغذائية 

في الوقت الحالي، يتعرض ملايين البشر لانعدام الأمن الغذائي والمائي. يواجه نصف العالم نقصاً في المياه لمدة شهر واحد على الأقل من العام، واعتماداً على مقدار ارتفاع درجة الحرارة، سيعاني ما بين 8 إلى 80 مليون شخص من الجوع، معظمهم في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا ووسط أميركا. يُظهر التقرير الجديد أن معدل نمو الغذاء يتباطأ بسبب تغير المناخ، إذ ستتسبب زيادة بمقدار 1.5 درجة مئوية بجعل نحو 8% من الأراضي الزراعية في العالم غير قابلة للاستخدام.    

قالت «ريتشل بيزنر كير»، المؤلفة المشاركة للتقرير، وأستاذة التنمية العالمية في جامعة كورنيل، في مؤتمر صحفي: «الصورة صارخة بالنسبة لأنظمة الغذاء»، وأضافت: «لن يفلت أحد من تغير المناخ». 

ينتهي التقرير بملاحظة مخيفة: «أي تأخير إضافي في الإجراءات العالمية الاستباقية المنسقة بشأن التكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ سيفوّت فرصة ثمينة لتأمين مستقبل صالح للعيش ومستدام للجميع». لكن رسالة التقرير لعامة للناس هي البدء في الاستعداد لتغير المناخ الآن، وتوقع المزيد من التحولات الدراماتيكية في الفترة القادمة.   

التغير المناخي أصبح أمراً واقعاً لكن لا تغيير يُذكر في السياسات

قالت «آني داسغوبتا»، الرئيسة والمديرة التنفيذية لمعهد الموارد العالمية، في بيان: «التأثيرات المناخية أكثر كثافة وتكراراً مما كنا نعتقد أنه ممكن في هذه المرحلة»، وأضافت: «مع ذلك، فإننا نواصل حرق الوقود الأحفوري، وقطع الأشجار، وتناول الأطعمة التي يتسبب إنتاجها بانبعاث كميات كبيرة من الكربون، كما أن الانبعاثات مستمرة في الارتفاع». 

ينتقد التقرير استراتيجيات التكيف مع تغيّر المناخ الحالية باعتبارها قصيرة النظر وناتجة عن ردود فعل فقط. يذكر المؤلفون أن هذه الإجراءات قد تنجح الآن، ولكن من المحتمل أن تسبب ضرراً أكثر من نفعها. تعتبر السدود البحرية مثالاً شائعاً، فهي غالباً ما تحمي المدن من أحداث الفيضانات التي تقع لمرة واحدة، ولكنها تضر على المدى الطويل بالنظم البيئية الطبيعية، وتعرض البشر للخطر عندما تنهار البنية التحتية في نهاية المطاف.    

بدلاً من ذلك، يقول المؤلفون إن الحلول يجب أن تتمحور حول «التنمية المقاومة للمناخ»، والتي تتضمن رؤية أكثر شمولية لزيادة حس المسؤولية البيئي والتثقيف البيئي. قالت «ديبرا روبرتس»، الرئيسة المشاركة للفريق العامل الثاني للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، في بيان: «إن الحلول المؤقتة لن تنفع بعد الآن، ويجب على المجتمع والحكومات والقطاع الخاص أن يجتمعوا معاً للجمع بين العدالة والإنصاف مع تطورات التكيف المستقبلية».   

قالت «هيلين آدامز»، المؤلفة المشاركة للتقرير الجديد من جامعة «كينغز كوليدج لندن»، لوكالة «أسوشييتد برس» الإخبارية: «نعم، الظروف سيئة»، وأضافت: «لكن المستقبل يعتمد علينا وليس على المناخ».

المحتوى محمي