لماذا لا يزال من الصعب التنبؤ بالأماكن التي ستضربها الأعاصير؟

3 دقيقة
مصدر الصورة: مايك هولينغزهيد/صور غيتي

بدأ خبراء الأرصاد الجوية يحذرون من احتمال هبوب عواصف شديدة الخطورة قبل أكثر من يوم واحد من هبوب الأعاصير في جنوب شرق الولايات المتحدة ووسطها في مارس/آذار 2025. لكن تحديد المكان الذي سيضرب فيه الإعصار بالضبط -مثل تلك الأعاصير التي ضربت ولايات إنديانا وميسوري وأركنساس وميسيسيبي وألاباما في 14 و15 مارس/آذار- لا يزال يعتمد إلى حد كبير على رصد العواصف التي تتطور على الرادار. يشرح عالم الغلاف الجوي، كريس نوتارسكي، السبب، ويوضح كيف تتحسن تكنولوجيا التنبؤ.

لماذا لا يزال من الصعب التنبؤ بالأعاصير؟

لقد تحسنت قدرة خبراء الأرصاد الجوية كثيراً على التنبؤ بالظروف التي تزيد احتمالية حدوث الأعاصير. لكن التنبؤ الدقيق بالعواصف الرعدية التي ستسبب إعصاراً، إضافة إلى موعد حدوثها، أصعب بكثير، وهذا ما يركز عليه الكثير من أبحاث الطقس القاسي اليوم.

في كثير من الأحيان، سيكون لديك خط من العواصف الرعدية في بيئة تبدو مواتية للأعاصير، وقد تُنتج إحدى العواصف إعصاراً، بينما لا يحدث ذلك مع غيرها من العواصف.

قد تكون الاختلافات بينها ناتجة عن اختلافات طفيفة في المتغيرات المتعلقة بالأرصاد الجوية التي لا يمكن حلها من خلال شبكات المراقبة الحالية أو النماذج الحاسوبية. حتى التغييرات في ظروف سطح الأرض -الحقول أو مناطق الغابات أو البيئات الحضرية- يمكن أن تؤثر في احتمالية تشكل الإعصار. هذه التغييرات الصغيرة في بيئة العاصفة يمكن أن يكون لها تأثيرات كبيرة في العمليات الجارية داخل العواصف التي يمكن أن تحدد نجاح تشكل الإعصار أو فشله.

اقرأ أيضاً: كيف تسبب الأعاصير الخسائر لمصائد الأسماك؟

ويتعلق أحد أقوى المؤشرات التي يمكن من خلالها التنبؤ بأنّ العاصفة الرعدية ستنتج إعصاراً أم لا برياح القص العمودية، وهي كيفية تغير اتجاه الرياح أو سرعتها مع تغير الارتفاع في الغلاف الجوي.

يمكن لكيفية تفاعل رياح القص مع الهواء المبرد بالمطر داخل العواصف، وهو ما نسميه "التدفق الخارجي"، وكمية تبخر الهطول، أن تؤثرا في احتمالية تشكل الإعصار. إذا سبق لك أن كنت في عاصفة رعدية من قبل، فأنت تعلم أنه قبل بدء هطول المطر مباشرةً، غالباً ما يتدفق من العاصفة تيار هوائي بارد. إن خصائص تدفق الهواء البارد هذا تؤدي دوراً مهماً لمعرفة احتمالية تشكل الإعصار، لأن الأعاصير عادة ما تتشكل في ذلك الجزء الأبرد من العاصفة.

إلى أي مدى يمكنك أن تعرف مسبقاً إن كان من المحتمل أن يكون الإعصار كبيراً وقوياً؟

تتشكل الغالبية العظمى من الأعاصير العنيفة من السحب الخارقة (supercells) وهي عواصف رعدية ذات تيار صاعد دوار عميق، وتسمى "الإعصار المتوسط" (mesocyclone). يمكن لرياح القص العمودية أن تمكّن الطبقات الوسطى للعاصفة من الدوران، ويمكن للشفط الصاعد من هذا الإعصار المتوسط أن يكثف الدوران داخل مجرى التدفق المندفع للعاصفة محولاً إياه إلى إعصار.

إذا كان لديك سحابة خارقة على الرادار وكان دورانها قوياً فوق سطح الأرض، فغالباً ما يكون ذلك مقدمة لنشوء إعصار. يشير أحد الأبحاث إلى أن الإعصار المتوسط الأوسع نطاقاً من المرجح أن يخلق أعصاراً أقوى وأطول أمداً من العواصف الأخرى.

ينظر المتنبئون الجويون أيضاً إلى الظروف البيئية للعاصفة، أي درجة الحرارة والرطوبة ورياح القص. فهذه العوامل توفر المزيد من الدلائل على أن العاصفة من المرجح أن تنتج إعصاراً كبيراً.

ارتفعت النسبة المئوية للأعاصير التي تستدعي إطلاق التحذيرات على مدار العقود الأخيرة، وذلك بفضل رادار دوبلر (Doppler radar) وتطور النمذجة وتحسن فهم العلماء لبيئة العواصف. وقد صدرت تحذيرات مسبقة لنحو 87% من الأعاصير المميتة خلال الفترة الممتدة بين عامي 2003 و2017.

كما تحسنت أيضاً المهلة الزمنية للتحذيرات. عموماً، أصبحت المهلة الزمنية الآن تتراوح من نحو  10 دقائق إلى 15 دقيقة. هذا وقت كافٍ للوصول إلى الطابق السفلي، أو للعثور على ملجأ آمن إذا كنت في منطقة سكنية للمنازل المتنقلة أو خارج المنزل. لن يتوفر هذا القدر من الوقت الكافي مع كل عاصفة تهب، لذا من المهم الوصول إلى الملجأ بسرعة.

اقرأ أيضاً: 15 طريقة تساعدك على تحصين منزلك من الفيضانات

ما الذي يتعلمه الباحثون عن الأعاصير والذي يمكن أن يساعد في حماية الأرواح في المستقبل؟

إذا عدنا بالذاكرة إلى فيلم إعصار (Twister)، ففي أوائل التسعينيات بدأنا نكثف العمل الميداني في دراسة الأعاصير. كنا نخرج بالرادار على متن الشاحنات ونقود مركبات مزودة بأجهزة مثبتة على أسطحها داخل العواصف. عندها بدأنا بالفعل نقدر ما نسميه العمليات التي تشمل نطاق العاصفة حق قدرها، حيث نهتم بالظروف داخل العاصفة نفسها، وكيف يمكن أن تؤثر التغيرات التي تطرأ على درجات الحرارة والرطوبة في مجرى التدفق المندفع على إمكانية حدوث الأعاصير.

غير أنه لا يمكن للعلماء إطلاق بالون طقس أو إرسال أدوات إلى كل عاصفة. لذا، نستخدم أيضاً أجهزة الكمبيوتر لنمذجة العواصف بهدف فهم ما يحدث داخلها.

في كثير من الأحيان، نعمد إلى تشغيل عدة نماذج، يشار إليها باسم المجموعات. على سبيل المثال، إذا أنتجت 9 نماذج من أصل 10 نماذج إعصاراً، فإننا نعلم أن هناك احتمالاً كبيراً أن تتولد الأعاصير من العاصفة.

وقد عمد المختبر الوطني للعواصف الشديدة (National Severe Storms Laboratory) مؤخراً إلى تجربة إطلاق التحذيرات من الأعاصير استناداً إلى هذه النماذج، التي تسمى "التحذير بناء على التنبؤات" (Warn-on-Forecast) لزيادة المهلة الزمنية للتحذيرات من الأعاصير.

وهناك الكثير من مجالات البحث الأخرى. على سبيل المثال، لفهم كيفية تشكل العواصف بصورة أفضل، أجري الكثير من عمليات النمذجة الحاسوبية المثالية. لذلك، أستخدم نموذجاً لبيئة عاصفة مبسطة وأجري تغييرات طفيفة على البيئة لمعرفة التغييرات التي يمكن أن تطرأ على العمليات والخصائص الفيزيائية للعاصفة نفسها.

هناك أيضاً أدوات جديدة في مجال مطاردة العواصف. فقد حدثت طفرة في استخدام الطائرات المسيرة، حيث يضع العلماء أجهزة استشعار في مركبات جوية غير مأهولة ويجعلونها تحلق بالقرب من العاصفة وأحياناً داخلها.

كما انتقل تركيز أبحاث الأعاصير من السهول الكبرى (في أميركا الشمالية) -"ممر الأعاصير" التقليدي- إلى الجنوب الشرقي.

المحتوى محمي