في أوائل شهر يناير 2018، أعلن وزير الداخلية الأمريكي ريان زينكي أن أكثر من 90 في المائة من الجرف القاري الخارجي في المناطق الفيدرالية البحرية متاح الآن لاستكشاف وتطوير التنقيب البحري. و أشار زينكي في بيان رسمي إلى أن خطة هذا الاستكشاف الجديد ستحقق التوازن بين حماية السواحل وتحقيق "هيمنة الطاقة" في الولايات المتحدة. لكن علماء البحار يقولون إن هذا التوازن قد اختل بالفعل. ويقولون إن فتح المزيد من المناطق للتنقيب يعني مزيداً من الاضطراب للنظم البيئية البحرية، وزيادة مخاطر التسربات النفطية.
التنقيب البحري هو أكثر من مجرد امتصاص النفط عبر الأنابيب
يقول محمد جبر، أستاذ الهندسة المدنية في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، إن التنقيب البحري يتطلب ثلاث خطوات: فحص الموقع، وحفر الآبار الاستكشافية، ومد الأنبوب. ويمكن أن تؤثركل خطوة على النظم البيئية المحيطة بالمنطقة.
ويقول جبر إنه من أجل العثور على رواسب نفطية محتملة، يمكن للمهندسين استخدام التقنيات الزلزالية، مثل توليد الأمواج الصوتية. ترتد الأمواج على طول قاع البحر وتنعكس وتحدد نوع الحجر الموجود في القاع. فإذا كانت الأمواج الصوتية تشير إلى إمكانية وجود النفط تحت قاع المحيط، فإن شركة النفط تبني بئراً استكشافية. ويقول جبر إن هذا الحفر الأولي ليس بالضرورة للبحث عن النفط ، ولكن لفهم بنية وتكوين رواسب التربة. ويشبّه العملية بغرز قشة في قطعة من الكعكة، وعند إزالتها، ستحتوي القشة على كل طبقة من تلك الكعكة.
و يقول جبر إنه وبمجرد فهم تركيب التربة، فإن الشركة تبدأ البحث عن النفط. ومن خلال وجود الثقب في المكان، يقوم العمال بضخ الطين لمنعه من الانهيار. ثم يتم وضع غلاف في مكان الأنبوب الذي سيخرج النفط. ومع اقتراب الثقب من إخراج النفط، يستخدم العمال الإسمنت لتأمين الغلاف. ويقول جبر إن هذا الثقب موجود تحت تأثير الضغط ، ويجب التحكم به للتأكد من أن النفط لا يندفع بسرعة كبيرة. ويمكن أن يحدث تسرب في أي وقت خلال عملية إنتاج النفط، بما في ذلك أثناء التنقيب والإعدادات التي ترافقه.
كل هذه الخطوات تأتي مع مخاطر للنظم البيئية في أعماق البحار
تبدأ المخاطر على النظم البيئية بخطوة الاستكشاف. وهذا ينطبق بشكل خاص على الثدييات البحرية التي تستخدم الأمواج فوق الصوتية، وذلك وفقاً لأبيل فالديفيا، عالِم المحيطات في مركز التنوع الحيوي في أوكلاند بكاليفورنيا. يقول فالديفيا: "تحدث معظم هذه الاستكشافات بصوت ذي تردد عالٍ جداً، مثل الأمواج فوق الصوتية، وهي ضارة جداً للأنواع الحساسة".
تستخدم هذه الأنواع، مثل الدلافين، أسلوب تحديد المواقع بالصدى، حيث تقوم الحيوانات بتحديد مواقع الأجسام عن طريق استشعار الصوت المنعكس. يقول فالديفيا إن الأصوات التي تم التقاطها أثناء استكشافات النفط تتداخل مع قدرة الحيوان على العثور على الفرائس أو الشريك.
وبالإضافة إلى التأثير على الثدييات البحرية، يمكن أن يكون لعمليات التنقيب البحري عن النفط تأثيرات متعددة - مترافقة مع تسرب أو بدونه- على الشعاب المرجانية في قاع المحيط.
تقول دانييل ديليو، الباحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة فلوريدا الدولية، إن هذه المجتمعات المرجانية في المياه العميقة تعمل مثل مهندسين ينشئون النظم البيئية لقاع البحر ويوفرون المأوى للكائنات الحية الأخرى. وتعتمد القشريات والأسماك والحيوانات الأخرى على هذه النظم البيئية. وعندما يشعر المرجان بوخز التسرب أو مشتتات النفط، فإن الحيوانات التي تعتمد عليه تعاني أيضاً.
تعمل أليكسيس واينيج، وهي طالبة دكتوراه في علم البيئة البحرية في جامعة تيمبل، على المجتمعات المرجانية في المياه العميقة، وتدرس تأثيرات عوامل الإجهاد، مثل مستويات درجة الحموضة ودرجة الحرارة وخلائط مشتتات النفط، والتي تفكك النفط إلى قطرات صغيرة لتنظيف التسرب النفطي، على صحة الشعاب المرجانية.
وتقول إنه عندما يبدأ التنقيب، تبدأ الجسيمات المعدنية الصغيرة، المعروفة باسم مستخرجات الحفر، بالانفصال وترتفع إلى قمة الماء. وإذا ما تراكمت بما يكفي، فإن ذلك وحده يمكن أن يخنق الشعاب المرجانية. وإذا حدث واحتوت الشعاب المرجانية على كمية كبيرة من يرقات المرجان، فقد تؤدي مستخرجات الحفر إلى انخفاض أعداد المرجان في المستقبل، مما يعطل البنية الكاملة للنظام البيئي في أعماق البحار.
تعمل واينيج بشكل مباشر في خليج المكسيك حيث وقع التسرب الناجم عن منصة "ديب ووتر هورايزن" للتنقيب عن النفط. وقد لاحظت بقعة زيتية تشكلت في قاع المياه العميقة بعد الكارثة، وكان المرجان البحري في المنطقة يحتوي على تلك المادة الزيتية لفترة طويلة من الزمن. إن الشعاب المرجانية تتعافى، ولكن بمعدل بطيء جداً.
تقول واينيج: "المحيط هو في الأساس مجرد نظام كبير. وإذا فكرت في الأمر على نطاق واسع، فيما إذا كنت تؤثر على البحر العميق، على المدى الطويل أو المدى الواسع، فأنت تؤثر على نظام المحيط بأكمله ".
إن المشتتات، التي تساعد على التخلص من التسربات النفطية، ليست حلاً مثالياً، كما تقول واينج، ويمكن أن تكون أكثر سمية للكائنات من النفط نفسه.
المزيد من التنقيب يعني المزيد من المخاطر
بشكل عام، ووفقاً لأبيل فالديفيا من مركز التنوع الحيوي، كلما زاد إنتاج النفط، والذي سيزيد بشكل كبير إذا بدأ المزيد من عمليات التنقيب البحري، زاد احتمال حدوث تسرب للنفط.
ويقدّر فالديفيا، استناداً إلى إنتاج النفط المتوقع لكل منطقة تخطيط باستخدام المعدلات التاريخية للتسرب، ما مجموعه أكثر من 5000 حالة تسرب جديدة للنفظ، تتراوح بين التسربات الصغيرة وتسربات المنصة بأكملها. وسيبلغ حجم هذه التسربات حوالي 820 ألف برميل من النفط على مدى الأعوام من 2019 حتى عام 2024، على أساس إنتاج النفط المحتمل في 22 منطقة تخطيط رئيسية في الولايات المتحدة.
يقول لورنس كاهون، أستاذ علم الأحياء البحري في جامعة نورث كارولينا في ويلمنجتون، إن التسربات الروتينية الصغيرة التي تترافق مع عمليات التنقيب البحري نادراً ما تكون حدثاً يشغل الرأي العام، هذا إن حدثت. ولكنها على الأرجح تتراكم في النظم البيئية المحيطة وتؤثر فيها. ويقول إن المناطق المفتوحة الآن للتنقيب عن النفط يجب أن تأخذ في الحسبان الفوائد الاقتصادية للنظم البيئية التي لا تتأثر نسبياً بالتنقيب عن النفط. ويجب مقارنة هذه الفوائد مع تلك الأرباح التي جلبها النفط المكتشف من خلال التنقيب البحري.
يقول كاهون عن مواقع التنقيب الجديدة المحتملة، مثل نورث كارولينا: "إن الذهاب إلى شاطئ نظيف، والإنتاج السمكي هي خدمات يقدمها النظام البيئي. وعندما نضع كل هذه الأمور في الحسبان، أظن أننا سنكون أفضل حالاً لو تركنا هذه النظم البيئية وشأنها".