اتضح أنه من الصعب للغاية تجنب تلوث الهواء في أي مكان على الأرض؛ إذ كشفت دراسة جديدة أُجريت في جامعة موناش في أستراليا أن نحو 99% من سكان العالم يتعرضون لمستويات غير صحية من ملوثات الهواء الخطرة المسمّاة الجسيمات الدقيقة المحيطة، والتي يساوي قطرها ميكرومترين ونصف الميكرومتر أو أقل، ويُشار إليها اختصاراً برمز (PM 2.5).
نُشرت الدراسة في 6 مارس/ آذار في مجلة "لانسيت بلانتري هيلث" (Lancet Planetary Health). استخدم فريق الباحثين النماذج الحاسوبية لتقييم تركيزات الجسيمات الدقيقة (PM2.5) السنوية واليومية على مستوى العالم بدءاً من عام 2000 وحتى عام 2019.
كل البشر استنشقوا جسيمات دقيقة خطرة تقريباً
استخدمت النماذج بيانات من المحطات الأرضية التي تراقب جودة الهواء والطقس، بالإضافة إلى عمليات محاكاة لكيفية انتقال المواد الكيميائية عبر الهواء، وتوصّلت نتائجها إلى أن 0.001% من سكان العالم فقط تعرضوا لمستويات آمنة من الجسيمات الدقيقة (PM 2.5) عام 2019 وفقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية. تقول منظمة الصحة العالمية إن تركيزات هذه الجسيمات الدقيقة التي تتجاوز 5 ميكروغرامات في المتر المكعب من الهواء تُعد خطرة.
اقرأ أيضاً: تلوث الهواء: الكارثة التي تهدد عشرات المدن المتنامية
وتُظهر نتائج الدراسة أنه على الرغم من انخفاض المستويات اليومية لملوثات الهواء في أميركا الشمالية وأوروبا في العقدين المدروسين، فقد ازدادت مستوياتها في أستراليا ونيوزيلندا وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. كان تلوث الهواء في هذه المناطق أعلى من المستويات التي توصي بها منظمة الصحة العالمية في أكثر من 70% من الأيام التي تم رصدها، وعموماً، سُجلت التركيزات الأعلى للجسيمات الدقيقة في مناطق جنوب شرق آسيا وشرقها وشمال إفريقيا.
شرق آسيا وجنوبها وشمال إفريقيا: أكثر المناطق تلوثاً
وفقاً للمؤلف المشارك في الدراسة وعالم الصحة العامة العالمية والأوبئة، يومينغ غوو، ثمة أنماط موسمية تتكرر لتركيزات الجسيمات الدقيقة (PM2.5) غير الآمنة في مناطق مختلفة من العالم. على سبيل المثال، يشهد شمال شرق الصين وشمال الهند تراكيز أعلى من الجسيمات الدقيقة في الهواء خلال أشهر ديسمبر/ كانون الأول ويناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط، بينما تزداد تراكيز هذه الجسيمات في المناطق الشرقية من أميركا الشمالية خلال أشهر الصيف.
يقول غوو في بيان: "سجلنا أيضاً ارتفاعاً نسبياً لتلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة (PM2.5) في أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول في أميركا الجنوبية ومن يونيو/ حزيران إلى سبتمبر/ أيلول في جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا.
وفي مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست في 6 مارس/ آذار، يقول غوو إن للدراسة بعض القيود، إذ تفتقر بعض الدول إلى بيانات كافية، ما قد يؤثر على أداء النماذج في تلك المناطق.
قد تكون هذه الدراسة الأولى من نوعها في هذا الصدد، لكنها تتوافق مع البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية في أبريل/ نيسان عام 2022، والتي كشفت عن أن المستويات الخطيرة من تلوث الهواء تؤثر على 99% من سكان العالم.
اقرأ أيضاً: حلول مبتكرة في مجال الطاقة لتقليل التلوث الذي تتسبب به سفن الشحن
مخاطر الجسيمات الدقيقة
يمكن للجسيمات الدقيقة، لا سيما الجسيمات التي يساوي قطرها 2.5 ميكرومتر أو أقل، الوصول إلى أعماق الرئتين ودخول مجرى الدم وتؤدي بالتالي إلى مجموعة متنوعة من مشاكل القلب والأوعية الدموية (السكتات الدماغية) والتنفسية. كانت منظمة الصحة العالمية قد قالت في بيان العام الماضي إن ثمة أدلة جديدة على أن الجسيمات الدقيقة يمكن أن توقع آثاراً ضارة على أعضاء الجسم الأخرى وقد تسبب أمراضاً أخرى أيضاً.
وكشفت دراسات أخرى أنه حتى المستويات المنخفضة من تلوث الهواء قد تزيد من معدلات الوفيات، وأشارت إلى أن التلوث الناجم عن وسائل النقل قد يكون مرتبطاً بانخفاض وزن المواليد الجدد وزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والاضطراب الثنائي القطب.
يقول غوو في بيان: "تقدم هذه الدراسة رؤى عميقة للوضع الراهن لتلوث الهواء الخارجي وتأثيراته على صحة الإنسان، وتوفر لصانعي السياسات ومسؤولي الصحة العامة والباحثين أساساً لتقييم الآثار الصحية القصيرة الأمد والطويلة الأمد لتلوث الهواء وتطوير استراتيجيات للتخفيف منه".