خلال الأيام الأخيرة من أغسطس عام 2014، قام العمال في جنوب غرب ولاية واشنطن بإنهاء العمل في تفكيك سد غلينيس كانيون على نهر إلواها، وهو أكبر مشروع لإزالة السدود في تاريخ الولايات المتحدة. وعلى مدى عشرين سنة، تم تفكيك أكثر من 865 سداً، وتم تفكيك 72 منها في عام 2014 وحدها. ولقد أدى الجمع بين قضايا البنى التحتية، والاعتراف بالآثار البيئية السلبية للسدود، وحقيقة أن كثيراً من السدود فشلت في الوصول إلى طاقتها المرجوة، إلى زيادة الاهتمام بقضايا تفكيك السدود.
وما زالت البرازيل تعيش جنون بناء السدود، في واحد من أكثر الأنظمة البيئية حيوية وحساسية، وهو حوض الأمازون. وقد نشرت دراسة في يونيو 2017 في مجلة الطبيعة، تشير إلى أن التأثير البيئي لبناء السدود سيكون أسوأ بكثير مما هو متوقع.
وتكمن المشكلة -بحسب واضعي الدراسة- في أن الدراسات العلمية المتوفرة حول سدود نهر الأمازون قد تركزت بشكل رئيسي على المناطق المحيطة مباشرة ببناء السد. يقول إدغاردو لاتروبيس أستاذ قسم الجغرافيا والبيئة في جامعة تكساس: " إذا قمتُ ببناء سد هنا، فما الذي يحدث في اتجاه التيار؟ وما الذي يحدث في اتجاه عكس التيار؟ وإذا بنيتَ أنت سداً في عدة أماكن على طول النهر، فإن التأثير سيتضاعف. وهو أمر لا يؤخذ في الاعتبار عند بناء السد".
ومن المهم أن نفهم مستوى السدود التي نتحدث عنها. فعندما سيكتمل بناء سد بيلو مونتي في عام 2019 والذي تبلغ طاقته الإنتاجية 11233 ميغاواط، فسيصل ارتفاعه إلى 90 متراً، وهو أقل بقليل من ارتفاع تمثال الحرية. وسيمتد على مسافة 3200 متر على طول النهر. وسيكون رابع أضخم سد في العالم من ناحية السعة التخزينية بعد سد الممرات الثلاثة المثير للجدل في الصين. و لكنه لن يكون السد الأكبر في البرازيل المسجل باسم سد إيتابوا على الحدود مع الباراغواي. ولقد اقترح المطورون بناء 428 سداً كهرومائياً في حوض الأمازون، وهناك 140 سداً منها على الأقل قد اكتمل إنشاؤها، أو هي قيد الإنشاء.
وتقول المجتمعات الأهلية على طول هذه الأنهار بأن السدود تسبب الضرر للأسماك، وتفسد مخزونات المياه العذبة، حيث يعتبر نهر الأمازون موطناً لما يتراوح بين 16 و18 في المائة من مخزون المياة العذبة في العالم. وستقوم الطرق التي يتم إنشاؤها لدعم هذه المشاريع الإنشائية العملاقة بتعريض الغابات المطيرة لقطع الأشجار غير القانوني، ما سيسرع من إزالة الغابات.
كل هذه مشاكل محلية معروفة. ولكن مؤلفي الدراسة وضعوا ما أطلقوا عليه اسم "مؤشر الضعف البيئي للسد" لتقييم الآثار الناجمة عن بناء السد. وقد قاموا بالجمع بين ثلاثة مؤشرات: مؤشر سلامة الحوض، والذي يقيس حساسية حوض النهر لتغيرات الاستخدام الحالية والمحتملة، والتعرية، وتلوث جريان المياه. ومؤشر ديناميكية النهر، والذي ينظر إلى مدى تغير النهر مع مرور الزمن، ومدى إمكانية فيضانه، وحمولته من الرواسب. ومؤشر تأثير السد، والذي يقيس مدى تأثر النظام النهري بالسدود المنشأة أو التي سيتم إنشاؤها عليه.
وتشير الدراسة إلى أن السدود في حوض ميديرا سيكون لها تأثير سلبي كبير. فالمنطقة تعد موطناً لأكبر رافد للأمازون، وهي توفر حوالي نصف الرواسب الكلية للنظام النهري، والتي سيتم احتجازها خلف السدود. ولن يقتصر هذا التأثير على المستوى المحلي وحسب، بل سيشمل المستوى الإقليمي أيضاً. فالرواسب التي يحملها النهر توفر المواد الغذائية التي تحفظ الحياة البرية، وتساهم في الحفاظ على مخزون الغذاء الإقليمي، وتعدل الحركة الديناميكية للنهر إلى ما وراء الحدود البرازيلية.
يقول لاتروبيس: "يساهم الأمازون وروافده بملايين الأطنان من الرواسب التي تذهب إلى كل من نهر الأمازون والبحر، والتي يتم توزيعها بعد ذلك بواسطة التيارات البحرية إلى الساحل الشمالي الغربي للبرازيل وسورينام وغوايانا الفرنسية. وتحتوي هذه المنطقة على أكبر غابات شجر المنغروف الاستوائية في أميركا الجنوبية. فإذا قمنا بتعديل كل هذا التدفق من الرواسب من خلال بناء السدود، فإننا سنعدل كل النظام البحري، بما فيه غابات المنغروف الساحلية. ولم تشارك هذه الدول في عملية صنع القرار، وليس لديها أي دليل على أن هذا يمكن أن يحدث".
توجد غابات المنغروف فقط في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية. وبالإضافة إلى كونها نظاماً بيئياً متنوعاً، فإن هذه الغابات تلعب دوراً كبيراً في استقرار الخطوط الساحلية، والحد من التعرية التي تسببها العواصف. وسيكون فقدان الرواسب التي هي في الأساس تربة هذه الغابات أمراً مدمراً. ويقارن لاتروبيس الأمر بما فعلته الولايات المتحدة مع نهر كولورادو، حيث أن النهر بالكاد يتدفق إلى المكسيك بسبب السدود التي تم إنشاؤها عليه. وفي حين أن هذا يؤثر على بلد واحد، فإن الرواسب التي يطلقها نهر الأمازون عادة في المحيط الأطلسي تؤثر أيضاً في مسار العواصف المدارية عبر حوض الكاريبي وداخل خليج المكسيك. وسيكون لإزالة هذا الجزء الرئيسي من النظام البيئي القدرة على إلحاق الأذى بالكثيرين.
وقد تم بالفعل بناء سدين ضخمين على نهر ماديرا، هما سد سانتو أنطونيو، وسد جيارو، ما أدى إلى انخفاض تركيز الرواسب بنسبة 20 في المائة، بالرغم من كمية الرواسب غير الاعتيادية التي أطلقتها الفيضانات في عامي 2014 و 2015. فحتى الرواسب الإضافية سيتم احتجازها بالسدود الـ 25 المزمع إنشاؤها عند المنبع.
يقول لاتروبيس: "في الولايات المتحدة، وأوربا، وحتى في البلدان التي تكون فيها المياه ثمينة جداً كأستراليا، ليس هناك رغبة في إنشاء هذا النوع من السدود، بسبب تأثيراتها السلبية الهائلة على البيئة". مشيراً إلى أن العديد من هذه السدود تم التخطيط لها في فترة السبعينات. ويضيف: "يتم الآن إحياء المشاريع القديمة دون دراسة الأماكن التي يمكن إقامة السدود عليها. نحن بحاجة إلى دراسة أماكن إقامة السدود بحيث يكون لها تأثير أقل على البيئة".