هناك الكثير من الموسيقى تحت سطح البحر. فعلى سبيل المثال، هناك قسم سليم من الحِيد المرجاني العظيم في أوستراليا يزخر بهذه الموسيقى، فأسماك الدامسل تصيح، وأسماك المهرج تسقسق، والقريدس يطقطق بمخالبه. يقول تيم جوردون، مرشح الدكتوراه في جامعة إكسيتر: "يصدر هذا النوع من الأوركسترا عن الحيوانات التي تصنع الضجيج". ولكن عندما تتضرر الشعاب المرجانية، تموت الحيوانات وتتوقف الأوركسترا عن العزف. ويجعل هذا الصمت من الصعب على الأسماك الفتيّة التي نشأت في المحيط المفتوح أن تجد طريق العودة إلى منازل ذويها البالغين، مما يزيد من تدهور الشعاب التي تعاني أصلاً.
يقول جوردون: "الشعاب المرجانية بدون الأسماك هي في الحقيقة شعاب مرجانية في ورطة". وجوردون، عالم الأحياء البحرية، هو المؤلف الرئيسي لدراسة جديدة، نُشرت في أبريل 2018 في مجلة "محاضر الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم". وقد قارنت الدراسة أصوات الشعاب المرجانية المسجلة في البحيرات حول جزيرة ليزارد في عام 2012، قبل العديد من الأحداث الرئيسية المتعلقة بتغير المناخ، بالتسجيلات التي تم التقاطها في نفس الأماكن ونفس الظروف بعد أربع سنوات. وقد وجدوا انخفاضاً في ضجيج الشعاب المرجانية بمقدار 15 ديسيبل. ومع المزيد من التجارب، أظهروا أن الشعاب المرجانية الأكثر هدوءاً لم تجذب من الأسماك الصغيرة أكثر مما اجتذب المحيط المفتوح.
وللقيام بهذه الدراسة، أخذ جوردون وزملاؤه تسجيلاتهم للشعاب المرجانية، وقاموا بتشغيلها عبر مكبرات الصوت تحت الماء في مواقع حول جزيرة ليزارد في أوستراليا، مع مجموعة معيارية من أصوات المحيط المفتوح. ووجد الباحثون أن يرقات الأسماك اجتُذبت إلى الأصوات المنخفضة للشعاب المرجانية المتضررة بمعدل أقل بنسبة ثمانية في المائة، في حين أن أقل من 40 في المائة من الأسماك الفتيّة اختارت الاستقرار على تلك الشعاب المرجانية.
يقول ديف ميلينجر، الباحث في علم الصوتيات الحيوية في جامعة ولاية أوريجون، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة: "لقد فاجأني مدى ثبات النتائج ومدى قوتها". ومن بين أنواع الأسماك المدارية التي تمت دراستها، كان معدل استيطان الأسماك ثابتاً بشكل ملحوظ، والذي يوفر برأيه "دليلاً آخر على أن الصوت مهم جداً في المحيط".
ويرى ميلينجر أن الطريقة التي تجد بها الأسماك طريقها إلى الشعاب المرجانية من المحيط المفتوح عندما تكون صغيرة غير مفهومة جيداً. وتوفر هذه الدراسة الجديدة دليلاً على أن الصوت جزء أساسي من هذه العملية. فعندما تكون الأسماك فتية، تلعب أدواراً حيوية في النظم البيئية للشعاب المرجانية، من علاقاتها المتبادلة مع الأنواع الأخرى مثل شقائق النعمان البحرية، إلى دورها "كمنظفات" للشعاب المرجانية المتضررة. وتتغذى بعض أنواع أسماك الشعاب المرجانية على الطحالب التي تنمو على الشعاب المرجانية الميتة، مما يسمح للسلائل المرجانية الجديدة بمساعدتها على التجدد. ولكن، وكما توضح هذه الدراسة الجديدة، عندما تصمت الشعاب المرجانية، لا تبني الأسماك الفتية منازلها هناك، مما يمنع الشعاب المرجانية من تحقيق بعض التعافي على الأقل.
وقد أثّرت ثلاثة أحداث مثيرة على الأجزاء الشمالية من الحيد المرجاني العظيم بين عامي 2012 و 2016: إعصار إيتا، وإعصار ناثان، وفي عام 2016، حدث ابيضاض شامل أصاب الحيد المرجاني العظيم بأكمله. وتُظهر هذه الدراسة أن آثار هذه الأحداث لها عواقب بعيدة المدى فيما يتعلق بالتعافي المحتمل للشعاب المرجانية. فكلما أصبحت أصوات الشعاب المرجانية أكثر هدوءاً وأقل تعقيداً، قل احتمال عودة الأسماك للمساعدة في تعافي الشعاب المرجانية.
كان المصير القاتم للشعاب المرجانية على كوكب الأرض يظهر في الأخبار لبعض الوقت، والآن - مع وجود عوامل ذات صلة، مثل تغير الطقس وتحمّض المحيطات التي تقتل أجزاء كبيرة من الشعاب المرجانية- فالأمر لا يحتمل المزيد من الأخبار السيئة. لكن جوردون يقول إن الناس لا ينبغي أن يشعروا باليأس، رغم أنه بالنسبة إليه شخصياً، فإن الاستماع إلى التسجيلين كان "مفجعاً للغاية." ويرى جوردون أن تقليل انبعاثات الكربون هو الحل طويل الأمد لمساعدة الشعاب المرجانية. وتشير دراسات أخرى إلى أنه لم يفت الأوان لتغيير هذا المصير.