تعتبر الشعاب المرجانية موطناً لمجموعة واسعة من المخلوقات البحرية. وهي توفر الطعام، والحماية من أضرار العواصف، وتنشط السياحة، وتثير الدهشة. ويقول كيهو كيم الأستاذ في قسم العلوم البيئية في الجامعة الأميركية: "إذا خسرنا الشعاب المرجانية، فسنخسر جزءاً حيوياً من كوكبنا". وقد قام كيم بدراسة مصير الشعاب المرجانية في عالمنا الذي يعاني من الاحترار والتلوث المتزايد. وهو قلق من النتائج التي توصل إليها.
قام كيم مع زملائه مؤخراً بفحص تأثيرات النتروجين الموجود في مخلفات المصانع وخزانات الصرف الصحي على الشعاب المرجانية في جزيرة جوام، وهي المقاطعة الأميركية التي شهدت تغيرات بيئية دراماتيكية على مدى ستين عاماً. وقد نشرت هذه الدراسة في مجلة "نشرة التلوث البحري".
تعاني الأنظمة البيئية المتنوعة التي تشكّل الشعاب المرجانية في مختلف مناطق العالم من التغير المناخي، والصيد الجائر، والتلوث. ووجد العلماء مؤخراً أن المياه الدافئة تقتل قطاعات كاملة من الحِيد المرجاني العظيم في أوستراليا.
ويشعر كيم بالقلق، ولكنه متفائل أيضاً، وهو يعتقد أن الكثير من الأضرار التي شوهدت حتى الآن يمكن عكسها. ويقول: "إننا نرى بالتأكيد علامات على تأثير التلوث، ولكن الشعاب المرجانية بشكل عام مرنة ويمكن أن تعود إلى طبيعتها إذا تمت إزالة المسبب".
ولم تبحث دراسته في ازدياد حموضة المحيط الناتج عن التلوث بالكربون. ويقول كيم عن ذلك: "يساهم ازدياد حموضة المحيط والاحترار في تفاقم تأثير التلوث. وإذا تمكنا من تنظيف مياهنا الساحلية، فربما تتمكن الشعاب المرجانية والمخلوقات الأخرى من التكيف بشكل أفضل مع التغير المناخي".
ويلاحظ كيم أيضاً أن المناطق التي تقع فيها الشعاب المرجانية بالقرب من المستوطنات البشرية "يرجّح أن يلعب التلوث فيها دوراً أكثر أهمية من التحمض في تحديد الحالة الصحية للشعبة المرجانية، لأن التغيرات في مستويات التلوث كانت أكبر بكثير".
عندما ينمو المرجان فإنه يشكل طبقات هيكلية، وهي عملية يشبهها كيم بإنشاء مبنى سكني. ويشرح كيم هذه العملية بقوله: "يبدأ الأمر مع غرفة مفردة، هي عبارة عن سليلة مرجانية تشبه شقائق النعمان الصغيرة. وهي تنقسم وتبني غرفة أخرى تحتلها سليلة مرجانية متطابقة وراثياً مشتقة من الأولى".
ويتابع كيم" "يسمح هذا بنمو المرجان أفقياً. بالإضافة إلى أن المرجان ينمو عمودياً بإضافة المزيد من الطبقات. وفي حالة الشعاب المرجانية، فإن الطبقة العليا فقط تشغلها السلائل المرجانية. ولذلك، فعندما تأخذ قلب الشعب المرجاني، يمكنك أن ترى طبقات النمو السنوي. وعليك فعلياً أن تأخذ صورة بالأشعة السينية لقلب الشعب المرجاني بعد تقسيمه، لأن الطبقات ليست واضحة للعين المجردة".
عمل الفريق على الشعاب المرجانية في الجانب الشرقي من جزيرة جوام، عند مستجمع المياه في نهر توجشا، حيث تقوم محطة مياه المجاري بتفريغ النفايات التي تتدفق مع تيار النهر باتجاه الشعاب المرجانية. وقد قام كيم وزملاؤه باستخراج هيكل مرجاني مفرد من مستعمرة من المرجان الضخم قرب منبع النهر، على عمق ستة أمتار. وقد استخدموا مثقاباً هوائياً يعمل بالضغط العالي موصولاً بخزان الغوص لإزالة قلب الشعب المرجاني بطول أكثر من 60 سنتيمتراً. ثم قاموا بسد الحفرة الناتجة بسدادة إسمنتية. وبفحصها في وقت لاحق، وجدوا أن النسيج المرجاني ينمو فوق السدادة، ما يشير إلى أن المرجان ما يزال بحالة جيدة.
ثم قام الباحثون بقياس نسبة نظائر النيتروجين في المرجان. في حالة النيتروجين، هناك نوعان من النظائر: 14Nو 15N. وتشير الأرقام هنا إلى عدد النيوترونات في النواة. وقد قام العلماء بقياس وفرة نسبية من النظائر 14Nو 15N في العينة الحيوية عن طريق الكشف عن الأوزان المختلفة من نوعي النظائر.
ويشرح كيم الأمر بقوله: "ركزنا في دراستنا على النيتروجين الذي يستخدم عادة في دراسات التلوث، لأن مصادر مختلفة من النيتروجين لها نسب متميزة من النيتروجين الثقيل (15N) إلى النيتروجين الخفيف (14N)".
ويضيف: "تملك الأسمدة، على سبيل المثال، نسبة منخفضة للنيتروجين الثقيل على النيتروجين الخفيف. بينما تملك مياه الصرف الصحي نسبة عالية للنيتروجين الثقيل على النيتروجين الخفيف. وبتحليل نسبة النيتروجين الثقيل إلى النيتروجين الخفيف في المواد الحيوية، يمكننا معرفة من أين جاء معظم النيتروجين. وغالباً فإن المصدر الشائع للنيتروجين في البيئة الساحلية هو إما الأسمدة أو مياه الصرف الصحي". ولهذا، ليس من المستغرب في هذه الحالة، أن يكون الضرر قد جاء من النيتروجين المستخرج من مياه المجاري.
استخدم العلماء طريقة جديدة، وهي تقنية كيميائية وضعها شينغشن وانغ من علماء جامعة برينستون وأحد المشاركين في الدراسة، وذلك لاستخراج النيتروجين من الهياكل المرجانية لتحليل النظائر. وتتطلب العملية الجديدة كمية أقل بكثير من المادة الهيكلية المرجانية، وبالتالي سيتم الحفاظ على المزيد من الهيكل المرجاني.
يقول كيم "إن الطريقة الجديدة قادرة على تحليل الهيكل المرجاني الفعلي بدلاً من بقايا الأنسجة المتبقية في الهيكل. فبقايا الأنسجة ليست وفيرة، وهو ما يعني أن الطريقة التقليدية تتطلب أخذ عينات من كتلة كبيرة من الهيكل المرجاني من أجل الحصول على ما يكفي من الأنسجة لتحليل النظائر. بينما يتطلب الأمر مع طريقتنا الجديدة قدراً أقل بكثير من الهيكل المرجاني لأخذ العينات".
يرتبط التلوث بالنيتروجين الذي سجله الباحثون بزيادة سكان جزيرة جوام على مدى الستين عاماً الماضية. فبين عامي 1960 و 1980 فقط، ازداد عدد سكان مستجمعات المياه في توجشا عشرة أضعاف.
يقول كيم: "يستطيع شعب جوام فعل شيء ما حيال التلوث. والتكنولوجيا متاحة لإزالة مغذيات التلوث كالنيتروجين الموجود في مياه المجاري، وعلى الرغم من كونها مكلفة للغاية، إلا أن علينا أن نزن تكاليف رفع مستوى محطات المعالجة مقابل تكاليف فقدان الشعاب المرجانية والنظام البيئي. وبإجراء حسابات صحيحة، سيكون من الأفضل دفع المزيد من التكاليف لحماية الشعاب المرجانية وغيرها من النظم البيئية الساحلية.