العاصفة الأرضية.. فيلم ساذج يثير أسئلة خطيرة

5 دقائق
تحمل هندسة الأرض بنسختها الهوليودية نتائج مناخية غير سارة على الإنسان.

يدور فيلم هوليود الأخير "العاصفة الأرضية" Geostorm حول سيناريو كارثي للمستقبل تمكن به البشر من التحكم بمناخ الأرض. ويدار التحكم بالمناخ عن طريق إحدى التقنيات الفعالة المرتبطة بالأقمار الصناعية، والتي تتيح للمستخدمين اختيار الطقس الذي يرغبون به، حتى (عذراً لحرق الأحداث) تسير الأمور على غير ما هو مخطط لها.

ويبدو واضحاً أن أحداث الفيلم خيالية يصعب تحققها في الواقع القريب، لكن في أعقاب أحد أشد مواسم الأعاصير في التاريخ الحديث، فإن تصور عالم يمكننا فيه تنظيم الطقس هو فكرة مغرية. وعلى الرغم من تاريخ طويل من الاهتمام في تعديل الطقس، فإن التحكم بالمناخ هو أمر غير قابل للتحقيق مع التقنيات الحالية. لكن هل يحمل فيلم "العاصفة الأرضية" بين ثناياه رسالة واقعية عن الوعود والمخاطر للتحكم بكوكب الأرض؟

العبث بالمناخ العالمي

بالرغم من أن التقنية المذكورة في فيلم "العاصفة الأرضية" خيالية بطريقة مضحكة، لكن هذا لا يعني أنه لا توجد تقنيات تستخدم لهندسة المناخ.

تعرَّف هندسة الأرض، أو هندسة المناخ، بأنها مجموعة من التقنيات الناشئة التي يمكن أن تعدّل بعض عواقب التغير المناخي. ويأخذ بعض العلماء هذه المسألة على محمل الجد، معتبرين هندسة الأرض من بين مجموعة من الأساليب لإدارة مخاطر التغير المناخي، على الرغم من أن ذلك يكون دائماً مكملاً لخفض الانبعاثات والتكيف مع آثار التغير المناخي، وليس بديلاً عنه.

وغالباً ما تكون هذه الابتكارات مقسمة إلى فئتين، الأولى هي تقنية إزالة ثاني أكسيد الكربون (أو الانبعاثات السلبية) التي وضعت لإزالة غازات الدفيئة من الغلاف الجوي بشكل فعال، والثانية هي تقنية إدارة الإشعاع الشمسي (أو الهندسة الشمسية للأرض) والتي تهدف إلى تقليص مقدار ضوء الشمس الذي يصل إلى الأرض.

ولأن الأمر يأخذ وقتاً كي يستجيب المناخ للتغيرات، فحتى لو توقفنا عن إصدارانبعاث غازات الدفيئة اليوم، لا يمكن تجنب مستوى معين من التغير المناخي وما يرتبط به من مخاطر. ويقول المدافعون عن الهندسة الشمسية للأرض إن هذه التقنيات قد تساعد في الحد من بعض الآثار، بما في ذلك ارتفاع مستوى سطح البحر والتغيرات في أنماط الطقس، وهي تفعل ذلك بسرعة.

ولكن كما هو متوقع، فإن فكرة العبث المتعمد بالغلاف الجوي للأرض للحد من آثار التغير المناخي أمر مثير للجدل، بل حتى إجراء البحوث في هندسة المناخ قد يشمل بعض العبث.

المخاطر العالمية مرتفعة

يمكن لهندسة الأرض أن تعيد تشكيل عالمنا بطرق جذرية، وبسبب الآثار العالمية التي ستصاحب محاولات هندسة كوكب الأرض، فإن هذه ليست تقنية يمكن لبعض الناس أن يقبلوا بها أو يرفضوها اختيارياً، فهندسة الأرض لديها القدرة على التأثير على الجميع. علاوة على ذلك، فإنها تثير أسئلة عميقة حول علاقة البشر بالطبيعة غير البشرية. بالنهاية فالنقاشات المهمة في هذا الموضوع لا تهتم بالتكنولوجيا بالقدر الذي تهتم بمعرفة ما سنكسبه أو سنخسره سياسياً وثقافياً واجتماعياً.

يدور معظم الجدل بشأن هذا الأمر حول مدى صوابية أبحاث هندسة الأرض على الهندسة الشمسية للأرض، وليس على إزالة ثاني أكسيد الكربون، لأن معرفة جوانب الهندسة الشمسية للأرض يمكن أن تقودنا إلى أسفل المنحدر الزلق للقيام بذلك فعلاً. فمجرد إجراء البحوث يمكن أن يجعل نشر الهندسة الشمسية للأرض أكثر احتمالاً، حتى لو ثبت أنه فكرة سيئة. ويأتي ذلك مع خطر أن هذه التقنيات قد تكون سيئة للبعض وجيدة للبعض الآخر في الوقت نفسه، مما قد يؤدي إلى تفاقم مظاهر عدم المساواة، أو خلق مظاهر أخرى جديدة.

على سبيل المثال، أشارت الدراسات المبكرة التي استخدمت نماذج حاسوبية إلى أن حقن الجسيمات الدقيقة في طبقة الستراتوسفير لتبريد أجزاء من الأرض قد يعرقل الرياح الموسمية الصيفية الآسيوية والأفريقية، مما يهدد مصادر الغذاء لمليارات البشر. وحتى لو لم يؤدّ التطبيق بالضرورة إلى عدم انتشارها بشكل متساوٍ إقليمياً، فإن حدوث الهندسة الشمسية للأرض يثير تساؤلات حول من لديه القدرة على تشكيل مستقبلنا المناخي، ومن ستستثنيه هذه التغيرات وفي أي المناطق.

وتركز مخاوف أخرى على العواقب غير المقصودة المحتملة للتجارب المفتوحة واسعة النطاق، وخاصة عندما يصبح كوكبنا كله هو المختبر، وهناك خوف من أن العواقب ستكون لا رجعة فيها، وأن الخط الفاصل بين البحث والتطبيق هو غامض بطبيعته.

ثم هناك مشكلة الإلهاء، والمعروفة في كثير من الأحيان باسم "الخطر الأخلاقي"، فحتى البحث في هندسة الأرض كاستجابة محتملة لتغير المناخ قد يصرف التركيز على العمل الضروري والصعب للحد من مستويات غازات الدفيئة والتكيف مع التغير المناخي، ناهيك عن تحديات تشجيع أنماط الحياة والممارسات الأكثر استدامة.

ولكي نكون منصفين، فإن العديد من العلماء في المجتمع الصغير لمجال هندسة الأرض يأخذون هذه المخاوف على محمل الجد، وهو ما كان واضحاً في النقاشات القوية حول أخلاقيات وسياسة هندسة الأرض في اجتماع عقد مؤخراً في برلين، لكن لا يزال هناك عدم توافق في الآراء حول إمكانية وكيفية المشاركة في بحوث هندسة الأرض المسؤولة.

زوبعة مناخية في فنجان؟

إذاً، ما هو مدى اقترابنا من المستقبل الكارثي لسيناريو "العاصفة الأرضية"؟ الحقيقة هي أن هندسة الأرض ليست أكثر من مجرد فكرة تراود مجموعة صغيرة من العلماء، وفق تعبير جاك ستيلجو، مؤلف كتاب "تجربة الأرض: الابتكار المسؤول في هندسة الأرض"، حيث يعلق قائلاً:

"لا ينبغي أن نخاف من هندسة الأرض، حالياً على الأقل، فهي ليست مثيرة ولا مرعبة كما يتم دفعنا إلى الاعتقاد، وذلك لسبب بسيط، وهو عدم وجودها بعد". 

وبالمقارنة مع التقنيات الناشئة الأخرى، فإن الهندسة الشمسية للأرض لا يدعمها طلب صناعي، ولا تملك دافعاً اقتصادياً قوياً حتى الآن، وهي ببساطة لا تحتكم إلى المصالح الوطنية في القدرة التنافسية العالمية. وبسبب هذا، فهي فكرة تكافح للانتقال من صفحات الدراسات الأكاديمية وورق الصحف إلى الواقع الملموس.

حتى الوكالات الحكومية تبدو حذرة من تمويل البحوث الخارجية للهندسة الشمسية للأرض، ربما لأنها ذات إشكالية أخلاقية، ولكن أيضاً لأنها فكرة أكاديمية مثيرة للاهتمام دون عائد اقتصادي أو سياسي واضح لأولئك الذين يستثمرون فيها.

ومع ذلك، فإن بعض المؤيدين يشكلون حالة قوية لمعرفة المزيد عن الفوائد والمخاطر والفعالية المحتملة لهذه الأفكار. لذلك بدأ العلماء في التحول إلى التمويل الخاص. وعلى سبيل المثال، فقد أطلقت جامعة هارفارد مؤخراً برنامج أبحاث الهندسة الشمسية للأرض، بتمويل من بيل جيتس، ومؤسسة هيوليت وغيرها.

وكجزء من هذا البرنامج، يعكف الباحثان ديفيد كيث وفرانك كيوتش على إجراء تجارب على نطاق صغير لحقن جسيمات دقيقة تعكس أشعة الشمس في طبقة الستراتوسفير فوق مدينة توكسون بولاية أريزونا. إنها تجربة صغيرة جدأ، وهي ليست الأولى، ولكنها تهدف إلى تكوين معلومات جديدة عن إمكانية وكيفية استخدام هذه الجسيمات يوماً ما للتحكم بكمية ضوء الشمس الذي يصل إلى الأرض. الأهم من ذلك، أنها تشير إلى أنه عندما تخشى الحكومات أن تقدم على مثل هذه المشاريع، فقد ينتهي الأمر بالأفراد الأثرياء والجمعيات الخيرية إلى توسيع نطاق أبحاث هندسة الأرض مع أو دون موافقة المجتمع.

ضرورة طرح القضية للنقاش العام

مجمل القول أنه هناك حاجة متزايدة للنقاش العام حول إمكانية وكيفية المضي قدماً في هذا الأمر. وفي نهاية المطاف، لا يوجد أي قدر من الأدلة العلمية التي من المرجح أن تحل بمفردها المناقشات الأوسع حول الفوائد والمخاطر، وقد تعلمنا ذلك من المناقشات المستمرة حول الكائنات المعدلة وراثياً، والطاقة النووية، وغيرها من التقنيات عالية التأثير.

إن ترك هذه المناقشات للخبراء لا يتعارض مع المبادئ الديمقراطية فحسب، بل من المرجح أن يكون هزيمة ذاتية، لأن المزيد من البحوث في المجالات المعقدة يمكن أن يجعل الخلافات أسوأ في كثير من الأحيان. والخبر السيئ هنا هو أن البحوث حول وجهات النظر العامة عن هندسة الأرض (التي يقتصر قبولها على أوروبا والولايات المتحدة) تشير إلى أن معظم الناس ليسوا على دراية بهذه الفكرة. أما الخبر السار فهو أن أبحاث العلوم الاجتماعية والخبرة العملية أظهرت أن الناس لديهم القدرة على التعلم والتداول بشأن التقنيات المعقدة، إذا ما أتيحت لهم الفرصة.

وبوصفنا باحثين في التطوير المسؤول واستخدام التقنيات الناشئة، نقترح خفض التوقعات حول أخلاقيات مستقبل الهندسة الوراثية المتخيل، والتي يمكن أن تغلق المجال لاتخاذ القرارات بشأن هذه التقنيات بدلاً من أن تفتحه. وبدلاً من ذلك، نحن بحاجة إلى مزيد من الصرامة في كيفية التفكير في خيارات المدى القريب حول البحث في هذه الأفكار بطرق تستجيب للمعايير والسياقات الاجتماعية، وهذا يشمل التفكير بجدية حول إمكانية وكيفية تنظيم البحوث الممولة من القطاع الخاص في هذا المجال، وإدراك العلماء والقادة السياسيين أن المجتمعات قد لا ترغ في تطوير هذه الأفكار على الإطلاق.

إن ما سبق طرحه هو بعيد كل البعد عن الهيستيريا الهوليودية في فيلم "العاصفة الأرضية"، فالقرارات حول أبحاث هندسة الأرض يتم اتخاذها في الحياة الواقعية. ربما لن تكون لدينا إمكانية السيطرة على الطقس القائم على الأقمار الصناعية في وقت قريب، لكن إذا قرر العلماء البحث عن تقنيات للتدخل المتعمد في نظامنا المناخي، فنحن بحاجة إلى البدء بجدية في الحديث عن إمكانية وكيفية التحرك بشكل جماعي ومسؤول.

جين  فليجال هي طالبة دكتوراه في قسم العلوم والسياسة والإدارة البيئية في جامعة كاليفورنيا في بيريكلي، أما أندرو ماينارد فهو مدير مختبر ابتكار المخاطر بجامعة ولاية أريزونا.

المحتوى محمي