ما هي الفقاعة الحرارية للمحيط الهادئ؟ وكيف تؤثّر في التوازن البيئي البحري؟

ما هي الفقاعة الحرارية للمحيط الهادئ؟ وكيف تؤثّر في التوازن البيئي البحري؟
مع استمرار ارتفاع درجة حرارة المحيطات واستمرار توالي الموجات الحرارية مثل ظاهرة الفقاعة الحرارية، ستكافح مجتمعات الأسماك من أجل التعافي واستعادة توازنها. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في أواخر عام 2013، ظهرت كتلة من المياه الدافئة، التي تسمى الآن “الفقاعة الحرارية” (Blob)، في شمال شرق المحيط الهادئ، وهي موجة بحرية حارة تسببت بارتفاع درجات الحرارة في البيئات الساحلية الممتدة من ولاية ألاسكا إلى ولاية كاليفورنيا. في وقت لاحق، تعززت الموجة الحرارية الضخمة والشديدة بفعل ظاهرة إل نينيو (El Niño)، وأحدثت دماراً كبيراً في النظم البيئية البحرية، ما أدى إلى نفوق آلاف الطيور التي تعيش في المناطق الساحلية، بينما تسبب انتشار الطحالب الضارة في تسميم الثدييات البحرية والمحاريات.

كما أدى ارتفاع درجة حرارة المياه فجأة إلى تدفق حيوانات جديدة إلى شمال شرق المحيط الهادئ؛ إذ ظهرت أسماك شمس المحيط (ocean sunfish) قبالة ساحل ولاية ألاسكا، بينما ظهرت ثعابين البحر ذوات البطون الصفراء (yellow-bellied sea snakes) في جنوب ولاية كاليفورنيا.

تأثير الفقاعة الحرارية على البيئة البحرية

بحلول عام 2017، انحسرت الفقاعة الحرارية وتناقصت قوتها وتأثيرها، ونتيجة لذلك، تراجع العديد من هذه الأنواع الاستوائية إلى مناطقه الأصلية. لكن ليس جميعها؛ إذ لا يزال بعض الأنواع، التي استوطنت بيئات جديدة خلال هذه الموجة الحرارية، موجوداً. يقول عالم البيئة البحرية في حديقة أسماك خليج مونتيري (Monterey Bay Aquarium) في ساحل ولاية كاليفورنيا، الذي وثّق في بحث جديد تأثير الكتلة الحارة التي أدت إلى مجموعة من التغيرات الطفيفة والمستمرة في انتشار الأنواع البحرية، جوشوا سميث (Joshua Smith): “بدأت أتساءل عن مدى قدرة تلك المجتمعات البحرية على العودة إلى حالتها السابقة”.

تقول المؤلفة المشاركة في الدراسة الجديدة وعالمة البيئة البحرية في جامعة كاليفورنيا في مدينة سانتا باربرا، جين كاسيل (Jenn Caselle): “عبر التاريخ، كان من الطبيعي أن تتجه مجموعة من الأنواع التي تعيش في المياه الدافئة نحو الشمال خلال السنوات الدافئة، إلا أن أعدادها لن تكون كافية للحفاظ على تكوين مجتمعات دائمة في المناطق الشمالية على المدى الطويل”.

لكن بسبب انتشار الكتلة الحارة وشدتها واستمراريتها لفترة طويلة، فإن مجموعات كبيرة من الأنواع استطاعت الانتقال إلى هذه المواقع التي كانت درجات الحرارة فيها أقل، وبفضل أعدادها الكبيرة تمكنت هذه المجموعات من إقامة مواطن دائمة أكثر استقراراً.

اقرأ أيضاً: كيف يتأثر سكان السواحل بارتفاع درجة حرارة المحيطات؟

يقول سميث: “على سبيل المثال، ظهرت أسماك السنيوريتا (Señorita)، وهي نوع من أسماك اللبروس (wrasse) ذات لون برتقالي زاهٍ، بأعداد كبيرة قبالة ساحل كاليفورنيا خلال موجة الحر، ولا تزال موجودة هناك حتى الآن”. تقول كاسيل: “على الرغم من وجود أسماك المحيط البيضاء (Ocean whitefish)، عبر التاريخ حول جزر القناة (Channel Islands) في جنوب كاليفورنيا، ازداد انتشار هذا النوع في تلك المنطقة بصورة ملحوظة، كما إن أسماك رأس الغنم في كاليفورنيا (California sheephead)، وهي أسماك حمراء وسوداء منتفخة الشكل، أصبحت أكثر وفرة بالقرب من ساحل مدينة سانتا باربرا، يمكن أن تؤثر هذه التغيرات في المجتمعات الساحلية على كيفية عمل هذه النظم البيئية”.

أحياناً، عندما يختفي نوع واحد من الكائنات الحية من مجتمع بيئي، مثل الأسماك المفترسة التي تحافظ على توازن مجموعة من الأسماك الصغيرة أو أحد أنواع الأعشاب البحرية التي توفر موطناً للكائنات اللافقارية، يفقد النظام البيئي بعض وظائفه المهمة. تقول كاسيل: “إذا استُبدلت تلك الأنواع المفقودة بأنواع جديدة تؤدي الوظيفة نفسها، فمن الممكن أن توفر هذه الأنواع الجديدة بعض المرونة للنظام البيئي، على الرغم من التغيرات التي يمكن أن تطرأ على المجتمع البيئي”.

وفقاً لكاسيل، يمكن أن يتكيف الناس مع الواقع البيئي الجديد، مشيرة إلى ولع الصيادين مؤخراً بأسماك المحيط البيضاء المتوفرة بكثرة الآن.

اقرأ أيضاً: درجات حرارة قياسية تضرب القطبين الجنوبي والشمالي

ظاهرة إل نينيو تُفاقم تأثيرات الفقاعة الحرارية

كانت الكتلة الحارة، التي تسمى “الفقاعة الحرارية”، إحدى أشد الموجات الحرارية البحرية في التاريخ المسجل، لذلك، من الطبيعي أن تؤثر بصورة كبيرة على النظم البيئية البحرية. على الرغم من ذلك، تأثرت منطقة شمال شرق المحيط الهادئ بالموجات الحرارية البحرية الكبيرة في كل عام منذ عام 2019، بالإضافة إلى تأثرها في العام الحالي أيضاً. في الوقت نفسه، تعمل ظاهرة إل نينيو الحالية على زيادة ارتفاع درجة الحرارة في شمال شرق المحيط الهادئ، وتشير التغيرات المناخية إلى احتمالية استمرار حدوث الموجات الحرارية البحرية لتصبح أكثر تواتراً.

يقول عالم البيئة البحرية بجامعة كولومبيا البريطانية (the University of British Columbia)، الذي لم يشارك في البحث الجديد، ويليام تشونغ (William Cheung): “يمكن أن تواجه مجتمعات الأسماك صعوبات وتحديات نتيجة استمرار ارتفاع درجة حرارة المحيطات وتكرار حدوث الموجات الحرارية البحرية”. كشف تشونغ في بحثه الخاص سابقاً عن الطريقة التي سيؤثر من خلالها كل من ارتفاع درجات الحرارة والموجات الحرارية البحرية على مجتمعات الأسماك في شمال شرق المحيط الهادئ.

يقول: “عادة، يمكن أن تستعيد مجتمعات الأسماك توازنها بعد انتهاء الموجة الحرارية”. لكن مع زيادة تكرار حدوث الموجات الحرارية، ستجد مجتمعات الأسماك صعوبة في استعادة نشاطها.

اقرأ أيضاً: درجات الحرارة القياسية المسجلة في القارة القطبية الجنوبية تنذر بالخطر

من المستبعد مرور هذه التغيرات دون إحداث تأثيرات ملحوظة على النظم البيئية. تقول كاسيل: “إن المنطقة الساحلية هي المكان الذي يتفاعل فيه البشر بصورة أكبر مع المحيط، فهي المكان الذي يحتضن أكبر تنوع بيولوجي في البحر، كما إنها مصدر رئيسي للإنتاجية البحرية، وبالتالي، فإن التغيرات التي تحدث في النظم البيئية على السواحل يمكن أن تؤثر على حياتنا اليومية”.