مميتة للإنسان ومهددة للبيئة: ما هي القبة الحرارية التي تُخيّم على بعض البلدان العربية؟

مميتة للإنسان ومهددة للبيئة: ما هي القبة الحرارية التي تُخيّم على بعض البلدان العربية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Lamyai
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بعد إعلانها شهر يونيو/ حزيران الأكثر سخونة على الإطلاق، حذّرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (World Meteorological Organization) من استمرار الموجة الحرارية لشهر يوليو/ تموز.

سجّل الأسبوع الأول من يوليو درجات حرارة غير مسبوقة في معظم بلدان العالم، حيث كان متوسط درجة الحرارة العالمية في 7 يوليو/ تموز (17.24) درجة مئوية، وهو أعلى بنحو (0.3) درجة مئوية من الرقم القياسي البالغ (16.94) درجة مئوية والمسجل في 16 أغسطس/ آب عام 2016.

وفقاً لمجلة العلوم الأميركية (Scientific American)، فإن هذه الموجة الحرارية هي واحدة من العديد من موجات الحر القاتلة التي ضربت عدة مواقع حول العالم؛ من الصين إلى الولايات المتحدة الأميركية، وتُعرف بالقبة الحرارية. فما هذه الظاهرة وما تأثيرها على صحة الإنسان والبيئة؟

ما هي القبة الحرارية؟ وكيف تسهم في ارتفاع درجات الحرارة؟

القبة الحرارية هي ارتفاع متطرف في درجات الحرارة لتتجاوز معدلاتها في منطقة معينة ولفترة من الزمن، وكفيلة بتشكيل خطر على صحة الإنسان والبيئة، ولكن كيف تتشكل؟

عندما يرتفع الضغط الجوي في طبقات الغلاف الجوي العليا، يعمل كغطاء يحبس أسفله كتلة هوائية ساخنة، ويدفعها نحو سطح الأرض حيث تصبح أكثر حرارة أثناء هبوطها، ويمنع ارتدادها. وغالباً ما ترتبط أنظمة الضغط العالي مع السماء الصافية، لأن الهواء الغاطس يقلل الرطوبة ويمنع تكوّن السحب. تسمح السماء الصافية بتدفق الكثير من ضوء الشمس إلى سطح الأرض، ما يسهم في ارتفاع درجات الحرارة.

تحدث القبة الحرارية عادةً بتأثير ما يُعرف بـ “التيار النافث”، وهو عبارة عن مجموعة من الرياح السريعة في طبقات الغلاف الجوي العليا والتي تتحرك من الغرب إلى الشرق بشكلٍ متعرج ما بين الشمال والجنوب. كلّما ازداد حجم التعرّج تباطأت الرياح حتى تصبح راكدة، عندها تتشكل قبة من الضغط الجوي العالي وتحبس أسفلها حرارة مرتفعة.

من أسوأ موجات القبة الحرارية التي حدثت في العقود الماضية، هي القبة الحرارية التي حدثت في صيف عام 1995 في شيكاغو بالولايات المتحدة الأميركية، حيث توفي على إثرها نحو 739 شخصاً على مدار 5 أيام.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثّر التغير المناخي في معدل انتشار الجفاف؟

الآثار الصحية للقبة الحرارية

يسبب نمط الطقس الراكد في القبة الحرارية ضعف حركة الرياح وزيادة الرطوبة، ما يؤثّر سلباً في صحة الإنسان، لأن جسمه لا يتمكن من تبريد نفسه بالقدر ذاته عن طريق التعرق، كما أن الرطوبة العالية تعوق انخفاض درجات الحرارة ليلاً ما يتسبب في ليالٍ دافئة، وزيادة خطر ارتفاع الحرارة والوفيات.

تسبب الحرارة إصابة الجسم بالجفاف والإرهاق الحراري، وفي حالات قصوى ضربة الشمس، بالإضافة إلى ارتفاع خطر الإصابة بحالات مرتبطة بارتفاع الحرارة بشكلٍ غير مباشر، مثل مشكلات الكلى والتهابات الجلد، والولادة المبكرة بين النساء الحوامل.

وتكون الفئات الضعيفة مثل الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل وأولئك الذين يعانون من ظروف صحية موجودة مسبقاً معرضة للخطر بشكلٍ خاص.

وفي دراسة نُشرت في دورية علوم البيئة الكلية (Science of The Total Environment)، ارتبطت الحرارة بارتفاع مخاطر نوبات القلق واضطرابات المزاج والفصام والخرف.

كما ربطت دراسة أخرى نُشرت في دورية طبيعة سلوك الإنسان (Nature Human Behavior)، درجات الحرارة العالية بتدني الأداء في الاختبارات المعيارية وزيادة أخطاء التحكم والإصابات المهنية.

اقرأ أيضاً: موجات الحر التي تشهدها بلدان آسيا تؤثر سلباً على صحة السكان

الآثار البيئية للقبة الحرارية

لا تؤثر الحرارة المستقرة بالقرب من سطح الأرض في القبة الحرارية في صحة الإنسان فقط، بل أيضاً على النبات والحيوان. تفقد منطقة القبة الحرارية تنوعها الحراري بتأثير الإجهاد الحراري الذي تتعرض له نباتات وحيوانات المنطقة أو حتى بتأثير ما قد يُصيب المنطقة من حرائق.

كيف تتأثر النباتات بالقبة الحرارية؟

تفقد النباتات الماء بعملية النتح من الأوراق، إلّا أنها تضطر لإغلاق الثغور في موجات الحر كاستجابة للإجهاد الحراري حتى لو كانت التربة وفيرة بالماء، لذا قد تلجأ عدة نباتات إلى سحب الماء من ثمارها، وفقدان أوراقها بتأثير الحروق، وقد تموت النباتات الصغيرة غير القادرة على التكيُّف مع درجات الحرارة العالية. بمعنى آخر، نفقد أساس إنتاج الطاقة والسلسلة الغذائية في منطقة القبة الحرارية. بالإضافة إلى ذلك، تتحول المسطحات النباتية من بالوعة للكربون إلى مصادر له، أي ما تُطلقه من ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي أكثر مما يُمتص.

كيف تتأثر الحيوانات بالقبة الحرارية؟

تموت الكائنات والحيوانات البحرية بتأثير القبة الحرارية، وبشكلٍ خاص عندما تتزامن الحرارة مع حركة الجزر في مياه البحار والمحيطات.

في القبة الحرارية التي تمركزت فوق المحيط الهادئ شمال غرب الولايات المتحدة في أواخر يونيو/ حزيران عام 2021، تسببت حركة الجزر في تعرض الكائنات البحرية على الشواطئ للحرارة المرتفعة، ما أدّى إلى نفوق ملايين الحيوانات البحرية، مثل البطلينوس والمحار وبلح البحر والقواقع، وابيضاض أعشاب البحر.

بفقدان هذا التنوع الحيوي فقدت معه تلك الشواطئ والنُظم البيئية الخدمات البيئية التي تقدّمها تلك الكائنات؛ مثل تصفية المياه وبناء مواطن لأنواع بحرية أخرى، وتوفير الغذاء لمستويات أعلى في السلسلة الغذائية، مثل الطيور والفقمة والسرطانات والبشر.

اقرأ أيضاً: كيف يتأثر سكان السواحل بارتفاع درجة حرارة المحيطات؟

كيف نستعد للقبة والموجات الحرارية؟

يمكن اتخاذ مجموعة من الإجراءات لحماية الصحة العامة من مخاطر درجات الحرارة المرتفعة، مثل:

استعدادات للقبة والموجات الحرارية على المدى القصير

  • تجنب الخروج والبقاء في الداخل قدر المستطاع.
  • فتح النوافذ في الصباح الباكر للسماح بدخول هواء بارد ومعتدل، ثم إغلاقها في فترات الظهيرة وما بعدها. قد يساعد تبريد المنزل طبيعياً على تقليل الضغط على الشبكة الكهربائية.
  • استخدام الواقي الشمسي بدرجة حماية لا تقل عن 30 SPF.
  • استخدام النظارات الشمسية وحمل مظلة.
  • البقاء في الظل قدر الإمكان.
  • شرب الكثير من الماء البارد.

استعدادات للقبة والموجات الحرارية على المدى الطويل

يتم ذلك عن طريق زراعة الأشجار وإنشاء المظلات، إذ يساعد الغطاء النباتي على خفض درجات الحرارة بما لا يقل عن 10 درجات مئوية مقارنة بالمدن التي لا تحتوي على غطاء نباتي.

وتعمل الأشجار كمظلات تحجب أشعة الشمس، كما تقلل من درجة الحرارة من خلال فقدانها الماء بعملية النتح والتمثيل الغذائي.

اقرأ أيضاً: ربما علينا الانتباه لتصميم المدن للتخفيف من تأثير موجات الحر

القبة الحرارية التي تجتاح الدول العربية هي تذكير صارخ بالحاجة الملحة للعمل المناخي. فمع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، من الضروري للأفراد والحكومات والمنظمات الدولية إعطاء الأولوية لتدابير التكيُّف مع درجات الحرارة، والعمل في الوقت ذاته على التخفيف من حدة التغيّر المناخي.