القصة الكاملة لأول نفس أكسجين تستنشقه الأرض

4 دقائق
حدث الأكسجة العظيمة
حقوق الصورة: ديبوزيت فوتوز؟

الغلاف الجوي للأرض لم يكن دائماً كما هو عليه اليوم. لم يكن الأوكسجين، الذي هو غاز ضروري بالنسبة لنا، موجوداً دائماً. في الواقع، ربما كان الغلاف الجوي لكوكبنا يشبه كثيراً الغلاف الجوي السام لكوكب الزهرة خلال معظم النصف الأول من تاريخ الأرض، ولا يحتوي إلا على آثار منخفضة التركيز من الأوكسجين.

تغيّر كل ذلك بفعل حدث واحد وقع منذ نحو 2.3 مليار سنة. يعتقد العلماء أن شعبةً من الأحياء الدقيقة تدعى "البكتيريا الزرقاء" بدأت بضخ الأوكسجين عن طريق عملية التركيب الضوئي، مغيّرة الأرض بشكل جذري. يدعى هذا الحدث "حدث الأكسجة العظيمة".

تقول "سارا سلوتزنِك"، خبيرة في علوم الأرض في جامعة "دارتموث" إن هذا الحدث "مثّل تحولاً مناخياً وبيئياً هائلاً في تاريخ الأرض"، وكان "أكبر تغير مرّت به الأرض".

لكن هناك العديد من الأسئلة التي لا يوجد إجابة عنها حول هذا الحدث، والآن، قلب بحث جديد أجرته سلوتزنك وزملاؤها عن طريق دراسة الصخور القديمة بعضاً من الافتراضات السابقة التي أجراها العلماء حول طبيعة هذا الحدث رأساً على عقب. افترض الباحثون أن حدث الأكسجة الكبير سبقته عدة ارتفاعات في نسب الأوكسجين المبكّر، لكن الدراسة الجديدة تبين أنه وقع مرة واحدة. نشر الباحثون نتائجهم في دورية "تقدّمات علمية" في 5 يناير/كانون الثاني 2022.

البحث عن الصخور

إن تحديد عمر الصخور القديمة، والتي اتضح أنها أقدم من أقدم الديناصورات، وتعود لفترة تدعى "العصر السحيق"، ليس أمراً سهلاً. لم تظهر النباتات والحيوانات الأولى إلا بعد مليار سنة من هذا الوقت. لم تكن معظم القارات متشكّلة بعد، وكان شكل تلك التي تشكّلت مختلفاً للغاية.

تتطلب دراسة هذه الفترة من الزمن البحث عن أدلة بالغة القدم في الصخور. مثلاً، إذا كان غاز الأوكسجين موجوداً في تلك الفترة، فكان سيتفاعل مع بعض المواد الموجودة في الصخور، تاركاً بعض الآثار التي يستطيع علماء الجيولوجيا إيجادها، أو إذا كانت الصخور موجودة تحت المحيطات، ستتفاعل الغازات في الغلاف الجوي مع بعض المواد الموجودة في البحار، وستغرق نتائج هذه التفاعلات إلى قاع البحار وتبقى هناك.

مع وجود الأوكسجين، سيتحول الحديد الموجود في الصخور إلى أكسيد الحديد، والذي ندعوه الصدأ. تُحدث الغازات الأخرى، مثل الموليبدينوم والرينيوم والكبريت، تغيرات على الصخور أيضاً، إلا أن العلماء ليسوا متأكدين بعد من أسباب هذه التفاعلات.

يقول "ديفيد جونستون"، خبير في علوم الأرض في جامعة هارفارد، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة: "يُظهر السجل الجيولوجي فقط مقتطفات من تاريخ الأرض، ويضيف: "كلما عدنا بالزمن إلى الوراء أكثر، يصبح السجل منقوصاً أكثر".

مع ذلك، إذا بحث العلماء في مواقع معينة، يمكنهم إيجاد الصخور في أقدم الأجزاء من القارات، وهي صخور قديمة بما يكفي لتبيّن معلومات عن تاريخ الأرض. بحلول الألفية الثانية، كانت الدلائل التي وجدها العلماء تشير إلى بداية واضحة لحدث الأكسجة العظيمة: قبل نحو 2.3 مليار سنة.

كان الموقع المناسب لدراسة الصخور بالنسبة للعلماء الذين أجروا الدراسة الجديدة هو منطقة "بِلبارا" التي تقع شمال غرب أستراليا. من المحتمل أن تكون صخور تلك المنطقة احتفظت بأقدم الدلائل على وجود الحياة على الأرض، وهي أحافير صغيرة تعود إلى 3.5 مليار سنة.

دراسة الصخور

قام العلماء في بحث مدعوم من وكالة ناسا في عام 2004 بقص أنبوب (يُعرف باسم "نواة الحفر") من صخور "الطّفَل الصفحي" (وهي صخور رسوبية ناعمة متدرجة بدقة تتكون من الوحل أو الطين المتصلب ويمكن تقسيمها بسهولة إلى ألواح هشة) من جبل "مكريه"، وهي منطقة محفوظة بشكل خاص من بلبارا. تقول سلوتزنك: "نستخدم مصطلح 'محفوظ' بشكل مشابه عندما نتحدث عن النصوص القديمة المحفوظة". ما تحتويه هذه المنطقة من آثار قديمة لم يُمحَ بسبب الحرارة، والمواد الموجودة فيها لم تُسحق بسبب الجبال الصاعدة.

يقول جونستون إن هذا الطّفل الصفحي هو "الشكل المناسب" من الصخور التي يمكن دراستها لكشف معلومات عن المحيط الذي كانت توجد في قاعه.

بعد سحب هذا الأنبوب من الأرض، قام العلماء بتمشيطه كلياً لرؤية الصخور في مختلف المراحل من التاريخ. أعلن علماء درسوا الكبريت والموليبدينوم والرينويم في عام 2007 أنهم وجدوا دلائلاً تبين وجود الأوكسجين في هذه العينة، والتي تعود إلى ما قبل حدث الأكسجة العظيمة بكثير.

على الرغم من أن فكرة حدث الأكسجة العظيمة كانت موجودة لعقود آنذاك، إلا أن فكرة وجود الأكسجين في الغلاف الجوي قبله جديدة، وأشارت إلى أن هذا الحدث كان موزّعاً على عدة مراحل، ولكن ربما سبقته "نفحات" من الأوكسجين وجدت قبله بأكثر 50 مليون سنة.

تبنّى المجتمع العلمي في السنوات التي تلت ذلك هذه الفكرة. تقول سلوتزنك: "بدأت تُدرّس هذه الفكرة في الفصول التمهيدية لعلوم الأرض".

إعادة دراسة الصخور

في العقد والنصف الماضيين، كانت عينة جبل مكريه موضوعاً لأكثر من نصف دزينة من الأوراق البحثية المختلفة. نظر الكثير من الباحثين في تغير نسب عناصر أخرى، مثل السيلينيوم، أو المعادن الثقيلة مثل الأوزميوم والزئبق. لكن كانت الحقائق الكيميائية الكامنة وراء ما كان يراه الباحثون غالباً غير مفهومة جيداً، ولم يكن العلماء متأكدين تماماً مما تعنيه نسب الغازات.

قررت سلوتزنك وزملاؤها إعادة دراسة العينة للإجابة عن بعض الأسئلة. استخلص الباحثون عينتهم الخاصة من الأنبوب وأجروا عدداً من الاختبارات، ومنها فحص العينة باستخدام "المسرع الدوراني التزامني" أو  (السنكروترون)، وهو جهاز يعتمد على مصدر ضوء شديد السطوع، وخاصة الأشعة السينية.

ما وجدوه كان أدلة جديدةً تتناقض مباشرةً مع فرضية نفحات الأوكسجين السابقة لحدث الأكسجة العظيمة. تبيّن أن بعض الأحداث غير المرتبطة بحدث الأكسجة العظيمة هي المسؤولة عن تشكّل الآثار التي فسّرتها الدراسات السابقة بوجود الأوكسجين قبل حدث الأكسجة العظيمة. على سبيل المثال، تعتقد سلوتزنك وزملاؤها أن مصدر الموليبدينوم، والذي كان حاسماً في فرضية النفحات، هو في الواقع البراكين.

يقول جونستون: "يمثل هذا بالتأكيد تحدياً هائلاً للمحاججات المتعلقة بنفحات الأوكسجين داخل عينة جبل مكريه"، ويضيف: "كما أنه يمثل نهجاً رائعاً لكيفية اختبار هذه الفرضيات في المستقبل".

ستفيد هذه الدراسة أيضاً في إعادة تفسير الكثير من البيانات الأخرى التي وجدت في هذه العينة خلال السنوات القليلة الماضية.

بالنسبة لسلوتزنك، فهي تخطط للبحث في هذه الفترة القديمة من تاريخ الأرض عن طريق دراسة عينات أخرى من منطقة أخرى قديمة بشكل خاص من الأرض: جنوب إفريقيا.

تقول سلوتزنك: "أعتقد أن هذه الفترة الزمنية مدهشة"، وتضيف: "هناك الكثير من المعلومات التي يمكننا تعلّمها من هذه الفترة، خاصة إذا كنا نحاول فهم سبب حدث الأكسجة العظيمة، وهذا هو السؤال الأهم".

المحتوى محمي