أثناء التحضير للحرب العالمية في أربعينات القرن الماضي، سحقت دبابات الجيش الأمريكي بسلاسلها الصحراء البرية لجنوب كاليفورنيا، تاركة آثارها التي ستبقى لآلاف السنين. وقد قام جيفري لوفيتش عالم البيئة الذي يعمل باحثاً مع الماسح الجيولوجي الأمريكي بعمل جولات في هذه المناطق الصحراوية القاسية لعقود من الزمن، وكان أحياناً يمر بمواضع آثار الدبابات التي يقول عنها : "هذه عواقب التاريخ".
وبعد أكثر من سبعين سنة، تخضع صحراء موجافي وصحراء سونوران لجولة تاريخية جديدة، تتمثل في الامتداد الواسع للمزارع الشمسية ومزارع الرياح. ولم يكن لوفيتش قبل عشر سنوات يرى أن ثورة الطاقة المتجددة قادمة. وقد وصل إلى مكتبه في فلاغستاف بأريزونا تقرير ضخم يتحدث بالتفصيل عن تأثيرات المزارع الشمسية في ست ولايات أمريكية، وقد قال لوفيتش عن هذا التقرير: "لقد كان مفاجأة كبيرة لي". وسرعان ما تبين له كم كانت معلوماته ضئيلة عن تأثير هذه المزارع على البيئة الصحراوية، والمخلوقات التي تعيش فيها. يقول لوفيتش: "لقد صدمتني ندرة المعلومات التي نعرفها حول هذا الشأن".
وحتى يومنا هذا، فإن فهمنا لتأثيرات الطاقة المتجددة ما يزال قاصراً بصورة محزنة". ولكن دراسة جديدة نشرت في أبريل 2017 في مجلة إدارة الحياة البرية Wildlife management، أشارت إلى أن مزارع الرياح توثر في سلوكيات الصيد وجمع الفضلات عند ثعلب الصحراء، والقيوط، والوشق الأحمر. وقد قام العلماء بزيارة واحدة من مزارع الرياح قرب بالم سبرينغز بكاليفورنيا، حيث توجد 460 عنفة رياح، وقاموا بنصب كاميرات مراقبة من النوع النشط للحركة أمام 46 جحراً لسلاحف الصحراء. ووجدوا أن الحيوانات القارتة (وهي الحيوانات التي تأكل اللحوم، ولكنها تتغذى أحياناً على الفطور والنباتات) كالثعلب والوشق الأحمر، كانت تتردد على جحور السلاحف البعيدة عن ضجيج العنفات.
ويشرح لوفيتش المشارك في هذه الدراسة أن هذا النوع من الأبحاث يسعى إلى تعزيز فهم كيفية تأثير العنفات على الحياة البرية، بحيث تصمَّم مزارع المستقبل بطريقة تحد من هذا التأثير. يقول لوفيتش: "هذا البحث هو محاولة لإيجاد طرق للحد من التأثيرات السلبية للطاقة المتجددة، وتعزيز تأثيراتها الإيجابية على المجتمع".
عند قيادة السيارة على الطريق السريع بين لوس أنجلوس ولاس فيغاس، سيظهر لك أن الصحراء البنية الباهتة قد ماتت، وأن الحياة البرية المحدودة تتعرض لمخاطر وجود عنفات الرياح والألواح الشمسية. ولكن بعد قليل عند الاستراحة I-15، حاول أن تمشي ثلاثة أمتار باتجاه منطقة موهافي، وستجد أسراباً أرضية من الحشرات، وسحالي تتظاهر بالموت على الصخور، وطيوراً تحلق حول الشجيرات ونباتات الصبار. وإذا أتيت ليلاً، ستجد المكان وقد غزته الخفافيش التي تطارد الفراشات الضخمة.
خلال فترة خمسة أشهر ونصف، حددت الكاميرات التي ثبتها فريق البحث حوالي 5000 حالة تتعلق بالحياة البرية خارح جحور السلاحف. فقد استخدمت حيوانات كثيرة مثل السحالي والقوارض والأفاعي، البيوت التي حفرتها السلاحف تحت الأرض، حيث أثارت ثقوبها البارزة انتباه الثعالب وحيوانات القيوط الجائعة. وبعد عرض آلاف الصور، رجّح لوفيتش وفريقه أن هذه الحيوانات تزور الجحور الأكثر بعداً عن العنفات أكثر من الجحور الأكثر قرباً منها، وأشاروا إلى أن الضجيج والاهتزاز الناتجين عن هذه العنفات دفعا الحيوانات إلى البحث عن مناطق أكثر هدوءاً من مزارع الرياح.
وبالرغم من أهمية هذه الدراسة، فإن الباحثين ما زالوا غير مدركين تماماً لكيفية تأثير مزارع الرياح على الحياة البرية. يقول لوفيتش: "هناك نقص عام في المعلومات العلمية حول تأثيرات التطور في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، خاصة فيما يتعلق بالمخلوقات التي لا تطير". ولذلك، ومع تزايد انتشار مزارع الرياح على مساحات واسعة من صحراء موهافي، أو الأراضي الزراعية في ولايتي تكساس وتينيسي، يريد العلماء أن يعرفوا أي نوع من التصميمات هو الأفضل للحد من الأثار السلبية على الحياة البرية. يقول لوفيتش: "هذا هو الوقت المثالي لتدخّل العلماء، فالطاقة المتجددة في مرحلة الانفجار".
أما بالنسبة لتحسين تصميم مزارع الرياح، فقد لمحت دراسة جحور السلاحف إلى أن تجنب المخلوقات البرية للعنفات يستدعي - بحسب لوفيتش- إبعاد مهندسي مزارع الرياح للعنفات عن مصادر الحياة البرية. وهذا يعني تقليل عدد العنفات على الأرض. ويمكن تعويض الطاقة المفقودة باستخدام عنفات ذات قدرات أكبر. ويصف لوفيتش هذه الخطوة بالقول: "الحد من الآثار السلبية دائماً هو الأفضل".
وعلى الرغم من أن لمزارع الرياح -كغيرها من أشكال إنتاج الطاقة- عيوباً كامنة، كالضجيج والإصابات الجسدية للطيور، فقد شهدت طاقة الرياح نمواً غير مسبوق خلال العقد الأخير. فهي طاقة ذات مصادر محلية بنسبة 100%، ولا تتطلب أي مياه لتشغيلها، ويمكن بناؤها داخل المزرعة نفسها، ولا تسبب أي تلوث. وعلاوة على ذلك، فإن طاقة الرياح توفر فرص العمل. ففي عام 2016 وفرت هذه الصناعة وظائف لحوالي 110 آلاف عامل، وذلك بحسب التقرير السنوي للطاقة والتوظيف في الولايات المتحدة لعام 2017. ومع حلول عام 2050، تتوقع إدارة التوظيف الأمريكية أن هذه الصناعة ستوفر أكثر من نصف مليون فرصة عمل.
ويرجح أن تصبح طاقة الرياح أرخص بصورة متزايدة، وفي المجتمع الرأسمالي تكون الغلبة دائماً للمال. ومع ازدياد عنفات الرياح في الصحراء الأمريكية، يريد العلماء مثل لوفيتش من الشركات أن تنشئ المزارع الأكثر نجاحاً والأقل تأثيراً على جميع العناصر المعنية بهذا التأثير، بما فيها تلك التي لا نستطيع رؤيتها على الطريق السريع.