هل تكفي إضافة المزيد من المساحات الخضراء للمدن لمواجهة التغير المناخي؟

4 دقائق
هل تكفي إضافة المزيد من المساحات الخضراء لمواجهة التغير المناخي؟
ليست كل المتنزهات ومناخات المدن متشابهة، ولا يمكن أن تكون المساحات الخضراء ذات حجمٍ واحد يناسب الجميع. حقوق الصورة: بيكسلز.

لجعل عالمنا أكثر اخضراراً قليلاً، قد يكون علينا أحياناً إضافة المساحات الخضراء فقط. وذلك صحيح بشكل خاص في المدن، حيث يوجد وعي متزايد بأن إضافة مساحات خضراء أمر بالغ الأهمية لتوفير أماكن صحية ومستدامة للعيش.

تقول ديان باتاكي، مديرة كلية الاستدامة في جامعة ولاية أريزونا: «هناك اهتمام كبير الآن بالطبيعة والمدن. في الواقع، لدينا علاقة عاطفية وروحية مع الطبيعة، لذلك نشعر أن الانفصال عن الطبيعة ليس في صالحنا».

على الرغم من الفوائد الكثيرة المحتملة لإنشاء المزيد من المساحات الخضراء في المناطق المكتظة بالسكان، إلا أنه لا يتم إنشاء جميع المتنزهات الحضرية والغابات على قدم المساواة. في الواقع، لقد كان لبعض هذه المشاريع أثر سلبي على الأشخاص الذين كان من المفترض أن يستفيدوا منها. 

يجب أن تكون المساحة الخضراء الصحية والمرنة بحجم جيد وملائمة لمناخ المنطقة التي تُنشأ فيها. يعتبر تكوين النباتات والحيوانات مهماً في هذه المساحات أيضاً، وكذلك تصميمها والغاية من إنشائها. إذا كان التخطيط لها جيداً، يمكن للمساحات الخضراء الحضرية أن تتصدى لتغير المناخ والتدهور البيئي. لكن المشكلة عادة ما تكون في التخطيط.

فوائد المساحات الخضراء الحضرية

للمساحات الخضراء الحضرية، والتي يمكن أن تشمل الحدائق العشبية والمناطق الساحلية وحتى الحدائق الخاصة، عدداً من الفوائد المفترضة للناس وللكوكب على حد سواء. بالنسبة لصحة الإنسان، يمكن أن يؤدي العيش حول مساحات خضراء أكثر إلى تحسين وظيفة الجهاز المناعي وزيادة النشاط البدني وتقليل الضوضاء وتلوث الهواء وتعزيز الصحة العقلية على سبيل المثال لا الحصر. وتظهر بعض الأبحاث في هذا الصدد أنه عندما تكون المساحات الخضراء المحلية متنوعة حيوياً، فيمكنها تعظيم الفوائد النفسية بشكل أكبر. وفي إحدى الدراسات، تبين أن "الممرات الخضراء"، والتي تسمح للنباتات والحيوانات بالعيش بحرية عبر مدينة جينان بالصين، ساعدت في الحفاظ على التنوع الحيوي بين ملايين السكان.

اقرأ أيضا: ما هي العوامل المؤثرة في مناخ الوطن العربي؟

من منظور تغير المناخ، تساعد هذه الأسطح في التخفيف من تأثير جزيرة الحرارة الحضرية، والذي يحدث عندما تمتص الأسطح السميكة غير النفوذة، مثل الأرصفة وواجهات المباني، الحرارة وتحتفظ بها. فمع تغير المناخ والاحترار المستمر، يمكن أن يؤدي تأثير جزيرة الحرارة الحضرية إلى جعل المدن أمكنة لا يُطاق العيش فيها، ما يرفع تكاليف الطاقة مع ارتفاع حرارة الصيف لفترة أطول. 

تساعد المساحات الخضراء الحضرية في حل هذه المشكلة من خلال توفير الظل وإزالة الحرارة من الهواء من خلال عملية تسمى التبخر. عندما يتبخر الماء من أوراق الأشجار والنباتات، فإنه يبردها بنفس الطريقة التي يبرد بها العرق البشر. لقد ركزت المشاريع في جميع أنحاء البلاد وحول العالم على زراعة المزيد من الأشجار للتحكم في درجات الحرارة، مع نسبة نجاحٍ متفاوتة فيما بينها. لم تتمكن فينيكس، على سبيل المثال، من تحقيق أهدافها المتعلقة بزراعة الأشجار، بينما تنفد المساحات المناسبة لزراعة المزيد من الأشجار في واشنطن.

نظراً لأن الفيضانات أصبحت تهديداً منتظماً في المدن الأميركية، يمكن للمساحات الخضراء الحضرية أيضاً أن تخفف بعض الضغط فيما يتعلق بإدارة مياه الأمطار. عندما تتدفق مياه الأمطار عبر أحد الأحياء، تتجمع المعادن الثقيلة والقمامة والبكتيريا حول مصادر مياه الشرب وتلوثها. بالمقابل، يمكن للبنية التحتية الخضراء أن تصفي وتمتص مياه الأمطار حيث تسقط، وفقاً لما ورد على موقع وكالة حماية البيئة على الإنترنت. لقد شوهد هذا التأثير الهائل في المراكز الحضرية مثل بكين في الصين، حيث وجدت ورقة بحثية في عام 2012 أن الجريان السطحي المحتمل لكل هكتار من المساحات الخضراء قد انخفض بما يقرب من 700 ألف جالون، ما وفر على الاقتصاد المحلي تكلفة نحو 211 مليون دولار، وهذا في حد ذاته يغطي جزءاً كبيراً من تكاليف تنسيق المساحات الخضراء وصيانتها.

اقرأ أيضا: هل الغاز الطبيعي طاقة متجددة؟

ما الذي يجعل المساحات الخضراء الحضرية فعالة؟

المساحات الخضراء مهمة، وهذا لا يمكن إنكاره. ولكن هل يمكن لزراعة عدد قليل من الأشجار حماية مجتمعات بأكملها من الجزر الحرارية وتلوث مياه الأمطار؟

ليس في نفس الوقت على الأقل.

في بحث جديد نُشر في الشهر الأول من عام 2022 في دورية «نيتشر»، درس مارك كوثبرت، زميل أبحاث العلوم البيئية بجامعة كارديف، 175 مساحةً خضراء على مدار 15 عاماً، ووجد أنه، وحسب مناخ المنطقة، قد لا تكون المساحات الخضراء الحضرية قادرة على الحد من ارتفاع درجات الحرارة وفيضان مياه الأمطار الغزيرة.

يقول كوثبرت: «لقد وجدنا أن التخضير الحضري يعمل بشكل أفضل لتقليل الجريان السطحي في البيئات الأكثر جفافاً ومحدودة المياه، بينما في المناخات الأكثر رطوبة ومحدودة الطاقة، من المرجح أن تكون فائدة المساحات الخضراء أكبر في التبريد.  بسبب هذه العلاقة العكسية بين العائد الحراري أو الهيدرولوجي للتخضير على المناخ، لا يمكن لاستراتيجيات التخضير الحضرية الشائعة أن تنتج عوائد عالية في نفس الوقت في معظم المدن على مستوى العالم».

بطريقة ما، تعتمد فائدة المساحات الخضراء إلى حد كبير على بيئتها. على سبيل المثال، يشرح كوثبرت أن الأسطح الخضراء في بعض المناخات الممطرة قد تفسد إمدادات المياه إذا تسربت المواد التي تحتويها (خاصة الفوسفور) إلى البيئة. 

وفي الوقت نفسه، فإن المتنزهات حالة منفصلة؛ فحجمها وتكوينها يصنعان فرقاً كبيراً. إذ تختلف خدمات النظام البيئي التي تقدمها مثل عزل الكربون، وانتشار البذور، والتحكم في التعرية، وتنقية المياه والهواء، وتحسين جودة الموائل بناءً على ما تتم زراعته فيها. في إحدى الدراسات التي نُشرت في دورية «إنفايرومنتال ريسرتش»، وجد علماء البيئة أن الحدائق التي تتمتع بخصائص الغابات المختلطة تقدم فائدةً أكبر للنظام البيئي، خصوصاً فيما يتعلق بجودة الهواء. ومع ذلك، فإن البيئات ذات النمط العشبي أفضل من ناحية توزيع البذور. 

غطاء الشجرة هو مقياس آخر يجب مراعاته. يمكن للمظلة الشجرية الأكثر كثافة عزل المزيد من الكربون، ما يؤدي في النهاية إلى خفض مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. غالباً ما تكون الأشجار الأصلية هي الخيار الأفضل لزراعتها في المساحات الخضراء لأنها تمتص الكربون جيداً وتغذي التربة وتوفر مأوىً مناسب للعديد من أشكال الحياة البرية. ولكن في أماكن مثل فينيكس، مسقط رأس باتاكي، حيث لا توجد الكثير من الأشجار المحلية المزروعة، قد يضطر مخططو المدن إلى استيراد أنواع أخرى تمنح الظل. ولكن قبل أن يفعلوا ذلك، يجب عليهم التفكير في المزيج الصحيح من الأنواع، وأنظمة الري الفعالة، وما إذا كان السكان المحليون سيتقبلون النباتات الجديدة. تقول باتاكي: «هناك الكثير من الأسئلة حول كيفية تصميم الطبيعة في المدن، لأن محاكاة الطبيعة ببساطة ربما لا تكون كافية». 

من جانبه، يقول كريس هاسال، الأستاذ المساعد في علم الأحياء بجامعة ليدز: «يجب على المخططين الحضريين أن لا يقتروا بالإنفاق عندما يتعلق الأمر بإنشاء مساحات خضراء جديدة». في حين أن بقعة الظل قد تقي الناس من الحر عند انتظار الحافلة، تحتاج المدن إلى بذل المزيد من الجهد لتحقيق أقصى استفادة من الإمكانات. يقول هاسال في هذا الصدد: «يجب أن تكون المساحات الخضراء هكتاراً فأكثر، حتى يكون لها التأثير البيئي المرجو، فحدائق الجيب والحدائق الصغيرة عموماً ليست سوى جزءٍ بسيط مما يُفترض بهم أن ينجزوه».

ويضيف هاسال: «بشكل عام، فإن للمساحات الخضراء الجديدة القدرة على تحفيز الناس، لكن إصلاح المناخ يتطلب أكثر من مجرد زراعة بضع أشجار أو بناء حديقة صغيرة جديدة في الحي».

وتقول كوثبرت أخيراً: «التحديات البيئية التي تواجهها المدن معقدة، لذا فإن أسلوبنا في حلها يحتاج أيضاً إلى أن يكون دقيقاً. تخضير المناطق الحضرية ليس علاجاً شاملاً أو حلاً لجميع المشاكل».

اقرأ أيضا: دراسة: التغير المناخي يزيد من القوة المدمرة للأعاصير

المحتوى محمي