قد تكون تعرّضت لهذا السؤال عدّة مرّات عند شراء حاجياتك من متجر البقالة: هل تريد كيساً من الورق أم البلاستيك؟ نحن نعلم أن المواد البلاستيكية مسؤولة عن العديد من المشاكل على كوكبنا؛ لكن المنتجات الورقية لديها مشاكل تؤثّر على البيئة أيضاً.
لقد أصبحت صناعة الورق خلال العقود الماضية مستدامة أكثر، ويُتوقّع أن تتحسّن كثيراً في المستقبل، ففي بعض الحالات؛ لم تعد صناعة المنتجات الورقية التقليدية -مثل علب الكرتون والمناديل الورقية- تعتمد على الأشجار كمصدرٍ للمادة الخام؛ حيث تتم صناعة المنتجات الورقية عموماً من الألياف البِكر، أو الألياف المُعادِ تدويرها، أو مزيج من كليهما.
تأتي الألياف البكر من الخشب المقطوع حديثاً خصيصاً بهدف صناعة ورقٍ جديد، وتشكّل المخاطر الأكبر على البيئة؛ بينما تأتي الألياف المُعاد تدويرها من المنتجات الورقية القديمة والمُستهلكة، وهي أقل ضرراً للبيئة بشكلٍ كبير مقارنةً مع صناعة الورق من ألياف الأشجار، أو من رمي مخلفات المنتجات الورقية في مكبّات النفايات.
لحسن الحظ؛ ووفقاً للرابطة التجارية الوطنية لصناعة الورق والمنتجات الخشبية؛ تستخدم حوالي 80% من مصانع الورق في الولايات المتحدة بعضاً من الألياف المعاد تدويرها على الأقل لصنع المنتجات الورقية.
إليك ما تحتاج إلى معرفته حول صناعة المنتجات الورقية التي يرجع تاريخها إلى قرون ماضية، وحول أثرها البيئي.
ما هي الأشجار المُستخدمة في صناعة المنتجات الورقية؟
لا تُستخدم الأشجار العادية التي قد تراها في حديقة المنزل أو حتى في الغابة لصناعة الورق، ويقول «غاري سكوت»؛ أستاذ هندسة الورق والمنتجات الحيوية في كلية صاني للعلوم البيئية والغابات: «تُزرع الأشجار التي تُستخدم في صناعة الورق في الواقع كمحصول بحد ذاته»، ويضيف قائلاً: «هناك اعتقاد خاطئ بأن شركات الورق في الولايات المتحدة تقطع الغابات المعمّرة لهذا الغرض؛ لكن معظم شركات الورق -إن لم يكن جميعها- تقطع الأشجار بطريقةٍ مستدامة؛ حتى لا تكون هناك خسارة صافية في أراضي الغابات».
وقد ورد في التقرير السنوي للرابطة «الأميركية للغابات والورق» لعام 2020، أن 99% من أعضائها يحصلون على ألياف الخشب من مورّدين مستدامين ومعتمَدين يقومون باتخاذ إجراءاتٍ تضمن إعادة زراعة الأشجار، وتقليل مخاطر اندلاع حرائق الغابات، وفي هذا الصدد؛ تفرض بعض البلدان -مثل كندا- قوانين صارمةً بهدف استدامة الغابات.
يقول «رونالد غونزاليس»؛ الأستاذ المساعد في «إدارة سلسلة التوريد واقتصاديات التحويل» في جامعة ولاية كارولينا الشمالية: «لا تُؤخذ ألياف الخشب البكر عادةً من الغابات المعمّرة، لأن استغلال الغابات الطبيعية «باهظ التكلفة وغير فعّال» مقارنةً بزراعة أشجارٍ جديدة». تنمو أشجار الصنوبر والتنوب المخصصة لصناعة الورق عادةً في المزارع، وتُحصد بفواصل زمنية متباعدة تصل إلى عقدٍ من الزمن.
وفقاً لخدمة الغابات الأميركية؛ ظلت مساحة أراضي الغابات في الولايات المتحدة مستقرة منذ أوائل القرن العشرين ففي الوقت الحالي؛ تشكّل مساحة الغابات 766 مليون فدان في جميع أنحاء البلاد؛ وهو ما يعادل 33% من إجمالي مساحة الولايات المتحدة؛ بينما لا تشكّل الأشجار التي تُحصد أو تُقطع سوى 2% فقط من أراضي الغابات سنوياً، وبالرغم من بقاء مساحة الغابات على حالها كما تشير خدمة الغابات؛ إلا أن إنشاء طرق إضافية يعني خسارة مساحاتٍ جديدة من الغابات عبر البلاد.
يقول غونزالس: «لا يوجد منتجان متشابهان من حيث مصدر الأشجار المستخدمة لصناعته؛ خصوصاً فيما يتعلّق بالمناديل الورقية»؛ لكن وفقاً لبعض مجموعات الدفاع عن البيئة، فإن صناعة المناديل الورقية سببٌ رئيسي في قطع الأشجار المعمرة، وتحديداً خارج الولايات المتحدة.
في تقرير صدر عام 2020 عن مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية؛ والذي كان بعنوان «مشكلة المناديل الورقية 2.0»، يقول المجلس: أن كبرى الشركات المصنعة للمناديل الورقية تستخدم الأشجار المقطوعة من الغابات الشمالية في كندا؛ مما يساهم في فقدان الغابات السليمة وغير المجزأة، ويشير التقرير إلى أن الشركات غالباً ما تقول إنها تزرع أشجاراً أكثر مما تقطعه، ومع ذلك؛ ووفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية، فإن قطع الغابات القديمة واستبدالها بأشجار جديدة لا يعوّض دائماً فقدان التنوع الحيوي، أو انبعاثات الكربون المرتبطة بإزالة الغابات.
تبقى المناطق المقطوعة قاحلةً لسنواتٍ عديدة، حتى بعد إعادة زراعة أشجارٍ جديدة، وتشكّل هذه الغابات المُجزّأة موطناً أقل جاذبيةً للعديد من الحيوانات؛ مثل الوعل الذي تتناقص أعداده بشدّة. من جانبها؛ قالت جمعية منتجات الغابات الكندية لوكالة رويترز في يونيو/ حزيران الماضي، أن تقرير مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية «يشوّه صناعتنا»، وكتبت على موقعها على الإنترنت أن الغابات الشمالية الكندية تُدار بشكلٍ مستدام.
كيف تُصنع المنتجات الورقية؟
لا يُعتبر قطع الأشجار الأثر الوحيد لصناعة المنتجات الورقية على البيئة، فبعد قطع أخشاب الأشجار إلى قطعٍ صغيرة، تُمزج بمواد كيميائية تعمل على استخلاص مادة «اللجنين» التي تجعل الخشب صلباً، ولتكشف اللبّ الناعم تحتها؛ مما يخلّف مزيجاً سائلاً كيميائياً يُعرف بـ «السائل الأسود»، ويقول سكوت أنه لا يتم التخلّص من هذا السائل الأسود؛ حيث يعالَج في عمليةٍ إضافية تُدعى «عملية الاسترداد».
تحترق المادة العضوية المتبقية في المحلول في غلّاية الاسترداد في البداية؛ حيث يمكن استخدام الطاقة المتولدة عن هذه العملية لتشغيل مصنع الورق.
وفقاً لسكوت؛ تُستخلص المواد الكيميائية المستخدمة في معالجة الخشب من المحلول مجدداً لنستخدمها مرةً أخرى، وبالرغم من وجود طرقٍ أخرى للقيام بهذه العملية بشكلٍ فعّال وأكثر كفاءة؛ إلا أن بعضها مكلفٌ للغاية، وتتسبب بتلوّث البيئة أيضاً.
يتم تبييض اللبّ بمبيض الكلور لجعله ناصع البياض؛ لكن هذه المادة الكيميائية لم تعد مستخدَمة في بعض مصانع الورق، كما حدّت بعض القوانين من استخدامها، نظراً لأنها يمكن أن تضر بالبيئة المائية القريبة.
وفي هذا الصدد؛ يمكن استخدام المبيّض الخالي من الكلور لتبييض اللب كخيارٍ ملائمٌ أكثر للبيئة، كما أن له نفس الفاعلية، ومع ذلك، فإن الطريقة الوحيدة لتضمن شراء ورقٍ لم تُستخدم منتجات الكلور في صناعته، هي البحث عن منتجات الورق التي تحمل علامة «خالٍ من الكلور تماماً»، ويستخدم مصنعوا الورق عادةً حوالي 65 متراً مكعباً من الماء لإنتاج طنٍ واحدٍ من الورق؛ لكن بعض هذه المياه -خصوصاً المستخدمة أثناء مرحلة التبييض- يمكن إعادة استخدامها إذا كان المبيّض لا يحتوي على الكلور.
يقول سكوت: « في حين أصبحت صناعة الورق أكثر استدامةً على مدى العقود القليلة الماضية، فهناك طرق متعددة لتحسينها أكثر» ولحسن الحظ؛ يدرك الناس في الولايات المتحدة أهمية إعادة تدوير المنتجات الورقية.
وفقاً لجمعية الغابات والورق الأميركية؛ بلغ معدل إعادة تدوير الورق لعام 2020 حوالي 66% إجمالاً، وبمعدّل 88% من منتجات الورق المقوّى، ويشير سكوت إلى أن معظم المنتجات الورقية التي لا تُدوّر هي المناديل الورقية المستخدَمة في الحمامات؛ والتي يصعب تدويرها لأسبابٍ واضحة؛ أما الأوراق التي تنتهي في مكبّات النفايات، فتنتج غاز الميثان والكربون أثناء تحللها على غرار المواد العضوية الأخرى.
ما هو مستقبل استدامة صناعة الورق؟
يقول غونزاليس: «يهتم المستهلكون باستدامة المنتجات التي يشترونها حتى المناديل الورقية، وهناك اتجاهٌ جديد مفاده أن المستخدمون يتجهون نحو استخدام الورق البنّي أكثر من الورق الأبيض؛ مما قد يؤدي لتخلّي مصانع الورق عن عملية التبييض بالكلور»، كما يمكن المساهمة في استدامة الورق من خلال شراء منتجات المناديل الورقية المستدامة من المتاجر.
(يوصي مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية بشراء منتجات شركاتٍ مثل «سيفينث جينيريشن، تريدر جوز»؛ حيث أن كلتا الشركتين تستخدمان الألياف المُعاد تدويرها بنسبة 100%).
يضيف غونزاليس: «لقد أجرينا أبحاثاً عديدةً على مدى السنوات السبع الماضية اعتماداً على بياناتٍ حقيقية، ورأينا أن الناس مستعدون بالفعل لشراء المنتجات المستدامة حتى لو كانت أغلى ثمناً».
يشير غونزاليس أنه كان يعمل على بحثٍ من شأنه المساعدة في وضع معايير الاستدامة للمنتجات الورقية؛ وهو الأمر الذي يسهّل على الناس اختيار ما يريدون شرائه.
في الواقع؛ تفتقر المنتجات الورقية المستدامة إلى الملمس الناعم الذي اعتدنا عليه في المناديل الورقية العادية أو المستخدمة في الحمامات؛ لكن غونزالس يقول أن التكنولوجيا في تحسّنٍ دائم، ويضيف: «من الممكن حتى صناعة المناديل الورقية الناعمة للحمامات من نباتاتٍ أخرى غير الأشجار، أو من المخلّفات الزراعية التي عادة ما تذهب إلى مكبّات النفايات؛ مثل مخلفّات صناعة قصب السكر، كما تشكّل مخلفات بعض المحاصيل -مثل البامية والفاصولياء- مادةً أساسيةً أخرى محتمَلة لصنع أنواعٍ أخرى من الورق والكرتون».
قد يؤدي اكتشاف مصادر أخرى لصنع الورق إلى تقليل الاعتماد على الأشجار على المدى الطويل؛ ولكن نظراً لأن استخدامنا للورق قد تضاعف 4 مرّات خلال الخمسين سنة الماضية؛ سنظل بحاجةٍ إلى موارد تُدار بشكلٍ مستدام لضمان حصولنا على منتجاتٍ ورقية مُستدامة.
يقول غونزاليس أخيراً حول إنشاء مصادر جديدة لصناعة الورق: «أعتقد بأنه ينبغي أن تكون لدينا بعض المناطق المخصصة لتنمية الأشجار لتلبية طلب مجتمعاتنا المتزايد على الورق؛ وبذلك نضمن عدم المساس بالغابات والمناطق الطبيعية؛ وبالتالي الحفاظ على بيئة كوكبنا».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً