يتضمن فصل العلوم في المدرسة الثانوية كتباً تحتوي في الغالب على صورة مألوفة تعرض الأرض وطبقاتها، والتي تتألف وفق المعرفة الحالية من القشرة والوشاح الخارجي والداخلي واللب الخارجي والداخلي. لكن نتائج دراسة جديدة أجراها علماء الزلازل في الجامعة الوطنية الأسترالية ونُشرت نتائجها في 21 فبراير/ شباط في مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications) قد تجعل هذه الصورة تبدو قديمة. حلل العلماء في الدراسة الموجات الارتدادية للزلازل القوية واكتشفوا ما يعتقدون أنه دليل على وجود طبقة لب داخلية فريدة.
طبقات الأرض لم نكتشف منها سوى اليسير
تتكون الأرض من طبقات فريدة تؤدي كل منها دوراً مهماً في حياتنا. نحن نعيش عملياً على سطح الطبقة الخارجية الرقيقة المعروفة باسم القشرة. وعلى الرغم من الجهود السابقة، لم يتمكن أحد من الحفر بعمق كافٍ للوصول إلى طبقة الوشاح، وباءت جميع المحاولات بالفشل. يتكون الوشاح الخارجي والداخلي من الصخور السائلة، وتتسبب تيارات الحمل الحراري هناك بدفع الصفائح التكتونية للقشرة الأرضية وتصادمها. أخيراً، هناك اللب الذي يتكون من طبقة خارجية سائلة تُعد المسؤولة عن توليد المجال المغناطيسي للأرض، وهي مستقرة بفضل الطبقة الداخلية الصلبة.
الزلازل قد تكون نافذتنا على عمق الأرض
في الواقع، لا يستطيع الجيولوجيون دراسة البنية الداخلية للأرض بسهولة، لذلك يدرسون الوشاح من خلال فحص عينات من الصخور التي تخرج مع الثورات البركانية، والتي يُعتقد أنها نشأت في أعماق الأرض.
وعلاوة على ذلك، يدرسون الموجات الزلزالية الناتجة عن الزلازل. تولّد الزلازل التي يكون مركزها عميقاً في الأرض موجات اهتزازية تصل إلى السطح وتهزّه. يمكن قياس هذه الموجات بواسطة مقاييس الزلازل في جميع أنحاء العالم، ويمكن لعلماء الزلازل من خلال قياس سرعة انتقالها أن يعرفوا قدراً كبيراً من المعلومات حول شكل مركز الأرض.
اقرأ أيضاً: المياه في باطن الأرض تسبب الزلازل وموجات تسونامي
لكن النتائج لم تكن منطقية دائماً، إذ لاحظ علماء الزلازل لفترة من الوقت أن نماذجهم تكون أقل دقة عندما كانوا يقيسون موجات الزلزال التي تمر عبر مركز اللب الداخلي. تنتقل الموجات، سواء كانت زلزالية أم لا، بسرعات متفاوتة عبر مواد مختلفة. ومع ذلك، يمكن أن تنتقل الموجات بسرعات مختلفة في اتجاهات مختلفة بسبب ظاهرة تُسمى تباين الخواص (Anisotropy). اقترح العلماء عام 2002 وجود طبقة لب داخلية أعمق، كتفسير محتمل لتأثير ظاهرة تباين الخواص التي اكتشفوها عند دراسة بعض الزلازل القوية.
لب داخلي غير مكتشف للأرض
يبدو أن هذه النظرية تحظى بدعم المزيد من الأبحاث الآن. بات من الأسهل الآن لعلماء الزلازل تحديد سرعة انتقال الموجات الزلزالية واتجاهها بدقة متناهية بفضل ازدياد عدد محطات الرصد الزلزالي. لتحديد المسار الدقيق للموجات الزلزالية، درس علماء الزلازل في الجامعة الوطنية الأسترالية الزلازل التي تزيد قوتها عن 6 درجات خلال العقد الماضي، ومع استخدامهم المزيد من المعدات، تمكنوا من تتبع الموجات في أثناء ارتدادها حول الأرض حتى 5 مرات. وقد أظهرت نتائجهم بالفعل أن الأمواج تغير مسارها مع مرورها عبر مركز الأرض، ما قد يشير إلى احتمال وجود نواة داخلية أعمق، ويعتقدون أن هذا الانقسام ناتج عن بنية بلورية مختلفة لذرات الحديد والنيكل التي تشكل اللب.
اقرأ أيضاً: كيف تشكل الزلزال الذي ضرب الحدود التركية السورية؟ ولماذا كان بهذه الشدة؟
لم يقتنع بعض علماء الزلازل تماماً بالنتائج نظراً لأنه ما يزال من غير الواضح إذا كان ذلك ناجماً عن حدود صلبة لطبقة جديدة أم أنه مجرد تحول تدريجي بين اللب الداخلي والخارجي. لكن اكتشاف طبقة جديدة في الأرض تطور مهم ونادر، وإذا أشار المزيد من الأدلة إلى وجود طبقة لب داخلية جديدة بالفعل، يرى المؤلفون أن ذلك يمكن أن يوفر للجيولوجيين نظرة ثاقبة أفضل حول البنية الجيولوجية للأرض في بدايات تطورها.