ما من شك في أن الشعاب المرجانية على كوكب الأرض تمر بمأزق؛ فبسبب الاحتباس الحراري وزيادة حمضية المحيطات، أصبحت الحيوانات التي تكوِّن الشعاب المرجانية تحتضر، محوِّلة الشعاب المرجانية نفسها إلى صروح خاوية تغطيها الطحالب، مما سيؤدي إلى أن تفقد العديد من المخلوقات المجاورة الموائل الطبيعية لها، حيث إن بعضها قد تطوَّر خصوصاً ليعيش فقط في الشعاب المرجانية، وبالتالي فإن من غير المستبعد أن يؤدي موت الشعاب المرجانية إلى موت العديد من الأنواع الحيوانية الأخرى.
وبهذا الصدد، يتخذ العلماء والمدافعون عن البيئة العديد من الخطوات لعكس هذا الاتجاه الاحتضاري للشعاب المرجانية، من مراقبتها ورصدها ووضع قوائم لها وتسليمها للسلطات المحلية إلى العمل على فهم آليات مرضها واعتلالها. ومع ذلك -ودون اتخاذ خطوة جادة جذرية من جانبنا- ستزداد درجة حرارة المحيطات، ونتيجة لذلك سيموت المزيد من الشعاب المرجانية، حيث يتوقع الخبراء موت ثلاثة أرباع الشعاب المرجانية في العالم بحلول العام 2100.
ومن جانب آخر، طلَّ علينا بصيص أمل هذا الأسبوع قد يقشع عنا بعض سحب الكآبة بشأن هذا الأمر، وظهر هذا النور على شكل ورقة بحثية نشرت في مجلة "ساينتيفيك ريبورتس"؛ فبعد سنوات من المحاولات، تمكن الباحثون في معهد سيمثسونيان في هاواي من الحفاظ على يرقات الشعاب المرجانية من خلال التبريد لدرجة التجميد، مما يعني إمكانية الحفاظ على التنوع الجيني للشعاب المرجانية الحالية لفترات طويلة من الزمن قد تصل لقرون كاملة. وبالتالي تستطيع الشعاب المرجانية المحفوظة إعادة إنماء الشعاب المحتضرة أو المصابة، في حين لا تزال البحوث جارية سعياً لحل مشكلة احتضار الشعاب، على أمل أن نشهد يوماً عظيماً نتمكن فيه من إعادة بعث الشعاب المرجانية من جديد.
وبهذا الصدد نقرأ في الورقة البحثية: "في ظل التدهور المتسارع للشعاب المرجانية، أصبحت عملية إنشاء أدوات لاستعادتها وإحيائها حاجة ماسة ومدفوعة بالابتكار، فالحاجة أم الاختراع". وعلى الرغم من أن العلماء تمكنوا من تجميد نِطاف الشعاب المرجانية لمدة من الزمن، إلا أنهم لا يزالون في حاجة إلى بيوض طازجة للتخصيب، وهي مشكلة شائعة ضمن محاولات حماية الأنواع الحيوانية من الانقراض في البيئة الطبيعية.
ويتمثل أحد الحلول المقترحة في تجميد الشعاب المرجانية وهي لا تزال يرقات (لأن الشعاب المرجانية لا تمتلك ما نسميه عادةً: المرحلة الجينينة)، إلا أن المشكلة التي تواجهنا في ذلك كما يقول جون دالي (المؤلف الرئيسي للورقة البحثية) هي أن "الكائنات الحية الكبيرة متعددة الخلايا صعبة الحفظ بالتجميد في العادة". ومع أنه لم ينجح أحد حتى الآن في حفظ يرقات الشعاب المرجانية بالتجميد ثم بعثها مجدداً، إلا أن دالي وزملاءه في البحث تمكَّنوا من إيجاد الطريقة الصحيحة لحفظ يرقة فونجيا سكوتاريا (Fungia scutaria) بالتجميد، وبعثها بنجاح بعد إذابة الجليد.
وبعد القيام ببعض التجارب، اكتشف مؤلفو الورقة البحثية أن تجميد الشعاب المرجانية في الأيام الأولى من دورة حياتها بواسطة استخدام طريقة سريعة للغاية تدعى "التزجيج" (تحويل الشيء إلى ما يشبه الزجاج) كانت عملية ناجحة في حفظ اليرقات بالتجميد، التي يمكن بعثها عبر تدفئتها بالليزر حيث تتمكن من السباحة في المحيط بعدها مجدداً.
ومن جانب آخر تشرح لنا ماري هاغيدورن (إحدى الباحثات المشاركات في تأليف الورقة البحثية) أن إحدى الصعوبات التقنية التي واجهها الباحثون تتمثل في حقيقة أن أجنة الأسماك ويرقات الشعاب المرجانية تكون محمية من المحيط بما يسمى "الكبسولات الفضائية". وبتأمل هذا ندرك أن آليات الحماية -التي تبقيها آمنة من مخاطر البحر هذه- هي نفسها التي تجعل من الصعب على العلماء أن يحفظوها باستخدام التجميد دون أن نعرِّض النسيج الحي لما نسميه "جفاف التجمد"، أو باللغة البسيطة "حروق البرد الشديد". (يُذكر أيضاً أن "جفاف التجميد" يعد إحدى المشاكل العديدة التي تواجه العلماء في ميدان حفظ البشر بالتجميد).
وفي العادة يلجأ العلماء إلى استعمال "المواد الواقية من حروق التبريد"، التي تتعامل مع الخلايا لتأمين عملية التجميد دون التعرُّض لحروق التبريد أو جفافه أو سفعه؛ حيث أثبتت التجارب جدواها في عملية الحفظ بالتبريد حتى التجميد. إلا أننا -وخلافاً لأجنة الحيوانات الثديية التي لا تملك أي حماية داخل أرحام أمهاتها- نجد أن أجنة الحيوانات البحرية تتمتع بحماية صلبة يصعب اختراقها، لكن من خلال استخدام المواد الواقية من حروق التبريد المناسبة واختيار يرقات غير مكتملة النمو إلى حد ما، نجح فريق البحث في غمر جنين الشعاب المرجانية بمادة واقية من الحروق التجمدية ومنع بلورات الجليد من التشكل أثناء عملية التبريد.
وعلى الطرف الآخر من العملية وجد الباحثون أن حجم الأجنة ودروعها الواقية تمثل مشكلة أيضاً عندما يحين الوقت ونريد بعثها من جديد. وإن كان قد سبق وحاولت تذويب بضعة كيلوغرامات من اللحم المفروم المجمَّد في الميكروويف، فلا بد أنك واجهت مشكلة في النسيج اللحمي لأنه لا يذوب ويزول جليده بشكل متساوٍ وموحد. كذلك فلا شك في أنك لا ترغب في أن تحترق أطراف ونهايات أجنة الشعاب المرجانية جراء التسخين بينما لا يزال مركزها مجمداً. ولكن فريق البحث تمكن من تجاوز هذه العقبة من خلال إحاطة الأجنة بقضبان نانوية من الذهب، هدفها هو تحويل ضوء الليزر إلى حرارة تسخن بشكل متساوٍ على كامل جسد اليرقة.
وما زالت عمليات الحفظ بالتجميد قليلة جداً ضمن الحيوانات البحرية مثل الأجنة أو اليرقات، حيث تقول ماري هاغيدورن إن هذا الأمر لا بد من تغييره تماماً إن أردنا أن نأمل في حفظ التنوع الحيوي الذي تزخر به المحيطات، وتضيف: "تتمثل إحدى الأمور المقلقة بالنسبة لنا في قدرتنا على تخزين هذه المواد على المدى الطويل في جميع أنحاء العالم"، وذلك لأنه لا يوجد شيء مثل "قبو سفالبارد العالمي للبذور" للحيوانات البحرية -على حد قولها- لكن يجب أن ننشئ واحداً.
وتواصل ماري: "لكن بالنسبة لأدوات الحفظ فعلينا أن نطورها ونخترعها الآن". فلا ريب أننا في حاجة إلى الوقت لاكتشاف كيفية الحفظ الصحيحة لهذه الكائنات، لكن من دون وجود أدوات تحفظ لنا التنوع الجيني لها فمن الوارد أن تنقرض قبل حتى أن نتمكن من إنقاذها. إضافة إلى أن تذويب يرقات الشعاب المرجانية المجمدة وإعادة إطلاقها في المحيطات لا يعد بالضبط عكساً لاتجاه الانقراض؛ حيث إن أنسجتها لا تموت أبداً، بخلاف الجهود المبذولة لاستنساخ ماموث صوفي على سبيل المثال.
ومع ذلك فالحفظ بالتجميد لا يعد إلا قطعة واحدة من الأحجية. وبهذا الصدد يقول دالي: "إن هذا النوع من الأعمال الذي نقوم به مصمم ليمضي جنباً إلى جنب مع عمليات التهيئة التي تحدث في المجالات الأخرى". وما لنا إلا الأمل في أنَّ التطورات الحاصلة في المجالات الأخرى للحفاظ على الشعاب المرجانية ستساعد نشطاء الحفاظ على البيئة في مسعاهم النبيل. ويضيف: "إنه لمن المهم حقاً أن نفعل ذلك الآن، ما دام بين أيدينا تنوع حيوي مذهل". وذلك لأننا إن لم نتصرف الآن، فمن الوارد أن تأتي تلك التطورات في المجالات الأخرى بعد فوات الأوان وتلاشي التنوع الحيوي، على الأقل في المحيطات.
ومع أن الحديث عن اختفاء الشعاب المرجانية قصة محزنة، إلا أن دالي يقول: "ما زال لدينا عمل نستطيع القيام به الآن"، فالحفاظ على الشعاب المرجانية استثمار ضروري في المستقبل، حتى وإن كنا لن نرى ثماره وعوائده في حياتنا الحالية.
وختاماً تقول ماري هاغيدورن: "هناك دائماً إمكانية أن يود الذين سيعيشون بعد مئات السنين من الآن استرجاع الشعاب المرجانية مجدداً".