أمام محدودية الموارد المالية، يميل بعض الناس إلى الإنفاق بكثرة، ويميل البعض الآخر إلى الاقتصاد في النفقات. وعلى ما يبدو، فالأشجار تفعل الشيء نفسه، إذ في حين تقتصد بعض أنواع النباتات في استهلاك الماء خلال نوبات الحر والجفاف، تزيد بعض الأنواع من كميات المياه التي تمتصها من التربة. وهذا قد يفضي إلى زيادة حدة الجفاف، وفقاً لدراسة نشرت حديثا في دورية «بروسيدنجز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس».
يقول «ويليام أندريغ»، عالم أحياء بجامعة يوتا وأحد مؤلفي الدراسة: «إن الأمر أشبه بإفراغ محتويات حسابك المصرفي بسرعة». هذه ليست الدراسة الأولى التي تقترح وجود علاقة متبادلة بين الأشجار والمناخ، إذ وجد الباحثون أن الأشجار في غابات الأمازون المطيرة، مثلاً، تولد الغيوم والأمطار، وأن إزالة الغابات تؤثر على الطقس المحلي.
جمع أندريغ وزملاؤه بيانات حول تغيرات درجة الحرارة ومستويات المياه وانبعاثات الكربون في 40 موقعاً حول العالم، من بينها كندا وزامبيا والدنمارك وروسيا وأستراليا، ثم قارنوا تلك القياسات بأنواع الأشجار المنتشرة في كل منطقة لمعرفة الخصائص التي لها علاقة بزيادة حدة الجفاف. يصرح أندريغ قائلاً: «بدلاً من النظر إلى تأثيرات الجفاف على الغابات، صوّبنا اهتمامنا في الاتجاه المعاكس».
توصل الباحثون إلى أن بعض أنواع الأشجار المنتشرة في المناخات الباردة - خاصة المخروطيات مثل الأرز والتنوب والعرعر والصنوبر - تُبطئ تدريجياً من كمية المياه التي تمتصها، مما يجعل التربة المحيطة بها رطبة لأطول فترة ممكنة. لكن أنواعاً أخرى تنتشر في المناخات الدافئة - مثل أشجار البلوط - تستجيب بطريقة مختلفة وتستهلك المياه بسرعة. ويقول أندريغ إن انخفاض رطوبة التربة الناتج يمكن أن يرفع درجات الحرارة المحلية ويزيد من حدة الجفاف.
وجد الباحثون أيضاً أن تنوع الأشجار في منطقة ما يخفف من آثار الجفاف، ويعلق أنديريغ بالقول: «هذا يشير إلى أن نوعية الأشجار المهيمنة ليست العامل الوحيد الذي يؤثر على حدة الجفاف، بل حتى انتشار أنواع مختلفة من الأشجار في منطقة ما». حالياً، تركز النماذج المناخية واسعة النطاق على ما إذا كانت منطقة ما مغطاة بأشجار نفضية أو مخروطية أو استوائية - لكن بدون الدخول في التفاصيل. يعلق أندريغ على هذا بقوله: «إن اعتماد التصنيف بالوحدات الأحيائية «بايوم» يفتقد إلى الدقة لأنه يهمل العديد من التفاصيل الدقيقة».
سيصبح فهم كيفية استجابة أنواع مختلفة من الأشجار للحرارة والجفاف ذا أهمية بالغة في السنوات المقبلة، خاصة أن التغير المناخي يؤدي إلى أحداث مناخية كارثية من حرائق الغابات المدمرة إلى مواسم الأعاصير القوية وموجات الجفاف لن تكون استثناءً. يقول «بريان فوكس»، عالم الجيولوجيا في المركز الوطني للتخفيف من الجفاف في جامعة نبراسكا - لينكولن: «تتكرر الظواهر المناخية المتطرفة باطراد، والانتقال من مكانٍ إلى آخر لا يعني أنك قد أفلحت في تفادي آثار الجفاف».
علاوة على عرقلة إنتاج المحاصيل الزراعية وإنقاص إمدادات المياه، يشير فوكس إلى أن موجات الجفاف يمكن أن تؤثر سلبا على النظم البيئية، عن طريق جذب الآفات الحشرية ورفع درجات حرارة الأنهار، ودفع الحيوانات إلى الهجرة نحو المناطق الحضرية بحثاً عن الغذاء والماء. توضح الدراسة الجديدة أن الأشجار يمكن أن تسهم في زيادة حدة موجات الجفاف في بعض المناطق، وتؤكد أيضاً أهمية زراعة أنواع مختلفة من النباتات في المناطق المعرضة للجفاف.
حسب تقارير شهرية من المركز الوطني للتخفيف من الجفاف المركز، كانت هذه السنة من أقل السنوات التي شهدت موجات الجفاف نتيجة سقوط الأمطار في فصول الخريف والشتاء والربيع، لكن الأحوال الجوية الموسمية ينبغي ألا تمنعنا من دراسة الظروف المناخية الجافة التي أصبحت أكثر شيوعاً. ويصرح فوكس: «نحن الآن نشهد واحدة من تلك الفترات التي تنخفض فيها موجات الجفاف، وهذا جزء من الدورة الطبيعية. لكننا لا نعرف متى ستبدأ موجات الجفاف المقبلة، لذلك فأفضل وقت للاستعداد لها هو الآن».