في أعقاب الفيضانات المدمرة التي اجتاحت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والأمطار الموسمية غير المسبوقة التي أدت إلى إغراق ثلث الأراضي الباكستانية ووصفتها الأمم المتحدة بأنها تبدو وكأنها "تحت تأثير المنشطات"، زاد اليقين بأن الفيضانات المدمرة ستكون جزءاً خطيراً من مستقبلنا مع استمرار التغيّر المناخي. في الواقع، لا تنتهي الأضرار الجانبية عندما تنحسر مياه الفيضانات، إذ يُصاب الناس بالصدمة العاطفية واضطراب ما بعد الصدمة، ناهيك عن الخسائر المادية المرتفعة. وفي هذا الصدد، تلقي دراسة جديدة نُشرت مؤخراً في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم نظرة أقرب على تأثير كل هذه المياه الزائدة على انعدام الأمن الغذائي.
تأثير الفيضانات على الأمن الغذائي
درس المؤلفون أكثر من 12 دولة في غرب وشرق وجنوب إفريقيا ووجدوا أن الفيضانات يمكن أن تؤثر على الأمن الغذائي لأكثر من 5.6 مليون شخص في جميع أنحاء القارة.
يقول طالب الدراسات العليا السابق في مركز جامعة نيويورك لعلوم البيانات وأحد مؤلفي الدراسة الرئيسيين، كونور ريد، في بيان صحفي: «تظهر نتائجنا أن الفيضانات يمكن أن تؤثر على الأمن الغذائي فور وقوعها وفي الأشهر التالية لذلك. لقد كانت هناك أضرار جسيمة في البنية التحتية والأراضي الزراعية وقطعان الماشية في العديد من أحداث الفيضانات التي قمنا بدراستها، الأمر الذي أضرّ بإنتاج الغذاء والوصول إليه، ناهيك عن تضرر أنظمة موارد المياه والصرف الصحي التي تُعتبر مهمة جداً أيضاً لضمان الأمن الغذائي».
درس الباحثون كيفية تأثير الخصائص الرئيسية للفيضانات التي حدثت بين عامي 2009 و2020، مثل موقع الفيضان ومدته وشدته، وذلك على مقياس التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، وهو مقياس لانعدام الأمن الغذائي يستخدمه نظام الإنذار المبكر بالمجاعة الذي أنشأته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ويقيس شدة انعدام الأمن الغذائي على مقياس من خمس نقاط، بدءاً من الحد الأدنى من الأمن الغذائي (IPC 1) وحتى المجاعة (IPC 5). تُظهر الدراسة أن نحو 12% من الأشخاص ممن عانوا من انعدام الأمن الغذائي قد تأثروا بالفيضانات المدمرة التي غطتها الدراسة بين عامي 2009 و2020.
تأثيرات إيجابية للفيضانات لكن على نطاقات مختلفة
ومع ذلك، واعتماداً على الفترة الزمنية والنطاق الإقليمي، كانت هناك أيضاً تأثيرات إيجابية للفيضانات أدت إلى معالجة مشكلة انعدام الأمن الغذائي.
يقول المؤلف المشارك في الدراسة وعالم الأبحاث في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا والمركز متعدد التخصصات لعلوم نظام الأرض بجامعة ميريلاند، ويستون أندرسون، في بيان صحفي: «تشير نتائجنا إلى أن الفيضانات يمكن أن تكون لها تأثيرات متعارضة على الأمن الغذائي في نطاقات مكانية مختلفة، لا سيما في الفترات الزمنية التي تلي حدوثها. ففي سنة معينة، يمكن أن تؤدي زيادة هطول الأمطار مباشرة إلى فيضانات تدمر المحاصيل في منطقة محلية، ولكن يمكن أن ترتبط بظروف تعزز نمو المحاصيل وإنتاجها على نطاق البلاد أيضاً».
ومع ذلك، يحذر الفريق بأنه ليس من المؤكد أن يلاحظ الجميع الآثار الإيجابية الناتجة عن الفيضانات. لكن هذه النتائج المفيدة تظهر الحاجة إلى تحسين جمع البيانات عن الفيضانات والأمن الغذائي للتخطيط بشكلٍ أفضل للتكيّف مع المناخ والاستجابة للكوارث.
تقول الأستاذة الجامعية المشاركة في قسم الدراسات البيئية بجامعة نيويورك، سونالي شوكلا ماكديرميد، في بيان صحفي: «نحاول تسليط الضوء على قضية أن للفيضانات تأثيرات مهمة ولكنها معقدة على الأمن الغذائي في أوقات ونطاقات مكانية مختلفة. ومع ذلك، لم تتم دراسة هذه القضية بشكل كافٍ على مستوى العالم، وبالتالي لا تزال غير مفهومة جيداً. من الأهمية بمكان تحسين المعرفة حول أين يمكن أن تؤثر الفيضانات على الأمن الغذائي ومتى وإلى أي مدى، لا سيما بالنسبة لصناع القرار في المناطق الريفية المعرضة للفيضانات، والتي تساهم بشكل أساسي في الإمدادات الغذائية الإقليمية والعالمية».
وجدت الدراسة أيضاً أن تأثر الأمن الغذائي يختلف من منطقة لأخرى إلى حد كبير وبطرق متباينة جداً، بدلاً من أن يكون أكثر اتساقاً عبر الدول. ويقول الفريق إن هذا دليل على أن العلاقة بين الفيضانات والأمن الغذائي لا ترجع إلى الديناميات التي تختلف من بلد إلى آخر، مثل التغيرات في أسعار المواد الغذائية، بل إلى "تأثيرات محددة السياق على إنتاج الغذاء". يشمل هذا النوع من التأثيرات خسارة محاصيل الكفاف وتدمير البنية التحتية الذي يؤدي لصعوبة الوصول إلى الغذاء وتضرر بنية نظام الصرف الصحي الذي يؤدي لانتشار الأمراض المنقولة بالمياه.
ويقول المؤلف المشارك أندرو كروتشكيويتز من المعهد الدولي لبحوث المناخ والمجتمع بجامعة كولومبيا في بيان صحفي: «يكتسب فهم تأثيرات الفيضانات على الأمن الغذائي أهمية متزايدة للمجتمع الإنساني. مع نتائج هذه الدراسة، أصبح المجتمع الإنساني في موقف أفضل لتحديد الإجراءات التي يجب أن تحظى بالأولوية في المجالات التي ندرسها، بما فيها الإجراءات الاستباقية والاستعداد والاستجابة».