أصبح الهاتف الذكي فيرفون 4 (Fairphone 4) متوفراً أخيراً في الولايات المتحدة. يمكن للمستخدمين إصلاح هذا الهاتف الذي يشاد به لاستدامته بأنفسهم، وهو مصنوع من مواد من مصادر مسؤولة مثل الذهب والألمنيوم المعتمدَين من مؤسسة فير تريد (Fairtrade) واللذين يأتيان من الموردين الذين اعتمدتهم مبادرة الإشراف على الألمنيوم (Aluminium Stewardship Initiative).
مثل العديد من الهواتف الذكية الأخرى، يحتوي هاتف فير فون 4 على كاميرتين، واحدة أمامية وأخرى خلفية، وشاشة إل سي دي تعمل باللمس، وهو مزوّد بتكنولوجيا الاتصال القريب المدى التي تتيح للمستخدم دفع المبالغ المالية من دون التلامس عبر محافظ الهاتف المحمول، حتى إنه مزوّد بماسح بصمات الأصابع. يوفّر هذا الهاتف ما لا يقل عن 5 سنوات من دعم البرمجيات، ما يضمن للمستخدمين أنهم سيحصلون على التحديثات لسنوات قادمة.
يقول مدير مركز الأنظمة المستدامة في جامعة ميشيغان، غريغوري كيوليان، إن الجهود المبذولة للحد من التأثير البيئي للهواتف الذكية مهمة لأنها أكثر الأجهزة الإلكترونية استخداماً حول العالم.
اقرأ أيضاً: هل يمكن استخدام الذهب الموجود في شرائح الهواتف الذكية لتصنيع الأدوية مستقبلاً؟
تولّد الاتجاهات والتكنولوجيات الناشئة غالباً الطلب من جانب المستهلكين على الطرازات الأحدث ذات الميزات الأفضل، على الرغم من أن الهواتف القديمة ما تزال عملية. الهواتف الذكية هي مصدر كبير للنفايات الإلكترونية في الولايات المتحدة، حيث يتخلّص المستخدمون من نحو 151 مليون منتج سنوياً، وتبلغ نسبة المنتجات المعاد تدويرها والمعالجة بالطريقة السليمة منها نحو 17% فقط.
تأثير الأجهزة الذكية في البيئة
على الرغم من أن الهواتف الذكية صغيرة لدرجة أنها تتسع في الجيب، من المرجح أن انبعاثات الكربون التي تتسبب بها تتجاوز تلك التي تتسبب بها أجهزة الكمبيوتر المكتبية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وشاشات إل سي دي. على سبيل المثال، يقول كيوليان إن كل جهاز آيفون 14 برو يتسبب بإطلاق 65 كيلوغراماً من انبعاثات الكربون عبر دورة حياته، وهي كمية تعادل قيادة سيارة ركاب تعمل بالبنزين لمسافة 269 كيلومتراً تقريباً.
يولَّد نحو 80% من البصمة الكربونية للهاتف الذكي خلال عملية التصنيع. تستهلك عمليات تعدين المعادن الثمينة وتكريرها ونقلها الكثير من الطاقة، بينما يضر التعدين نفسه بالبيئة الطبيعية. لهذا السبب، يعتقد كيوليان أن الهواتف المستدامة قد لا تكون موجودة في الواقع؛ إذ يقول: "كل هاتف ذكي له تأثيرات تتعلق بتصنيعه واستخدامه، وهناك إمكانية لتخفيف هذه التأثيرات أكثر".
ويضيف قائلاً إنه يمكن للمستهلكين تقليل الضرر البيئي من خلال استخدام الأجهزة لفترة أطول أو شراء الهواتف المُجدّدة. الهواتف المجدّدة، أو المستخدمة من قبل والتي استُصلحت لتصبح "جديدة" وتحقق الخبراء من أنها تعمل على نحو سليم، أقل تكلفة أيضاً. تكلّف هواتف آيفون 12 المجدَّدة التي خضعت للاختبارات الوظيفية الكاملة وتأتي مع الضمان المحدود القياسي الذي يمتد لعام واحد مبلغاً أقل بنحو 120-240 دولاراً من المنتجات الجديدة.
تقول عالمة الاستدامة المساعدة في مركز إلينوي للتكنولوجيا المستدامة، جوي سكروغوم، إن المصنعين يكسبون المزيد من المال إذا اعتقد المستهلكون أنهم بحاجة إلى شراء الطرازات الأحدث من الهواتف الذكية. على سبيل المثال، تُصدر شركتا آبل وسامسونغ، اللتان تهيمنان حالياً على قطاع الهواتف الذكية، طرازات جديدة من الهواتف كل عام. تتمتّع هذه الطرازات غالباً بمواصفات محسّنة مقارنة بالطرازات التي سبقتها، مثل أنظمة الكاميرا الأعلى جودة والبطاريات ذات العمر الأطول وبطاقات الرسوميات المحدّثة الأداء وغيرها.
اقرأ أيضاً: هذا المهندس يستخدم الهواتف الخليوية القديمة لإيقاف التحطيب غير القانوني
مع ذلك، تقول سكروغوم إن اعتقاد المستهلكين بأنهم يحتاجون إلى الطرازات الأحدث ليس واقعياً دائماً؛ إذ تقول: "لا يستخدم معظم الأشخاص قدرة المعالجة بأكملها أو ميزات هواتفهم الحالية جميعها، ناهيك عن الميزات التي قد تتمتع بها أحدث طرازات الهواتف الذكية".
يجب أن يعيد مستخدمو الهواتف الذكية النظر فيما إذا كانوا بحاجة فعلاً إلى شراء هاتف جديد. وفقاً لسكروغوم، فهي اشترت هاتفها الذكي الذي تستخدمه حالياً عندما دخلت ابنتها البالغة من العمر 18 عاماً المرحلة الإعدادية في المدرسة. على الرغم من أن بعض التطبيقات التجارية لم يعد متوافقاً مع الجهاز، فهذا لا يمثّل "مشكلة كبيرة" حسب تعبير سكروغوم، ولا يزال الهاتف يعمل جيداً.
تقول سكروغوم: "لا شك في أنني أرغب في استخدام كاميرا أعلى جودة في هاتفي، ولكن هذه ليست حاجة حقيقية. لا يزال الهاتف يؤدي الوظائف التي أحتاج إليها جميعها، كما أنه يؤدي العديد من الوظائف التي لا أحتاج إليها، مثل دعم الألعاب". تضيف سكروغوم قائلة إنها ستشتري هاتفاً جديداً عندما تتوقف التطبيقات التي تعتمد عليها بانتظام عن التوافق مع الجهاز. ولكنها لن تفعل ذلك لأن الهاتف لم يعد مفيداً، بل لأن مطوري التطبيقات توقفوا عن جعل أحدث إصدارات برامجهم متوافقة مع أقدم الأجهزة التي لا تزال في الخدمة.
كيف يمكن للشركات المصنعة تعزيز الاستدامة؟
تقول سكروغوم إن أفضل ما يمكن أن تفعله الشركات المصنعة لجعل الأجهزة أكثر استدامة هو تصميمها بطريقة تجعلها قابلة للإصلاح والتحديث. استخدام المكونات التي بالإمكان إزالتها واستبدالها بسهولة مهم لأنه يتيح للمستهلكين حل المشكلات وتحديث الميزات من دون الحاجة إلى شراء هاتف جديد.
تقول سكروغوم: "بتعبير آخر، يجب تصميم الهواتف بطريقة تطيل عمرها بدلاً من تقصيره، ولا تنسَ أن فصل قطع الهواتف المصممة بطريقة تيسّر تفكيكها بهدف الإصلاح أسهل عند انتهاء عمرها الافتراضي، ما يجعل إعادة استخدام المكونات والمواد أو إعادة تدويرها ممكناً".
تظل الهواتف الذكية أيضاً في الخدمة لفترة أطول بتوفير وصول أكثر إنصافاً إلى الأدوات والمعلومات اللازمة لإجراء الإصلاحات والتحديثات. تقول سكروغوم إن الشركات المصنعة تستطيع الحد من الوصول إلى قطع الغيار أو الأدوات بهدف التحكم في الإصلاحات من خلال الفنيين المعتمدين لديها، ولكن قد يمثّل كل من القرب الجغرافي من مزودي الخدمة هؤلاء وتكلفة خدماتهم عائقاً بالنسبة للبعض.
تقول سكروغوم: "عندما تسهّل الشركات المصنعة على الأشخاص إجراء الإصلاحات والتعديلات بأنفسهم، أو الاستفادة من خدمات الإصلاح المستقلة، فإنها تحول الإصلاح إلى خيار قابل للتطبيق لعدد أكبر من الأشخاص وتدعم الاقتصاد الأكثر دائرية".
الدعم السياسي عامل بالغ الأهمية أيضاً. أقرت ولاية نيويورك قانوناً يحمل اسم الحق في الإصلاح في عام 2022، وهو قانون يشمل الهواتف الذكية. يضمن هذا القانون أن تُوفّر الشركات المصنعة المعلومات المتعلقة بالإصلاح وتشخيص مشكلات المنتجات الإلكترونية الرقمية المتاحة لموفري خدمات الإصلاح المعتمدين للمستخدمين ومراكز الإصلاح المستقلة. أنشأت شركات مثل سامسونغ وجوجل وآبل برامج تتيح للمستهلكين ومقدمي خدمات الإصلاح المستقلين شراء القطع الرسمية.
اقرأ أيضاً: النفايات الإلكترونية: مشكلة عالمية تهدد الصحة والبيئة
كما أن السياسات التي تتطلب التوحيد القياسي للمكونات الشائعة قد تساعد المستهلكين أيضاً على الاحتفاظ بهواتفهم الذكية لفترة أطول. أصدر الاتحاد الأوروبي مؤخراً تشريعاً يفرض احتواء الهواتف والأجهزة الصغيرة والمتوسطة الأخرى مثل الأجهزة اللوحية وأجهزة القراءة الإلكترونية على منفذ شحن يو إس بي-سي (USB-C) بحلول عام 2024. فُرض أيضاً استخدام شاحن عالمي لتقليل توليد النفايات الإلكترونية. يفصل التشريع أيضاً بيع أجهزة الشحن عن الأجهزة الإلكترونية، ما يتيح للمستهلكين التخلي عنها عند شراء منتج جديد وتوفير نحو 280 مليون دولار سنوياً من مشتريات أجهزة الشحن غير الضرورية.
تقول سكروغوم: "تنص القاعدة العامة على أن الجهاز الأكثر رفقاً بالبيئة هو الجهاز الذي تمتلكه بالفعل، أو الجهاز الذي كان يمتلكه شخص آخر سابقاً. تجب علينا إطالة عمر الخدمة المفيدة للأجهزة قدر الإمكان".