يشهد العالم حالياً سنة ستكون الثالثة على التوالي التي يقع فيها حدث لا نينيا الجويّ. وسيؤثّر التغيّر المناخي على الأرجح في الحدث المناخي المعاكس أيضاً، والذي يحمل اسم إل نينيو (أو التردد الجنوبي). يمكن أن تؤثر هذه التقلبات في درجة حرارة مياه البحار السطحية في المناطق القريبة من خط استواء الأرض ضمن المحيط الهادئ في الطقس حول العالم.
التغير المناخي يزيد من شدة حدثي إل نينيو ولا نينيا
لكن لا يزال من غير المعروف مدى تأثر الطقس بهذه الأحداث. وجدت دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز (Nature Communications) أنه من المتوقع أن يزيد التغيّر المناخي من شدة حدثي إل نينيو ولا نينيا بحلول عام 2030.
حلل الباحثون في هذه الدراسة البيانات المتعلقة بدرجة حرارة مياه المحيط الهادئ السطحية والتي تم جمعها على مدى 70 سنة. استخدم المؤلفون هذه البيانات لنمذجة التغيرات في شدة حدث إل نينيو المناخي بالإضافة إلى التنبؤ بعواقب استمرار ظاهرة الاحتباس الحراري.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن توفر دراسة الأساطير الجيولوجية رؤى جديدة حول التغير المناخي؟
تمثّل ظاهرة إل نينيو أكبر التقلّبات السنوية في المناخ. ويمكن أن تتسبب بالفيضانات والجفاف حول العالم. تتقلّب درجات حرارة المياه السطحية في المحيط الهادئ وتتحول بين 3 مراحل أساسية، وهي مرحلة حدث إل نينيو الدافئ، وحدث لا نينيا البارد والحالة الطبيعية.
خلال حدث لا نينيا، تنخفض درجة حرارة مياه المحيط السطحية في وسط وشرق المحيط الهادئ الاستوائي. وتحدث تغيّرات في دوران الغلاف الجوي المداري (غالباً ما تنطوي على تغيرات في الرياح) والضغط الجوي ومعدلات هطول الأمطار. مع ذلك،لا يعني هذا الانخفاض في درجة الحرارة أن شدّة الاحتباس الحراري ستنخفض. تدفع المياه السطحية الأكثر برودة في المحيط الهادئ التيارات الهوائية النفاثة تجاه الشمال، ما يؤدي إلى الجفاف في الجزء الجنوبي من الولايات المتحدة والأمطار الغزيرة والفيضانات في شمال غرب المحيط الهادئ وكندا. تكون درجات الحرارة خلال الشتاء أعلى من المعتاد في الجنوب وأخفض من المعتاد في الشمال خلال العام الذي يقع فيه حدث لا نينيا. ويمكن أن يتسبب هذا الحدث أيضاً في ازدياد شدّة موسم الأعاصير في المحيط الأطلسي.
تتمتع ظاهرة إل نينيو بتأثير معاكس لظاهرة لا نينيا على الطقس العالمي؛ إذ إنها تتسبب بانخفاض سرعة الرياح الشرقية ودفع المياه الأكثر دفئاً تجاه السواحل الغربية للقارتين الأميركيتين الشمالية والجنوبية. يتحرك تيار المحيط الهادئ النفاث تجاه الجنوب، ما يتسبب في ازدياد الجفاف وارتفاع درجات الحرارة في شمال الولايات المتحدة وكندا أكثر من المعتاد، وارتفاع معدل الرطوبة في الجنوب الشرقي وساحل الخليج في الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: كيف غذّى التغير المناخي الفيضانات المدمرة في الباكستان؟
بيّنت الدراسات السابقة أن هذه الأحداث قد تختلف تبعاً للمناطق التي ترتفع فيها درجة الحرارة أو تنخفض ضمن المحيط الهادئ. قال مؤلفو الدراسة الجديدة إنهم سعوا في دراستهم لنمذجة الطريقة التي سيؤثر فيها التغير المناخي في ظاهرتي إل نينيو ولا نينيا، والمناطق التي يمكن أن تظهر فيها التغيّرات في أنماط الطقس.
المزيد من الأحداث الجوية المتطرفة
ووجدت النماذج التي قاموا بإنشائها أن تأثير التغيّر المناخي على الظاهرتين والمتمثّل في التقلّبات في درجة حرارة المياه السطحية في شرق المحيط الهادئ سيكون ملحوظاً في غضون 8 سنوات فقط، وهو موعد أبكر بنحو 40 عاماً من الموعد المتوقع سابقاً، ما قد يتسبب في وقوع المزيد من الأحداث الجوية المتطرفة.
وفقاً لعالم أبحاث المحيطات والغلاف الجوي في منظمة الكومنولث للبحوث العلمية والصناعية (The Commonwealth Scientific and Industrial Research Organisation) والمؤلف المشارك في الدراسة الجديدة، وينجو كاي (Wenju Cai)، كان من الصعب تحديد مكان وقوع التغيرات الشديدة نظراً لأن التقلبات في ظاهرة إل نينيو معقدة وشديدة للغاية. قال كاي: "مع ذلك، تبيّن دراستنا أن تأثير التغيّر المناخي الذي يتجلّى في تقلبات درجة حرارة مياه المحيط السطحية في المنطقة الاستوائية الشرقية من المحيط الهادئ سيكون ملحوظاً ولا لبس فيه بغضون 8 أعوام".
وجدت الدراسة أيضاً أن أستراليا ستضطر للتحضير بشكلٍ خاص لحدوث المزيد من الفيضانات وفترات الجفاف، وأن جميع دول العالم يجب أن تحضّر نفسها لعواقب هذه الأحداث على صحة البشر وإنتاج الطعام والاقتصادات العالمية وغيرها.
اقرأ أيضاً: التغير المناخي يتسبب بذوبان ثلوج جبال الألب
قال كاي: "يجب أخذ نتائج دراستنا بعين الاعتبار عند وضع السياسات ورسم الاستراتيجيات التي تهدف للتكيّف مع التغيّر المناخي"، وأضاف: "الأهم من ذلك أن هذه النتائج تزيد من الأدلة العلمية التي نمتلكها والتي تبين الحاجة الملحة للتقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة بهدف زيادة استقرار مناخ الأرض".