على الرغم من أن الثلوج بدأت بالتساقط في بعض دول نصف الكرة الشمالي، لم يمض وقت طويل منذ أن بدأ فصل الشتاء. وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، كان صيف عام 2022 أحر صيف شهدته الصين والدول الأوروبية، وثاني أحر صيف شهدته أميركا الشمالية والدول الآسيوية. كما كانت الفترة بين شهري يونيو/حزيران وأغسطس/آب من نفس العام خامس أحرّ فترة شهدها العالم منذ بدء توثيق هذه البيانات في عام 1880.
يعمل العلماء حالياً على الوصول إلى فهم أفضل لتأثير درجات الحرارة المتطرفة على جسم الإنسان. ووجدت دراسة نُشرت بتاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول 2022 في مجلة سيركيوليشن (Circulation) التابعة للجمعية الأميركية للقلب أن التعرّض لدرجات الحرارة بالغة الارتفاع أو الانخفاض يزيد من خطر الوفاة بالنسبة للمرضى المصابين بالأمراض القلبية.
اقرأ أيضاً: درجات الحرارة القياسية المسجلة في القارة القطبية الجنوبية تنذر بالخطر
التغير المناخي يرفع خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين
قال الزميل الباحث في أمراض القلب والشرايين في كلية الطب في جامعة ميريلاند و مركز ميريلاند الطبي والمؤلف المشارك للدراسة، هيثم خريشة (Haitham Khraishah)، في بيان صحفي: "تبين هذه الدراسة الحاجة الملحة لتطبيق التدابير التي من شأنها أن تساعدنا في التخفيف من إسهام التغير المناخي في خطر أمراض القلب والشرايين".
حلل فريق الدراسة الذي يمثّل أكثر من 35 مؤسسة بحثية عالمية ما يزيد على 32 مليون حالة وفاة عالمية ناجمة عن أمراض القلب والشرايين وقعت على مدى 40 عاماً. ووجد الباحثون أن عدد الوفيات ازداد في الأيام التي كانت درجات الحرارة فيها ضمن أعلى أو أدنى مستوياتها مقارنة بالأيام التي سادها الطقس الأكثر اعتدالاً.
استخدم المؤلفون بيانات صحية تم جمعها بين عامي 1979 و2019 من 567 مدينة في 27 دولة موزعة في 5 قارات من العالم. اختلف تعريف "الطقس المتطرف" بين كل مدينة وأخرى، ولكن قام المؤلفون بتعريف هذا المفهوم على أنه أعلى أو أخفض 1% من "درجة حرارة الوفيات الدنيا"، وهي درجة الحرارة التي كانت سائدة في الفترة التي وقع فيها أقل عدد من الوفيات.
اقرأ أيضاً: كيف أصبحت الصحة العامة تحت رحمة الوقود الأحفوري؟ علماء يدقون ناقوس الخطر
وجد المؤلفون أن كل 1000 حالة وفاة ناجمة عن أمراض القلب والشرايين قابلت 2.2 حالة وفاة إضافية في الأيام متطرفة الحرارة (فوق 30 درجة مئوية في مدينة بالتيمور)، و9.1 حالة وفاة إضافية في الأيام متطرفة البرودة (أقل من 6- درجة مئوية في مدينة بالتيمور).
كان الأشخاص المصابون بفشل القلب أكثر عرضة للتأثر سلباً بالطقس الحار للغاية أو شديد البرودة، وذلك مقارنة بالحالات الصحية الأخرى مثل السكتة الدماغية واضطراب النظم القلبي. بدقة أكبر، كان هؤلاء أكثر عرضة للوفاة في الأيام الحارة للغاية بنسبة 12% مقارنة بالأيام التي سادتها درجات الحرارة المثلى في المدن المدروسة. وازداد خطر الوفاة بسبب فشل القلب بنسبة 37% خلال الأيام شديدة البرودة. بالإضافة إلى ذلك، ارتفع عدد الوفيات بين المرضى المصابين بفشل القلب بمقدار 2.6 حالات في الأيام الحارة للغاية وبمقدار 12.8 حالات في الأيام شديدة البرودة، وذلك مقارنة بأمراض القلب والشرايين الأخرى المدروسة.
قال خريشة: "على الرغم من أننا لا نعلم لماذا تؤثر درجات الحرارة المتطرفة على المصابين بفشل القلب أكثر من غيرهم، فقد يعود ذلك إلى أن هذا المرض يتطور بشكل تدريجي"، وأضاف: "يدخل مريض واحد من أصل كل 4 مرضى مصابين بفشل القلب إلى المستشفى مجدداً في غضون 30 يوماً من خروجه منه. ويعيش 20% فقط من المصابين بهذا المرض أكثر من 10 سنوات بعد التشخيص".
اقرأ أيضاً: علماء الجيولوجيا يحذرون: البشر غير مستعدين للتعامل مع الانفجارات البركانية
التأثير السلبي قد يكون أكبر في الأماكن التي لم تُجرَ فيها الدراسة
يتمثّل أحد عيوب هذه الدراسة في أن البيانات المدروسة لا تمثّل المرضى من دول جنوب آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا. ووفقاً للمؤلفين، من المحتمل أن يكون التأثير السلبي للحرارة المتطرفة أكبر مما قِيس حالياً بسبب هذا النقص في البيانات.
أخذت الدراسة الرطوبة وملوثات الهواء بعين الاعتبار في إجراء الحسابات، وهي عوامل من المحتمل أن تزيد من عدد الوفيات في المناطق التي تشهد درجات الحرارة المتطرفة. أخذ المؤلفون أيضاً عامل التأثير المتأخر بعين الاعتبار. وهو تأخّر تأثير درجات الحرارة في صحة البشر والمنطقة المناخية المدروسة.
على الرغم من أن التغير المناخي أكثر ارتباطاً بالحرارة شديدة الارتفاع، وجدت الدراسات أن هذه الظاهرة يمكن أن تتسبب في وقوع الأحداث المتطرفة في الأجواء شديدة الحر وشديدة البرودة على حد سواء. أحد الأمثلة على ذلك هو اضطراب ظاهرة تحمل اسم الدوامة القطبية، والتي تتسبب بنقل الهواء البارد من القطب الشمالي تجاه نصف الكرة الشمالي.
قام مؤلفو الدراسة بتوسيع قاعدة بيانات الوفيات المتعلقة بأمراض القلب والتابعة لشبكة البحوث التعاونية متعددة المدن والدول(Multi-Country Multi-City (MCC) Collaborative Research Network)، وهي مجموعة من علماء الأوبئة وخبراء الإحصاء الحيوي وعلماء المناخ الذين يدرسون تأثير التغير المناخي وعوامل الضغط البيئية على معدلات الوفيات.
اقرأ أيضاً: التغير المناخي يتسبب بذوبان ثلوج جبال الألب
قال عميد كلية الطب في جامعة ميريلاند في مدينة بالتيمور ونائب رئيس الجامعة للشؤون الطبية، مارك غلادوين (Mark T. Gladwin)، في بيان صحفي: "تبين هذه الدراسة علاقة لا ريب فيها بين درجات الحرارة المتطرفة والوفيات الناجمة عن الأمراض القلبية ضمن واحدة من أكبر مجموعات البيانات متعددة الجنسيات التي تم إنشاؤها على الإطلاق"، وأضاف: "يمكن دراسة هذه البيانات بتفصيل أكبر لتعلّم المزيد عن الدور الذي تؤديه الفوارق الصحية والاستعدادات الوراثية، والتي تجعل بعض الجماعات البشرية أكثر عرضة لتأثير التغير المناخي".
وفقاً لخريشة، ستتم الإجابة عن هذه الأسئلة في الأبحاث المستقبلية.