هل حان الوقت لاستبدال الحبر القائم على المشتقات البترولية بحبر الصويا؟

4 دقائق
هل يجب التحول من الحبر البترولي إلى حبر الصويا؟
البصمة الكربونية لحبر الصويا أقل مقارنة ببصمة منتجات الحبر البترولية المعروفة. أنسبلاش

هيمنت المنتجات البترولية على سوق تصنيع أحبار الطباعة في أوائل السبعينيات. في ذلك الوقت، كانت إمدادات الزيوت النباتية محدودة جداً ولا تلبي حاجة صناعة منتجات الحبر. ومع ذلك، أجبر ارتفاع أسعار البترول في أواخر السبعينيات جمعية الصحف الأميركية (NAA) على البحث عن بديل محتمل أقل تكلفة، فقاموا باختبار تركيبات مختلفة من الزيوت النباتية قبل أن يتوصلوا إلى فكرة استخدام زيت فول الصويا، وقد اختُبر بنجاح لأول مرة عام 1987 في طباعة صحيفة "جازيت" التي كانت تصدر في ولاية آيوا الأميركية.

على الرغم من أن معظم مطابع الصحف الأميركية لا تزال إلى اليوم تعتمد على الحبر البترولي، فإن هناك ضغوطاً متزايدة الآن من المستهلكين للانتقال نحو بدائل صديقة للبيئة أكثر، حيث يعتمد أحد هذه الخيارات على الحبر القائم على الصويا. ولكن لماذا يعتبر هذا الحبر النباتي أكثر صداقة للبيئة مقارنة بنظيره القائم على البترول؟ إليكم السبب.  

زيت فول الصويا متجدد ويصدر مركبات أقل تطايراً

يتم تحديد مدى استدامة أي منتج اعتماداً على مصدر المواد الخام الأساسية التي يُصنع منها. يعتمد الحبر التقليدي على موارد غير متجددة قائمة على البترول، بينما يُصنع حبر الصويا من زيت فول الصويا، وبالتالي هو منتج نباتي متجدد بشكل طبيعي، كما تقول الحاصلة على كرسي الأستاذ الجامعي جوناثان بالكلي في النظم المستدامة في جامعة ميتشيغان، شيلي ميلر. 

وتضيف ميلر: «مثل معظم المنتجات الحيوية-المنتجات المشتقة كلياً أو في معظمها من مواد حيوية- فإن البصمة الكربونية لحبر الصويا أقل مقارنة بالحبر المصنوع من البترول بالنظر إلى أن النباتات تمتص وتخزّن الكربون في أثناء نموها، وبالتالي فهي تزيل الكربون من الغلاف الجوي».

اقرأ أيضاً: هل المنتجات الورقية مستدامة؟ تعرّف إلى قصة صناعتها

تقول المديرة الرئيسية للتسويق والاتصالات في جمعية فول الصويا الأميركية (ASA)، ويندي برانين: «ثم يتم تكرير هذا المنتج وخلطه مع راتنجات وشموع طبيعية صديقة للبيئة لصنع منتج حبر الصويا النهائي». 

أما الأحبار القائمة على البترول، فبالإضافة إلى اعتمادها على مصادر غير متجددة وارتفاع بصمتها الكربونية، تنتج هذه الأحبار مركبات عضوية متطايرة (VOCs) أكثر في أثناء جفافها. تقول ميلر: «المركبات العضوية المتطايرة عبارة عن مركبات كيميائية تتبخر من سطح الورق وغالباً ما تولّد رائحة كيميائية ملحوظة يمكن أن تؤثر على جودة الهواء وقد تكون ضارة بصحة الإنسان». وفي هذا الصدد، تقول وثيقة صادرة عن وكالة حماية البيئة الأميركية عام 1994 إن أحبار الصويا تصدر موادَّ متطايرة أقل من الأحبار البترولية بنسبة 80%.

تؤثر المركبات العضوية المتطايرة على صحة الإنسان والبيئة، حيث تؤدي إلى تهيج العين والأنف والحنجرة، وتزيد من تلوث الهواء بالأوزون. ووفقاً لبرانين، تشتمل المركبات المتطايرة من الأحبار البترولية على البنزين والتولوين والزيلين، كما أنها تحتوي على ألكانات وكميات قابلة للقياس من المعادن والهيدروكربونات. وتقول ميلر: «بالنسبة لأحبار الطباعة، من المرجح أن تكون لتقليل المركبات العضوية المتطايرة فائدة أكبر من خلال تقليل التعريض في مكان العمل مقارنة بفائدة ذلك للعملاء».

وتقول برانين إن حبر الصويا قابل للتحلل الحيوي ويمكن إزالته بسهولة أكبر من الورق، الأمر الذي من شأنه تسهيل إعادة تدوير الورق لأنه يجب إزالة الحبر أولاً من نفاياته قبل معالجتها وتحويلها إلى منتجات ورقية جديدة.

ومع ذلك، للمنتجات الحيوية آثار بيئية أيضاً. تقول ميلر: «يُزرع فول الصويا بطريقة الزراعة الأحادية، والتي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة وتُستخدم فيها مبيدات الآفات التي تقلل من التنوع الحيوي. كما أن زراعة المحاصيل لأغراض أخرى غير إطعام الجياع، مثل إنتاج الوقود الحيوي، تُثير أيضاً معضلات أخلاقية». وفقاً لتقرير صادر عام 2022 عن مؤسسة أبحاث "جرين أليانس" (Green Alliance) المستقلة، يمكن إطعام 3.5 مليون شخص سنوياً إذا توقفت المملكة المتحدة عن استخدام الوقود الحيوي القائم على المحاصيل الزراعية.

ووفقاً لدليل "مركز آيوا للحد من النفايات" (Iowa Waste Reduction Center) الصادر عام 1995، فإن حبر الصويا أغلى بنحو 2-5% من الأحبار البترولية. قد يكون فارق السعر هذا عاملاً يعيق التحول إلى صناعة الحبر الصديق للبيئة على الرغم من الحاجة إلى بيانات أحدث لمقارنة تكلفة كلا نوعي الحبر. يجب الأخذ بعين الاعتبار أيضاً أنه مع زيادة الطلب على المواد الطبيعية، سيزداد الاعتماد على المواد الطبيعية المعدّلة وراثياً غالباً (فول الصويا في هذه الحالة) لزيادة إنتاجها.

للطباعة بحبر الصويا مزايا بصرية

على الرغم من أن حبر الصويا يجف بشكلٍ أبطأ من الأحبار الأخرى ولا يُعتبر مثالياً لطباعة المجلات ذات الصفحات اللامعة، لكنه لا يزال يتمتع ببعض المزايا. على سبيل المثال، يتمدد حبر الصويا بنسبة تزيد على نسبة تمدد أحبار البترول بنحو 15%، أي يمكن طباعة نفس كمية الورق باستخدام كمية أقل من الحبر، الأمر الذي من شأنه تخفيض استهلاك الحبر وتكلفة التنظيف أيضاً. 

بالإضافة إلى ذلك، تقول برانين إن حبر الصويا ينتج ألواناً أكثر إشراقاً وحيوية من الحبر البترولي. نظراً لأن زيت فول الصويا أكثر صفاءً من الزيوت المشتقة من البترول، فإن إنتاج كثافة الطباعة المطلوبة يحتاج إلى كمية أقل من الأصبغة. توضح برانين: «نظراً لكثافة الألوان العالية التي ينتجها زيت فول الصويا، يتعين تقليل كمية الحبر للطباعة، ما يقلل من التكاليف. وبالإضافة إلى ذلك، يعتبر حبر الصويا الملون أكثر قدرة على مقاومة الكشط عند احتكاك يدي القارئ به».

في دراسة أجريت عام 2018 ونُشرت في مجلة "المواد الحيوية التطبيقية والمواد الوظيفية"، قارن المؤلفون بين جودة طباعة الأحبار المصنوعة من الزيوت النباتية والزيوت المعدنية المشتقة من البترول، وخلصوا إلى أن كلا الحبرين قد أظهرا جودة طباعة متشابهة، وبالتالي فإن اختيار الحبر يجب أن يعتمد على مدى تأثيره على صحة الإنسان والبيئة وسهولة استخدامه للطباعة وإعادة تدويره من بين أسباب أخرى. لذلك أوصت الدراسة بوجوب استبدال الأحبار المصنوعة من الزيوت المعدنية المشتقة من البترول بأحبار قائمة على الزيوت النباتية.

تتم حالياً طباعة أكثر من 90% من الصحف اليومية الأميركية باستخدام حبر الصويا الملون. ولكن بشكل عام، تستخدم نحو 33% من مطابع الصحف في البلاد فقط حبر الصويا. وبالإضافة إلى الصحف، تُطبع أحياناً منتجات أخرى مثل كتب وألبومات الأطفال- مثل ألبومات "كي-بوب"- بحبر الصويا أيضاً.

إذا كان المنتج يحمل ختم المصادقة "مطبوعاً بحبر الصويا"، فذلك يعني أنه يستوفي معايير حبر الصويا الخاصة بجمعية فول الصويا الأميركية (ASA)، والتي تنظم استخدام هذا الختم. تأمل برانين أن تشجّع مزايا حبر الصويا، مثل فوائده البيئية وسهولة استخدامه بالنسبة للطابعات والمستخدمين النهائيين، المزيد من البائعين على استخدامه. تقول ميلر: «ربما تكون كمية الحبر الموجودة في عبوة واحدة أو على ورقة واحدة ضئيلة جداً، ولكن التأثيرات البيئية الصغيرة تتراكم خصوصاً عندما ترتبط بمنتج مثل الحبر الذي يُستخدم في كل مكان». 

ومع ذلك، يجب ألا نركز على تحسين استدامة المنتجات ومواد التعبئة والتغليف دون الأخذ بعين الاعتبار معالجة المشكلات البيئية المرتبطة بالاستهلاك المفرط. يمكن أن تكون الإجراءات البسيطة، مثل شراء الكتب المستعملة أو عدم شراء الألبومات بكميات كبيرة، مفيدة جداً، خصوصاً عندما يلتزم الكثير من الناس بها. 

تقول ميلر أخيراً: «إذا قللنا من استهلاكنا، فإننا نقلل الحاجة إلى التغليف، وبالتالي نقلل من جميع التأثيرات البيئية المرتبطة به، بما في ذلك استهلاك الحبر».

المحتوى محمي