عندما تسمع ظاهرة الاحترار العالمي، فأول ما يتبادر إلى ذهنك هو ارتفاع درجة الحرارة، وذوبان جليد القطب الشمالي؛ ما يترتب عليه غرق المدن الساحلية. ليست هذه تأثيرات الاحترار العالمي والتغير المناخي فحسب، بل من الممكن أن يشمل تأثيره جوانب حياتنا كافة. نستعرض هنا بعضاً من تلك الآثار غير المشهورة المترتبة على الاحترار العالمي والتغير المناخي.
1. العالم أقل أماناً مما هو عليه الآن
في دراسة علمية أجراها باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ونشرت في أغسطس/ آب 2018، أظهر تحليل البيانات أن استمرار التغير المناخي حتى عام 2050 سيجعل من عالمنا مكاناً أقل أماناً مما هو عليه اليوم.
فقد وجدت الدراسة أن التعرض لدرجات حرارة أعلى يقلل من نشاط ضباط الشرطة ومفتشي سلامة الأغذية؛ ما يعني أن الظروف المناخية السيئة تؤثر في العاملين الحكوميين، وتقلل من نقاط الرقابة التنظيمية، وعمليات تفتيش سلامة الأغذية؛ فتزداد حوادث السيارات، مثلما تزداد انتهاكات سلامة الأغذية.
2. تربة الصحراء ستكون أكثر عرضة للتآكل
تربة الصحراء ليست خالية من الحياة، بل تغطيها طبقات من مستعمرات البكتيريا والطحالب والتي تشكل طبقات تسمى القشور الحيوية «Biocruss». تمنح هذه الطبقة التربة استقراراً ضد التآكل، وتغطي الأراضي الصحراوية الجافة أكثر من 40% من مساحة اليابسة، في حين تغطي أنواع القشور الحيوية ما يصل إلى 70% من تلك الأراضي.
كما تلعب تلك الكائنات الدقيقة دوراً حاسماً في دورات المغذيات والكربون والماء، مثلما أن نشاطها وصحتها تؤثر في استقرار التربة. ومع أن التربة تحمي تلك الكائنات الدقيقة إلى حدٍ ما من درجات الحرارة وتغيراتها اليومية، إلا أنه من المحتمل أن يتوقف مصير تلك الكائنات على الاحترار العالمي، وهذا ما خلصت إليه دراسة علمية نُشرت في دورية ساينس في عام 2013.
فوفقاً لتلك الدراسة الاستقصائية عن التربة القاحلة في الولايات المتحدة، لاحظ الباحثون أن هناك نوعاً من البكتيريا يهيمن على الأماكن ذات المناخ الحار، بينما هناك نوع آخر يتواجد في المناطق الأكثر برودة، وأشارت النتائج أن تلك البكتيريا المحبة للبرد قد تختفي من بيئتها مع ارتفاع درجة الحرارة. في حال حدوث اختفاء لتلك الكائنات من بيئتها، فهذا يعني أن التربة ستصبح أكثر عرضة للتآكل.
3. قتامة مياه البحر وزيادة أعداد قناديل البحر
في عام 2012، حلل بعض الباحثين من جامعة بيرغن آثار تدهور المؤثرات البصرية في المياه الساحلية النرويجية. فقد ازدادت قتامة مياه البحر في بحر البلطيق، وبحر الشمال، والمياه الساحلية في النرويج، ولاحظ الباحثون أن قتامة المياه تحدث نتيجة الإفراط في إنتاج المركبات العضوية، التي غالباً تكون نتيجة قلة أعداد الأسماك، وزيادة أعداد قناديل البحر.
ويساهم التغير المناخي في قتامة مياه البحار، لأنه يسبب أحياناً زيادة تساقط الأمطار؛ ما يزيد من المياه العذبة التي تختلط مع المياه الساحلية المالحة، فتجعلها أقل ملوحة وأكثر ضبابية، وفقاً للباحث الرئيسي "داج أكسنس" عالم الأحياء البحرية في جامعة بيرغن. بجانب أن زيادة تساقط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة تؤدي إلى زيادة تركيز المواد العضوية الملونة الذائبة في المياه العذبة، التي تختلط مع المياه الساحلية.
4- زيادة المعاناة من الحساسية
وفقًا لدراسة قدمها أخصائي الحساسية، ليونارد بيلوري، في الاجتماع العلمي السنوي للكلية الأميركية للحساسية والربو والمناعة (ACAAI) لعام 2012، من المتوقع أن يزيد عدد حبوب اللقاح بأكثر من الضعف بحلول عام 2040.
ووفقاً للدراسة، سوف تتسبب التغيرات المناخية في زيادة إنتاج حبوب اللقاح كل عام، وستتضاعف أعدادها في عام 2040. ومن المعروف أن حبوب اللقاح من أكثر مسببات الحساسية الموسمية، والمعروفة علمياً باسم التهاب الأنف التحسسي الموسمي.
5. زيادة الاضطرابات الجوية
يتوقع العلماء أن الاضطرابات الجوية الشديدة قد تزداد بحلول منتصف القرن، مع زيادة حركة النقل الجوي بسبب زيادة نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون.
فوفقاً لدراسة علمية نشرت في عام 2017 في دورية «Advances in Atmospheric «Sciences، من المتوقع أن يسرّع التغير المناخي من الاختلاف المفاجئ في سرعة الرياح واتجاهها بين نقطتين في الغلاف الجوي، وهو ما يسمى «رياح القص». حينئذ، تحدث حالة من عدم الاستقرار نتيجة هذه الاضطرابات الجوية في مجالات الطيران. وتشير نتائج الدراسة إلى أن معدل انتشار الاضطرابات الجوية في فصل الشتاء عبر المحيط الأطلسي ستزداد حدته مع التغير المناخي.
مما سبق يتضح أن الاحترار العالمي والتغير المناخي لن يتسبب في ذوبان الجليد وحسب، وهو الأمر الذي نعلمه جميعاً، بل سيؤدي إلى تآكل تربة الصحراء، وقتامة مياه البحار. كما سيعاني مرضى الحساسية بسبب زيادة أعداد حبوب اللقاح نتيجة الاحترار العالمي. لن تقتصر تلك الآثار على البر والبحر فقط، لكن ستمتد إلى الجو أيضاً لتؤثر في حركة النقل الجوي؛ نتيجة زيادة الاضطرابات الجوية. وسيصبح العالم بأسره مكاناً أقل أماناً مما هو عليه في الوقت الحالي، فتزداد حوادث الطرق، وانتهاكات سلامة الغذاء.