تغير المناخ يجرد المحيطات من الأوكسجين ويعرض الحياة البحرية للخطر

تغير المناخ يجرد المحيطات من الأوكسجين ويعرض الحياة البحرية للخطر
انخفاض نسب الأوكسجين له تأثيرات كبيرة في الميكروبات البحرية والحيوانات. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

انخفض مستوى الأوكسجين في محيطات العالم بنحو 2% منذ ستينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من أن هذه النسبة تبدو منخفضة، فإن الانخفاض المستمر في محتوى مياه المحيطات والمياه الساحلية من الأوكسجين، وهي ظاهرة تحمل اسم إزالة الأوكسجين، يمكن أن يغير النظم البيئية البحرية ويؤثر في التنوع الحيوي. تعود هذه الظاهرة بشكل رئيسي إلى الاحتباس الحراري وفرط المغذيات.

يتسبب انبعاث الغازات الدفيئة الناجم عن الأنشطة البشرية، مثل إزالة الغابات واستخدام الوقود الأحفوري، بحبس حرارة الشمس في الغلاف الجوي، ما يؤدي إلى تسخين الأرض والمحيط. يصبح الأوكسجين أقل قابلية للانحلال في الماء مع ارتفاع درجات الحرارة، ما يعني أن الماء الدافئ يحتوي على كمية أقل من هذا الغاز مقارنة بالماء البارد. يؤدي فرط المغذيات الناجم عن زيادة نسب المغذيات مثل النيتروجين والفوسفور من النشاطات الزراعية أو مياه الصرف إلى تحفيز تكاثر الطحالب، ما يؤدي بدوره إلى استنفاد الأوكسجين عندما تتحلل هذه الطحالب.

تأثير سلبي على الأحياء البحرية

تقول أستاذة علم المحيطات ودراسات الأراضي الرطبة ورئيسة القسم في جامعة ولاية لويزيانا، نانسي راباليه، التي تبحث في فرط التغذية الساحلي والبيئات المنخفضة الأوكسجين، إن عملية إزالة الأوكسجين تؤثر في الموارد الحية وتعطّل العمليات الجيوكيميائية الحيوية الطبيعية. تؤدي تراكيز الأوكسجين دوراً في معدلات تفكك المواد العضوية، وفي دوران العناصر المختلفة في البيئة. على سبيل المثال، قد تؤدي إزالة الأوكسجين إلى تعزيز عملية إعادة تدوير الفوسفور وتقليل كمية النيتروجين التي تفقدها التربة وتعزيز توفر الحديد، وكلها آثار يمكن أن تغيّر إنتاجية النظم البيئية الساحلية والمحيطية.

يؤثر فقدان الأوكسجين أيضاً على نحو بليغ في الميكروبات البحرية والحيوانات. يمكن أن تؤثر إزالة الأوكسجين في وفرة هذه الكائنات وتنوعها، وتقلل جودة المَواطن المناسبة لها وعددها، ويمكن أيضاً أن تؤثر في عملية التكاثر لديها. ليس بالضرورة أن يكون الانخفاض في نسب الأوكسجين كبيراً حتى يتسبب بحدوث تغييرات على مستوى النظام البيئي؛ إذ يمكن أن تؤدي الانخفاضات الطفيفة إلى تأثيرات كارثية فيما يدعى بمناطق الحد الأدنى من الأوكسجين التي قد تقترب نسب الأوكسجين فيها بالفعل من العتبات الفيزيولوجية.

اقرأ أيضاً: ما هو منشأ النفايات البلاستيكية المتجمّعة في رقعة نفايات المحيط الهادئ؟

عندما تفقد المحيطات الأوكسجين، تتعرض الكائنات البحرية للإجهاد وتصبح بحاجة إلى التكيف للبقاء على قيد الحياة، إذا كانت قادرة على ذلك. تقول مرشحة الدكتوراة في جامعة روتجرز، أنيا هيس، التي تدرس أكسجة المحيطات، إن الأنواع الحساسة بصورة خاصة للتغيرات في نسب الأوكسجين، مثل أسماك التونة وأسماك القرش، تُجبَر على الانتقال للعيش في المَواطن الضحلة مع توسع المناطق الفقيرة بالأوكسجين. تهدد إزالة الأوكسجين قدرة الأنظمة البيئية المحيطية على توفير الغذاء للبشر أيضاً، ما قد يؤدي إلى انخفاض معدل الأسماك التي يصطادها البشر في المسامك وانهيار المخزونات الإقليمية.

عكس العملية يستغرق وقتاً طويلاً

على الرغم من أن الأبحاث الجديدة تشير إلى أن ظاهرة إزالة الأوكسجين قد تنعكس في النهاية، فقد لا يحدث ذلك حتى المستقبل البعيد. نظرت هيس ومجموعة من الباحثين في دراسة حديثة نُشرت في مجلة نيتشر (Nature) في العصر الميوسيني الدافئ، منذ نحو 16-14 مليون سنة، عندما كانت درجات الحرارة وتراكيز ثنائي أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أعلى من اليوم، بهدف دراسة “ما يمكن أن يكون مثالاً يبين استجابة المحيطات للفترات الدافئة الطويلة”، حسب تعبيرها.

تبيّن نتائج هذه الدراسة أن المنطقة الاستوائية الشرقية من المحيط الهادئ، وهي منطقة تعاني من نقص كبير في الأوكسجين (أو منطقة “ميتة”) وتفقد الأوكسجين مع ارتفاع درجات الحرارة، كانت غنية بالأوكسجين في ذلك الوقت، ما يشير إلى أن عكس عملية إزالة الأوكسجين يمكن أن يستغرق وقتاً طويلاً للغاية مع استمرار احترار المناخ.

تتنبأ النماذج المناخية الموصوفة في دراسة نُشرت عام 2018 في مجلة غلوبال بايوجيوكيميكال سايكلز (Global Biogeochemical Cycles) بأن تركيز الأوكسجين قد يبدأ بالزيادة، وأن المناطق الفقيرة بهذا الغاز في المحيط يمكن أن تبدأ بالانكماش بحلول عام 2150 حتى عام 2300، وذلك بسبب انخفاض ما يدعى بإنتاج الصادرات الاستوائي، وهو إمدادات المغذيات من داخل المحيط، بالإضافة إلى زيادة تهوية المحيطات أو انتقال المياه السطحية إلى المناطق الداخلية من المحيط. لكن الأنظمة البيئية البحرية تواجه بالفعل تأثيرات مختلفة اليوم، والانتعاش صعب لأن إزالة الأوكسجين يمكن أن تعيد ترتيب الشبكات الغذائية، ويمكن أن تصبح الكائنات الحية التي لا تستطيع تجنب المناطق المنخفضة الأوكسجين خاملة وقد تموت.

تقول هيس: “لا أعتقد أننا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي لنرى ما إذا كانت ظاهرة إزالة الأوكسجين ستنعكس مع استمرار ارتفاع درجة الحرارة. نحن نعلم أن ارتفاع درجات الحرارة يتسبب في إزالة الأوكسجين من المحيطات، ونعلم ما علينا أن نفعل إذا أردنا إيقاف ذلك، وهو تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة”.

اقرأ أيضاً: هل يساهم التغير المناخي في إعادة تشكيل النظم البيئية؟

يستطيع صانعو السياسات أيضاً إجراء برامج مراقبة طويلة الأجل على مستوى العالم لدراسة قياسات الأوكسجين، ما سيساعد على تحديد الأنماط والتنبؤ بالاستجابات الحيوية. عموماً، قد تنعكس ظاهرة إزالة الأوكسجين في المستقبل، ولكن اتخاذ خطوات للتخفيف من آثار التغير المناخي والتحكم في فرط المغذيات سيفيد البشر والنظم البيئية البحرية في الوقت الحاضر.