تقرير التغير المناخي الأخير مرعب، ولكنه يحمل بصيصاً من الأمل

6 دقائق

لا بد من أنكم رأيتم عناوين الصحف والمجلات المليئة بالعويل حول يوم القيامة المناخي الذي يقترب منا بأسرع مما كنا نعتقد. فعندما أصدرت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية (IPCC) تقريرها حول التغير المناخي مؤخراً، كانت الرسالة المتجهمة واضحة لدرجة لفتت نظر العالم بأسره: هذه هي فرصتنا الأخيرة للتعامل مع التغير المناخي بجدية قبل أن يفوت الأوان.

بطريقة ما، فإن هذا التقرير المليء بالتوقعات الكئيبة حول نهاية العالم يعتبر من أسوأ ما شهده العام 2018، حيث يتصف بالدرامية واليأس، ويرسم صورة لا يمكن تخيلها دون ألم: صورة عالم يختفي فيه الجليد البحري تماماً مرة في كل عقد، وتختفي فيه الحياد المرجانية بشكل كامل، ويحمل فيه أكثر الناس فقراً وضعفاً على وجه الأرض العبء الأكبر من الكارثة المناخية.

ولكن قبل أن نضمحل تحت أمواج البحر الذي سيرتفع مستواه بسبب ذوبان الجليد، قد تلفت نظرنا ناحية إيجابية مفاجئة في التقرير؛ حيث إنه في الواقع يحتوي على الكثير من الأخبار الجيدة، بل تكمن في جوهره رسالة إيجابية: يمكننا أن نوقف الكارثة المناخية الآن. وسنرى كيف، ولماذا.

ما هو تقرير اللجنة الدولية للتغيرات المناخية IPCC على أي حال؟

هذا التقرير الضخم الذي كتبه الكثير من علماء المناخ من كافة أنحاء العالم يعتمد على أكثر من 6,000 دراسة علمية، وإذا رغبت في قراءة نسخة أخف يمكنك الاطلاع على التقرير الإجمالي المؤلف من 34 صفحة، والمخصص لصانعي القرار.

إنه طويل للغاية، ولم أقرأه. ما الذي يتعين عليَّ معرفته من هذا التقرير؟

إليك ملخص التقرير باختصار: سترتفع حرارة الكوكب عما كانت عليه في بداية الثورة الصناعية بمقدار كبير يصل إلى 1.5 درجة مئوية بسبب البشر، وفي وقت أقل مما كان متوقعاً. وستكون عواقب هذا الارتفاع وخيمة، غير أنها أفضل بكثير من الارتفاع بمقدار درجتين.

من المرجح أنك سمعت بهذا الرقم؛ ففي اتفاقية باريس، اتفقت معظم بلدان العالم على محاولة إبقاء ارتفاع الحرارة عند درجتين مئويتين أو أقل في هذا القرن، ومحاولة التخفيف قدر الإمكان من الاحترار. ومن الجدير بالذكر أن الرئيس الأميركي ترامب سحب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق.

هل من الممكن فعلياً لجم جماح الاحترار العالمي؟

ضمن اجتماع تعريفي حول التقرير، قال أحد مسؤولي الأمم المتحدة إن "من الممكن ضمن حدود الفيزياء والكيمياء" أن نُبقي زيادة الحرارة تحت درجة ونصف.

ولكن لتحقيق هذا الهدف، يقول التقرير إن العالم يجب أن يتخذ إجراءات جدية قبل 2030، ويجب مواجهة التغير المناخي بأسلوب واسع النطاق، ويتسم بالتركيز والاستدامة، وذلك للمحافظة على الاحترار تحت العتبة الحرجة.

لم أقتنع بعد

قد يبدو هذا مفاجئاً، ولكن ما زال أمام العالم بعض المجال للمناورة فيما يتعلق بمشكلة انبعاثات غازات الدفيئة. يمكنك أن تشبه الخرج الكربوني بسحب النقود من محفظة العالم، فإذا كانت انبعاثات الكربون تمثل النقود، فلم يبقَ سوى القليل داخل المحفظة، ونحن على وشك الإفلاس، أو ما نسميه في هذه الحالة: التغير المناخي اللاعكوس. والآن يجب أن نفكر في كيفية إنفاق آخر ما لدينا بحكمة، وحتى إن كنا سننفقه.

لكن في الواقع فإن مقدار "النقود" المناخية المتبقية في المحفظة موضوع جدل حاد، وتشير تقديرات اللجنة إلى أننا يجب أن نُصدر على مستوى العالم ما لا يتجاوز 570 مليار طن من الكربون إذا أردنا الحصول على فرصة اثنين من ثلاثة لتجنب زيادة حرارية تفوق الدرجة والنصف قبل 2030، كما أن الفرص تنخفض إلى النصف إذا أصدرنا 770 مليار طن، وتصبح واحداً من ثلاثة إذا أصدرنا 1,080 مليار طن.

حسناً، لم نصل إلى نهاية الطريق بعد، ولكن هل من الممكن أن نضغط على المكابح بما يكفي؟ ستبقى الآليات الفيزيائية والكيميائية للتغير المناخي على حالها، بغض النظر عن مقدار الانبعاثات. فعندما نصدر ثنائي أكسيد الكربون -على الأغلب بسبب حرق الوقود الأحفوري مثل الغاز والفحم- فإن معظمه يعلق في الغلاف الجوي، حيث يمتص الأشعة تحت الحمراء من الشمس؛ ولهذا ترتفع حرارة الغلاف الجوي والعالم من أسفله.

تقوم ما تسمى مصرِّفات الكربون (مثل الغابات والمحيطات)، بامتصاص شيء من ثنائي أكسيد الكربون وغيره من غازات الدفيئة، ولكن مع احترار الكوكب، تتناقص فعالية هذه المصرفات. وبسبب الغلاف الجوي المحترِّ يذوب الجليد القطبي، وترتفع مستويات سطح البحر، وتتزايد موجات الحر والجفاف، ويصبح الطقس أكثر عنفاً.

 

كم بقي من الوقت أمامنا، وما كمية ثنائي أكسيد الكربون التي يمكن أن نصدرها؟

في السنة الماضية، أصدر العالم كمية إجمالية من ثنائي أكسيد الكربون تقدر بحوالي 32.5 مليار طن. وإذا واصلنا إصدار هذه الكمية سنوياً، فسوف نقضي على فرصتنا بالسيناريو الأفضل بحلول العام 2036، مما يعني أنه ليس أمامنا الكثير من الوقت، خصوصاً أن هذه الأهداف ليس مؤكدة. كما أنه ليس أمامنا أية فرصة أخرى، فبمجرد أن تنتهي هذه (الميزانية) لن يكون هناك مجال لعودتها على الإطلاق. ومن البديهي أن الخيار الأفضل سيكون تخفيض الانبعاثات الكربونية بشكل كبير، وتخفيض اتكالنا على الوقود الأحفوري مثل الفحم بشكل كلي، وتجنب ارتفاع الحرارة حتى بمقدار درجة ونصف.

هذا يبدو بسيطاً إلى درجة... مخيفة

إن فكرة ميزانية الكربون مثيرة للجدل، وبما أن الأنظمة المناخية شديدة التعقيد، فلا شك أن التفكير في التغير المناخي بهذه الطريقة ينطوي على مبالغة كبيرة في التبسيط، ولكن الرسالة واضحة: كلما خففنا من ضخ غازات الدفيئة في غلافنا الجوي، خفَّت فرصة تدميرنا لموطننا. ونحن لم نبدأ بالعمل الجدي حتى الآن، ولكن إذا كنا مستعدين لتغيير سلوكنا، فقد نتمكن من إنقاذ الكوكب.

ألم أسمع هذا الكلام من قبل؟

إذا كان هذا يبدو مألوفاً بالنسبة لك فهو أمر متوقع؛ لأنه يعبر عما يقوله علماء المناخ منذ عدة عقود، حيث يقول ديفيد آرتشر (وهو بروفسور في قسم علوم الأرض في جامعة شيكاغو، ومؤلف عدة كتب حول التغير المناخي): "لقد توقع العلم منذ عدة عقود ما نشهده حالياً من تغيرات في الحرارة والمناخ. وإذا صح التوقع الذي أطلقته، فهذا دليل على مصداقيتك وصحة أسلوبك في العمل".

ما الذي يمكننا توقعه؟

ليست هناك وسيلة واحدة ومؤكدة لوضع حد للاحترار عند درجة ونصف، وليس من المؤكد ما سيحدث عندما نصل إلى هذا الحد. وتركز اللجنة المشتركة على سيناريوهين: أولهما يتضمن استقرار الحرارة العالمية حول زيادة درجة ونصف الآن، وينطوي الآخر على وصولنا إلى هذه العتبة عند منتصف القرن تقريباً، ومن ثم تجاوزها، والتمكن من لجم ارتفاع الحرارة عن طريق تطبيق تقنيات احتباس الكربون، وإنشاء الكثير من المصرفات الكربونية الجديدة.

هل من الواقعية أن نفكر في إمكانية تخفيض الحرارة إذا تجاوزنا عتبة الدرجة والنصف؟

يحذر العلماء (مثل آرتشر) من هذا السيناريو الثاني؛ فإذا تجاوزت حرارة الأرض الحدَّ الجديد الأكثر انخفاضاً، فقد نشهد العديد من الظواهر المرعبة (مثل ذوبان الجليد المتفلت)، مما يزيد من صعوبة السيطرة على الاحترار، كما يقول: "إن تجاوز الحد أمر شديد الخطورة. فما أن تنطلق الظواهر المرافقة له، لن يعود من الممكن إيقافها".

ولكن أين الأخبار الجيدة وسط كل هذه الكوارث؟

لن يكون من السهل كبح هذا السباق نحو المجهول، وسيتطلب جهوداً هائلة ومنسقة، وتغييراً شاملاً في سلوكنا على الصعيد الشخصي والسياسي والعالمي. ولكن التفاؤل أمر أساسي، كما تقول لورين فيلدمان (وهي بروفسورة مساعدة في دراسات الميديا في جامعة روتجرز): "إذا كانت جميع الأخبار سيلاً متواصلاً من الخوف وسيناريوهات نهاية العالم، فسوف يحجم الناس عن الإصغاء إليها في نهاية المطاف".

كيف يمكنني أن أقدم المساعدة؟

تقول فيلدمان (التي تدرس كيفية تأثير الميديا على السلوك الفردي فيما يتعلق بالتغير المناخي) إن الناس يتجاوبون مع دعوات التحرك والمشاركة أكثر من صرخات الخوف. وهذا يعني أن من المهم أن نركز على قدرة الأفراد على إحداث تغيير ما، وكيفية تحقيق هذا.

أولاً: يمكن فعل الكثير في المنزل، و تنصح اللجنة باختيار الأطعمة التي تتطلب مساحات أقل للزراعة، وتنتج مقادير أقل من الانبعاثات، أي التركيز على الأغذية المحلية والموسمية، والتقليل من اللحوم والحليب. ويمكن أيضاً للفرد أن يُحدث تغييراً إيجابياً بالتخفيف من فضلات الطعام، وتجفيف الغسيل بنشره على الحبل، والعمل من المنزل.

ويمكنك أيضاً أن تؤثر عن طريق محفظتك؛ وذلك باختيار أدوات منزلية ذات فعالية عالية في استهلاك الطاقة، ومواد البناء الصديقة للبيئة، والتقليل من السفر بالطائرات والاعتماد على وسائل النقل العامة قدر الإمكان. وبالضغط على الشركات الكبيرة حتى تزيد من فعالية استهلاك الطاقة في منتجاتها، وتخفف من مساهمتها في التغير المناخي، يمكنك أن تساعد على تخفيض إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة.

لا تقلل من قدر تأثيرك السياسي أيضاً؛ حيث إن الحكومات المحلية وحكومات الولايات تتخذ قرارات هامة حول الكثير من الأمور، بدءاً من النقل العام ووصولاً إلى التصدي للفيضانات ودعم الزراعة، وجميع المسائل التي يمكن أن تسهم في تخفيض الانبعاثات واستهلاك الوقود الأحفوري، وتساعد على التكيف مع المناخ المتغير.

وإذا كنت تشعر بالخيبة تجاه تغيير الحكومة الفدرالية لسياساتها البيئية وانسحابها من اتفاقية باريس، فيمكنك أن تؤثر في السياسات على المستوى الفدرالي، وذلك بتمويل المرشحين ذوي السياسات الصديقة للبيئة، والضغط على ممثليك في الكونجرس لإيقاف الانسحاب من اتفاقية باريس، والتصويت للمرشحين السياسيين المستعدين للتعاون مع بقية العالم حول التغير المناخي.

يبدو هذا صعباً

هل بدأت تشعر بالإرهاق منذ الآن؟ لا تستسلم. تقول فيلدمان: "أعتقد أننا يجب أن نتقبل ونتفهم خطورة الوضع إلى حد ما. ولا شك في أن الأميركيين مثلاً سيتساءلون عما يمكن فعله في هذه الحالة، ولكن يمكنهم أن يضغطوا على الشركات، ويمكن أن يضغطوا على الحكومة. وبالمختصر: يمكنك -وأنت فرد- أن تُحدث أثراً".

قد يكون من المخيف أن نواجه الأثر العارم للتغير المناخي، والتغييرات الكبيرة التي يجب أن نحققها حتى نوقفه، ولكننا قادرون على التحكم في مصيرنا على هذا الكوكب، وهو خبر رائع إذا كنا مستعدين للارتقاء إلى مستوى التحدي. يقول آرتشر: "إنه أمر بالغ السوء، ولكنه ليس حكماً نهائياً، فالقصة لم تنتهِ بعد".

المحتوى محمي