مستقبل الغذاء: تقنيات الزراعة المائية من دون تربة

7 دقائق
الزراعة المائية بدون تربة
مصدر الصورة: شترستوك/بلودوغ ستديو

تشتهر الزراعة المائية بدون تربة بأنها متعددة الاستخدامات ولا تحتاج لوجود تربة، كما أنها تقنية مناسبة للاستخدام في البلدان النامية لأنها تنتج الغذاء بكفاءة في المناطق القاحلة والجبلية، أو على سطوح المنازل في المدن، أو بعبارةٍ أخرى، في أي مكان تقريباً. ففي المناطق السياحية ذات الكثافة السكانية العالية توقفت الزراعة التقليدية بسبب ارتفاع أسعار الأراضي فيها؛ وهذا ما أدى إلى تقويض الزراعة التقليدية، يمكن للزراعة المائية أن توفر محاصيل مخصصة؛ أي أنواع محددة حسب الرغبة، مزروعة محلياً وذات قيمة غذائية عالية.

تاريخ الزراعة المائية

استخدمت العديد من الحضارات المختلفة عبر التاريخ تقنيات الزراعة المائية. ووفقاً لما ورد في كتاب "إنتاج الغذاء من الزراعة المائية" (Hydroponic Food Production) من تأليف هاورد ريش، فإن الحدائق المعلقة في بابل، والحدائق العائمة لشعب الأزتيك في المكسيك، وحدائق الصينيين هي أمثلة على ثقافة الحدائق المائية. كما أن السجلات الهيروغليفية المصرية التي يعود تاريخها إلى مئات السنين قبل الميلاد وصفت نمو النباتات في الماء. وفي حين أن الزراعة المائية هي طريقة قديمة لزراعة النباتات، فقد تم اتخاذ خطوات عملاقة على مر السنين في هذا المجال المبتكر للزراعة لتطويره مع تزايد الحاجة إليه.

على مدار القرن الماضي، جرب العلماء ومختصو البستنة (علم البساتين) طرقاً مختلفةً للزراعة المائية. وكان أحد التطبيقات المحتملة للزراعة المائية التي دفعت البحث؛ هو زراعة المنتجات الطازجة في المناطق غير الصالحة للزراعة أو المناطق ذات التربة القليلة أو المنعدمة. كما تم استخدام الزراعة المائية خلال الحرب العالمية الثانية لتزويد قوات الحلفاء المتمركزة في الجزر غير الصالحة للزراعة في المحيط الهادئ بالمنتجات الطازجة المزروعة في أنظمة الزراعة المائية المُنشأة محلياً.

ثم لاحقاً، تم دمج الزراعة المائية مع برنامج الفضاء. فنظراً لأن وكالة ناسا تدرس الجوانب العملية لبناء محطةٍ على كوكب آخر أو على القمر، فإن الزراعة المائية تتلاءم بسهولة مع خطط الاستدامة الخاصة بها. وبحلول سبعينيات القرن الماضي، لم يكن العلماء والمختصون هم فقط من شاركوا في الزراعة المائية. إذ بدأ المزارعون التقليديون والهواة في الانجذاب إلى مزايا الزراعة المائية.

ما هي الزراعة المائية؟

تقنيات الزراعة المائية
مصدر الصورة: شترستوك/فلوكي

يأتي مصطلح "الزراعة المائية" الإنجليزي (Hydroponics) من التكوين اليوناني القديم لكلمة "hydro"، وتعني الماء، و"Ponics"، وتعني العمل. أي تعمل المياه هنا وتمكّن النباتات من النمو السريع.

الزراعة المائية هي تقنية زراعة النباتات بدون تربة، حيث يتم توفير العناصر الأساسية لنمو النباتات وتطورها من خلال محلول مغذي يوفر باستمرار جميع العناصر الغذائية التي تحتاجها النباتات بمقادير دقيقة.

إن القدرة على الاستغناء عن التربة وبدلاً من ذلك استخدام المواد العضوية مثل البيرلايت أو جوز الهند أو الصوف الصخري أو حبيبات الطين أو الطحالب أو الفيرميكوليت، قد وفر فوائد عديدة للمزارعين في كل مكان. إذ تنتج المحاصيل بوفرة نتيجة السماح لجذور كل نوعٍ من النبات بالتلامس المباشر مع محلول المغذيات، وهذا ما يسمح بوصول المزيد من الأوكسجين إلى الجذور مقارنة بالزراعة في التربة.

يفضل إجراء عمليات الزراعة المائية في بيئةٍ زراعية دفيئة، حيثما توجد منشآت تجارية أو مصانع تعمل على إنتاجٍ واسع النطاق. ولكن من الممكن أيضاً أن يكون لديك حدائق خلفية مائية صغيرة، أو على الشرفات أو في مطبخ منزلك، وذلك بفضل بساطة الهيكل المطلوب لاستزراع محصولٍ صغير.

أنظمة الزراعة المائية المتعددة

تقنيات الزراعة المائية
مصدر الصورة: شترستوك/نيكولاي_إي

الزراعة المائية هي تقنية معقدة. وهناك العديد من التقنيات التي يمكنك استخدامها لضمان وصول المحلول الغذائي إلى نباتاتك، وهي تختلف من حيث التكلفة ومستوى التعقيد. كما أن هناك أدناه ست تقنيات مختلفة للزراعة المائية بدون تربة.

1- آلية المياه العميقة

تُعرف أيضاً هذه التقنية باسم طريقة الخزان، ويُعتقد أن تقنية المياه العميقة هي أسهل طريقة لإدارة الزراعة المائية. إذ يتم تعليق الجذور مباشرةً داخل محلول المغذيات، ويجب على المزارعين استخدام مضخة هواء الحوض لتزويد المحلول بالأكسجين حتى لا تغرق النباتات.

2- نظام القنوات المغذية

تتضمن هذه التقنية زراعة النباتات في أنابيب محددة، يتم من خلالها توزيع محلول من الماء والمغذيات الذائبة المتوازنة وفقاً لاحتياجات كل نوع نباتي.

ويحتوي هذا النظام على خزان لمحلول المغذيات. ومن الخزان يُضخ محلول المغذيات إلى أعلى منصة الزراعة، ويمر عبر القنوات ويتم تجميعه في الجزء السفلي من الشبكة، قبل العودة إلى الخزان في نظام مغلق. ويوفر هذا النظام ما بين 80 إلى 90% من المياه مقارنة بالزراعة التقليدية.

3- تقنية المغذيات

تعتمد هذه الطريقة على امتصاص الأكسجين من الهواء عن طريق تشغيل تدفق مستمر من محلول المغذيات على جذور النباتات. ولتنفيذ هذه الطريقة بشكلٍ صحيح، يجب أن تنمو النباتات على ميلٍ طفيفٍ يسمح للمحلول بالتدفق للأسفل. وعلى الرغم من أن هذا قد يشكّل عائقاً خلال تنفيذ العملية، إلا أن معدل النمو المتزايد يجعل الأمر يستحق العناء.

4- تقنية "الأيروبونيك" (Aeroponics)

تعتمد تقنية الأيروبونيك على تعليق الجذور في الهواء ورشها بالمحلول المغذي. ويمكن تعزيز طريقة النمو هذه من خلال القيام بذلك عن طريق تزويد الجذور به من خلال فوهة الرش الدقيقة.

5- تقنية الجزر والتدفق

تُعرف هذه التقنية أيضاً باسم نظام الفيضان والصرف، و هي تتطلب غمر منطقة النمو على فتراتٍ زمنية محددة بناءً على جهاز توقيت. وبين فترات الغمر، يتم تصريف محلول المغذيات مرة أخرى في الخزان. وتعتبر هذه التقنية تقنية ذات مستوى متوسط من التعقيد ​​ولا تتطلب الكثير من الماء.

6- تقنية التنقيط

أخيراً، في نظام التنقيط، يتم توزيع محلول المغذيات ببطء وبشكلٍ تدريجي على وسط الزراعة المائية باستخدام وسط تسريب بطيء، مثل: الصوف الصخري أو جوز الهند أو الطحالب؛ وجميعها وسائل لا تسمح سوى بمرور الكم اليسير جداً من الماء إلى المحاصيل.

فوائد الزراعة المائية

تقنيات الزراعة المائية
مصدر الصورة: شترستوك/بايو ويدي نوغرهو

يمكننا تلخيص أهم فوائد الزراعة المائية فيما يلي:

تسريع النمو

أهم سؤال يطرحه كل مهتم بتقنيات الزراعة المائية هو "هل تنمو نباتات الزراعة المائية بشكلٍ أسرع؟" الإجابة عن هذا السؤال المهم هي "نعم".

لقد ثبت أن النباتات تنمو بشكلٍ أسرع وأكبر لأن الحصول على العناصر المغذية من محيطها يتطلب طاقةً أقل عندما تُزرع مائياً، فيتم تسخير تلك الطاقة التي كانت ستبذلها الجذور في عملية البحث عن الماء والمغديات في النمو. كما تتم تغذية النباتات قسراً بكل ما تحتاجه لتنبت في أفضل صورة. وعلاوةً على ذلك، تختفي مقاومة التربة الفيزيائية لنمو النباتات وصعودها نحو الأعلى، ما يقلّص مدة النضوج.

تطلّب أقل للموارد

لقد ثبت أن النباتات التي تعمل على نظام الزراعة المائية تستخدم 10% فقط من المياه التي يمكن أن يستخدمها النبات المزروع في الحقول. وتحدث هذه الظاهرة بسبب وجود نظامٍ مغلق، وبالتالي يكون هناك تسرّب أقل في عملية تغذية النباتات. كما يتميز هذا النوع من الزراعة ببصمة كربونية أقل من تلك التي لدى الزراعة التقليدية، فضلاً عن استخدام أقل للطاقة مقارنةً بالحلول الداخلية الأخرى؛ كالبيوت البلاستيكية.

انخفاض التداخل ونمو نباتات غير مرغوب بها

هناك العديد من الفوائد الإضافية لاستخدام الزراعة المائية، منها عدم وجود هائلة. أولاً، لا توجد حشائش، كما أن الآفات أقل، والأمراض نادرة. وذلك لأن النباتات يتم الاحتفاظ بها في منطقة خاضعة للرقابة ولا وجود للتربة فيها؛ التي تحمل الكثير من الفطريات والعوامل الممرضة. ونتيجةً لذلك تنخفض متطلبات المبيدات الحشرية بشكلٍ كبير.

وعلاوةً على ما سبق ذكره، فإن أنظمة الزراعة المائية تخضع لتبخر أقل، ويتم التحكم فيها بدرجة أكبر، أي بعوامل مثل: درجة الحرارة والرطوبة وتكوين الهواء، وهذا ما يجعلها أفضل للبيئة نظراً لتقليل التلوث والنفايات.

لكن ومع ذلك، فإن الزراعة المائية ليست دائماً الخيار الأفضل لجميع المزروعات. بطبيعة الحال، ستكون هناك تكاليف أعلى في نظامٍ يكون لديك فيه الكثير من الاعتبارات أكثر من مقارنة بزراعة النباتات في التربة. كما يمكن أن يستغرق إعداد نظام الزراعة المائية وإنشائه وقتاً طويلاً للغاية، وهناك دائماً قلق من وقوع حدثٍ غير متوقع، مثل فشل المضخة الذي قد يضر بالنباتات. وأخيراً، لا يزال المزارعون بحاجة إلى توخي الحذر بشأن كيفية التحكم في محلول المغذيات ومستويات الأس الهيدروجيني.

الجهود العربية في الزراعة المائية

تقنيات الزراعة المائية
مصدر الصورة: شترستوك/تاناكورنسار

تبقى الزراعة إحدى الركائز الأساسية لأي دولة، واستقرارها الزراعي يعني ضمان استقرارها الغذائي بنسبةٍ كبيرة، وفي جهود الحكومات والمؤسسات الخاصة في تعزيز القطاع الزراعي للحفاظ على الأمن الغذائي، ومواكبة التقدم التكنولوجي حول العالم. فيما يلي، بعض المبادرات الرائدة في مجال الزراعة المائية في المنطقة:

مشروع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم التقنية

عملت المدينة مع الجهات المعنيّة على لتطوير سياسات زراعيّة للمساهمة في الوصول إلى الاستهلاك الأمثل للمياه في القطاع الزراعي، كما دعمت الأبحاث المتعلقة بنقل التقنيات الزراعيّة التنافسيّة الصديقة للبيئة وتوطينها وتطويرها لخدمة التنمية الزراعيّة المستدامة في المملكة، ودعم إضافة إلى مساهمتها في دعم الاقتصاد الزراعي السعودي للاستمرار في توفير مصادر غذائيّة متنوّعة محلية بدلاً من المستوردة، حيث تعد السعودية من أكبر الدول المستوردة للشعير نتيجة قلة الموارد المائية لديها، حيث تستهلك 40% من إنتاج العالم من الشعير لتغطية الاحتياج المتزايد من الثروة الحيوانية.

ونظراً للزيادة المضطردة لأسعار الشعير في السنوات القليلة الماضية ولتحقيق الأمن الغذائي في المملكة وعدم الاعتماد على الاستيراد، عملت المدينة على تطوير تقنيات تستخدم كميات محدودة من المياه تحل محل الزراعة التقليدية، مثل: تقنيات الزراعة المائية باستخدام التقنيات الحيوية، التي تعتمد على تدوير المياه في غرف مقفلة وبيئة محكمة لا تتأثر بالأجواء الخارجية، وتتم الزراعة فيها على شكل رفوف، وتعمل بالطاقة الشمسية، وتمتاز بغزارة في الإنتاج بالنسبة للمساحة المربعة مع استهلاك كمية قليلة من المياه والطاقة.

كما تعمل المدينة على إيجاد مصادر بديلة تستخدم كميات محدودة من المياه، تحل محل المحاصيل العلفية مثل نبات عشب البط المائي، الذي يتميز بسرعة التكاثر وغزارة في الإنتاج، ويحتوي على نسبة بروتين تتراوح بين 35-45%. ويوجد هذا النبات في بعض أودية محافظة الطائف والمنطقة الغربية الجنوبية من المملكة، وسيتم زراعته في واحة العلوم والتقنية بمحافظة الطائف. إذ يهدف المشروع إلى تطوير تقنيات لزراعة وإنتاج وحصاد عدس الماء ذي جودة عالية من البروتين بأقل تكلفة.

تم خلال المرحلة الأولى من المشروع عمل مسح بيئي لنبات عدس الماء في المنطقة الجنوبية الغربية من المملكة، وزراعة النبات في المعمل لدراسة خصائصه الكيميائية والفيزيائية. وفي المرحلة الثانية تم زراعة النبات في قنوات مائية داخل البيوت المحمية في محطة أبحاث المدينة بالمزاحمية وكانت النتائج واعدة، حيث تم إنتاج كيلوجرام واحد من عدس الماء في المتر المربع، كما تم أخذ العينات من النبات والماء لعمل التحاليل اللازمة. أما في المرحلة الثالثة فسيتم زراعة النبات على نطاق واسع من خلال إنشاء ثلاثة أحواض على شكل قناة طول الواحدة منها 300 متر وعرضها 30 متراً وعمقها 30 سم.

النموذج المصري

لطالما كان الماء أحد أهم عناصر الحياة في مصر، وخاصةً في السنوات الأخيرة، مع تفاقم أزمة ملء سد النهضة في أثيوبيا، هذا ما دفع المشرّعين والمزارعين على حد سواء إلى بدء النظر في الحلول الأخرى على الطاولة. وعليه، بدأت تنتشر، خلال السنوات القليلة الماضية، فكرة الزراعة المائية بدون تربة على نطاقٍ محدود فى العديد من المدن والقرى بالمحافظات في مناطق هرم سيتي بمدينة السادس من أكتوبر، والإسماعيلية، ووادى النطرون، ومدينة السادات، وجمعية عرابي، وبرج العرب بالإسكندرية، فضلا عن إنشاء 36 مزرعة بتمويل من مؤسسة الإيفاد وبالتعاون مع منظومة تطوير الريف المصري والعديد من المزارع الصغيرة التي أنشأها بعض الشباب، وهناك نحو 10 مزارع تجارية كبيرة على مستوى البلد.

ومن أبرز هذه المشاريع كان مشروع «ابن الجمهود»؛ حيث أنشأ الشاب مصطفى الفيومي مشروعه على مساحة 13 فداناً زراعياً، وبلغت تكلفة المشروع نحو مليون و 250 ألف جنيه. وحقق إنتاج نحو 26 ألف نبتة، من مختلف أنواع الورقيات في الدورة الزراعية الواحدة معتمدا على البذور الهولندية للوصول إلى منتجٍ آمن ونظيف وبدون استخدام مبيدات، و منها: خس الأوكليف الأحمر والأخضر؛ بينما تجرى الاستعدادات لزراعة السبانخ والكيل والجرجير.

المزارع المائية في الإمارات

تنتشر في دولة الإمارات العربية المتحدة العديد من المزارع التي تعتمد في إنتاج محاصيلها الزراعية على تقنية الزراعة المائية، كما أنها تحظى بدعمٍ كبير من قِبَل الدولة يشمل تسهيل القروض الزراعية والمعدات وتوفير أفضل الخدمات بالقرب من مزارعهم. أدناه أبرز مزارع شركات الزراعة المائية في الإمارات:

  • مزارع بادية.
  • مزارع الإمارات المائية للخضار.
  • مزارع مدار.

الخلاصة، توفر المزارع المائية مساراً نحو عادات غذائية أكثر استدامة تعطي الأولوية لصحة طعامنا وأجسادنا وبيئتنا دون الاستخدام المكثف للمواد الكيميائية. ولم يعد اعتماد هذه التقنيات حلماً بعيد المنال، إذ يتم بالفعل دمج تقنيات الزراعة المائية بدون تربة بسرعة في شبكات الغذاء الحالية في العديد من أنحاء العالم.

المحتوى محمي