تلوث الهواء الناتج عن زراعة الذرة ربما يتسبب في آلاف الوفيات سنوياً

3 دقائق
صمم فريق من جامعة مينيسوتا نموذجاً لقياس تأثير الانبعاثات الناتجة عن زراعة الذرة وقارنوا بينه وبين حالات الوفاة المحلية المرتبطة بالتلوث، فوجدوا بينهما علاقة مثيرة للتأمل.

في دراسة جديدة نشرت الأسبوع الماضي في دورية نيتشر، وجد الباحثون أن حزام محصول الذرة في الولايات المتحدة الأمريكية يساهم في حدوث آلاف الوفيات كل عام عن طريق تلوث الهواء.

صمم العلماء من جامعة مينيسوتا نموذجاً لقياس تأثير الانبعاثات الناتجة عن زراعة الذرة، والمقارنة بينها وبين حالات الوفاة المحلية المرتبطة بالتلوث. ووفقاً لهذا النموذج، قدّر العلماء حدوث ما يقرب من 4300 حالة وفاة سنوياً في أميركا بسبب تلوث الهواء الناتج عن زراعة الذرة.

يقول "جيسون هيل" أستاذ الهندسة بجامعة مينيسوتا والمؤلف الرئيسي للدراسة: "عندما نفكر في جودة الهواء، يتبادر إلى الذهن مصانع الفحم وشاحنات الديزل القذرة. وكلاهما بلا شك من أكبر العوامل المساهمة في انخفاض جودة الهواء، لكن هل يصل الأمر إلى إنتاج الذرة؟ نعم، إنها تساهم في ذلك أيضاً".

الذرة هي الحبوب الأكثر انتشاراً في الولايات المتحدة، حيث تغطي ما يربو على 90 مليون فدان من الأراضي الزراعية التي تقع بشكل رئيسي في الغرب الأوسط والسهول العظمى. كما أنتجت الولايات المتحدة ما يزيد على 350 مليون طن من الذرة خلال العام الماضي، معظمها لم يستهلكه البشر مباشرة. ففي كل عام، يُخصص ما يقرب من 90 في المائة من المحصول لتغذية المواشي وإنتاج الإيثانول، كما تعد أميركا أكبر مُصدّر للذرة في العالم، وتقدم لمنتجيها دعماً حكومياً كبيراً للحفاظ على انخفاض أسعارها.

أراد الفريق البحثي تحديد التأثيرات التي تتركها الممارسات الزراعية على صحة الإنسان، وبالأخص، مساهمة الزراعة في تلوث الهواء، وبدأوا بتناول ملك المحاصيل الأميركية: الذرة. يقول "هيل": "لكونه المحصول السائد على الساحة في الولايات المتحدة، بدا أنه نقطة البدء الطبيعية حين يتعلق الأمر بفهم الآثار التي يتركها نظامنا الغذائي على جودة الهواء".

أنشأ الفريق ما يعرف بنموذج "تقييم دورة الحياة"، الذي تعقب الآثار البيئية لإنتاج الذرة بدءً من المعدات الزراعية المستخدمة في حقول الذرة إلى تخليق الأسمدة الاصطناعية. يشيع استخدام نموذج تقييم دورة الحياة في قياس انبعاثات غازات الدفيئة من مختلف المحاصيل، ويأخذ في حسبانه سلسلة التوريد الكاملة الخاصة بخدمة أو سلعة معينة أو أي شيء يساهم في إنتاجها.

وبينما وجدت الدراسة أن المراحل الأولى من سلسلة إنتاج محصول الذرة (مثل إنتاج الأسمدة) لها تأثيرات على تلوث الهواء، فقد أرجعت ما يزيد على 86 في المائة من تلك التأثيرات إلى أنشطة تتم مباشرة على الأراضي الزراعية. والتي تتمثل في استخدام أسمدة النيتروجين الاصطناعية وفقاً لما أشار إليه هيل وفريقه.

النيتروجين ضروري لنمو الذرة، ونظراً لأنها لا تنتجه بنفسها، فلا بد أن تحصل عليه من التربة. ولتحسين جودة إنتاج الذرة، فإن الفلاحين المنخرطين في ممارسات زراعية ذات صلة بصناعات كبيرة يلجؤون إلى إضافة النيتروجين اصطناعياً إلى التربة. وجديرٌ بالذكر أن حقول الذرة تتلقى ما يقترب من نصف إجمالي كمية الأسمدة النيتروجينية المستخدمة في الولايات المتحدة.

ومن الأسمدة النيتروجينية الشهيرة الأمونيا، والتي يحقنها الفلاحون في التربة إما في صورة غازية أو صلبة أو سائلة. وما أن تصل الأمونيا إلى التربة، حتى تتحول إلى نترات، وهو مركب تستطيع النباتات امتصاصه. لكن بعض الأمونيا تتسرب أيضاً إلى الغلاف الجوي في صورة غاز (وهو ما يعرف باسم التطاير). ويشير "هيل" إلى أن نسبة الأمونيا التي يمكنها أن تتسرب إلى الغلاف الجوي تختلف باختلاف الظروف الجوية ونوع السماد المستخدم.

وما أن تصل الأمونيا إلى الغلاف الجوي، حتى تساهم في تكوين مواد جسيمية دقيقة تسبب أمراضاً تنفسية، كما يمكن أن تتسبب حتى في حدوث الوفاة. وعلى عكس الغازات الدفيئة، التي تنتشر على نطاق واسع في الغلاف الجوي، فإن المواد الجسيمية الدقيقة، التي تعد أصغر من أن ترى بالعين المجردة، تحافظ على انتشارها نسبياً في الأماكن التي تسربت منها، وهو ما يجعل من الممكن ربط حالات الوفاة الناتجة عن تلوث الهواء بالمصادر المحددة لذلك التلوث.

وحين أجرى فريق الدراسة نموذج تقييم دورة الحياة لكل مقاطعة من أعلى 2000 مقاطعة إنتاجاً للذرة في الولايات المتحدة، وجدوا أن التوزيع الجغرافي لإنتاج الذرة يتوافق مع التوزيع الجغرافي لحالات الوفاة المرتبطة بتلوث الهواء والمواد الجسيمية الدقيقة المرتبطة بالأمونيا. بناءً على هذه البيانات المتمركزة محلياً، قدّر الفريق أن تلوث الهواء المتولد عن إنتاج الذرة يساهم في حدوث 4300 حالة وفاة.

وقد وجدت دراسة أخرى عمل بها "هيل"، ونشرت في فبراير الماضي، أن الزراعة مسؤولة عن نحو 16000 حالة وفاة سنوياً مرتبطة بتلوث الهواء في الولايات المتحدة. وبالجمع بين نتائج الدراستين، يتضح أن الذرة، كونها المحصول الأشهر داخل الولايات المتحدة، تتسبب في أكثر من 25 في المائة من هذه الحالات.

لتقليل كمية التلوث الهوائي الذي يسببه إنتاج الذرة، تقترح الدراسة التوصل إلى أساليب لتحسين طريقة إضافة النيتروجين إلى السماد بحيث تحتفظ التربة بنسبة أكبر من الأمونيا ولا تتسرب منها إلى الهواء. يشير هيل إلى أن ذلك سيعود بالنفع على منتجي الذرة وعلى السكان المحليين الذين يواجهون الآثار السلبية لتلوث الهواء. كما أضاف: "إن التطاير مصدر إهلاك بالنسبة للفلاحين، فهم بلا شك سيرغبون في أن تصل جميع كمية النيتروجين إلى محصولهم".

وبعيداً عن الذرة، يعتقد هيل أنه يمكن تطبيق هذا النموذج على سلع أخرى مثل المحاصيل والبقول والخضروات والفواكه. يوضح هيل: "نأمل أن تؤدي هذه النتائج إلى المزيد من الدراسات التي ستساعدنا في أن نحدد بصورة قاطعة الآثار التي تتركها كل الأطعمة التي نستهلكها في جودة الهواء".

المحتوى محمي