لو أراد أحد مخرجي الأفلام الوثائقية أن يعد فيلماً عن العالم الجميل الموجود في أعماق البحار والمحيطات، سيتجه فوراً إلى إحدى الشعب المرجانية أو الحواجز المرجانية الكبيرة، حيث من المتوقع أن تلتقط كاميرته طيفاً واسعاً من الألوان الحية والمتنوعة والتي تعطي للقطات جمالها وتقود المشاهد في جولة بصرية ممتعة.
لكن ماذا لو تحمل مخرجنا المفترض مع فريقه مشقة السفر، وغطس باتجاه الشعب المرجانية ليكتشف أن هذه الكائنات البحرية قد فقدت لونها وأصبحت وحيدة اللون، ولنكن أكثر تحديداً، بيضاء بشكل كامل؟ سيلتفت المخرج باتجاه عالم الأحياء البحرية المرافق، والذي سيهز برأسه ويقول بأسى: "هذا ما كنت أخشاه".
المرجان الملون
في الواقع هو ليس ملوناً ! فالأحياء المرجانية هي بيضاء اللون، لكنها تعيش جنباً إلى جنب مع طحالب ميكروسكوبية ملونة تعطيها هذه السمة اللونية المميزة. تقوم هذه العلاقة التكافلية على المنفعة المشتركة للطرفين، فالمرجان يقدم للطحالب النتروجين الضروري لبقائها وهي بالتالي تزوده بالسكر والأوكسجين الضروريان لنموه، وأي اختلال بهذه العلاقة قد يضر أحد الأطراف أو ربما الطرفين معاً.
برزت في الفترة الأخيرة ظاهرة ابيضاض المرجان، والتي ردها العلماء إلى ظاهرة الاحترار العالمي التي أدت إلى ارتفاع درجة حرارة مياه البحر، وفي هذه الحالة من الإجهاد الضوئي والحراري تميل الحيوانات المرجانية إلى طرد الطحالب وقطع العلاقة التكافلية التي تحدثنا عنها. لكن لباحثي جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا رأي آخر.
طرف ثالث فعال
بدأ باحثو مختبر الموارد الساحلية والبحرية في الجامعة بالبحث عن عوامل أخرى قد تلعب دوراً في حالات الطلاق التي تحصل بين المرجان والطحالب، وقد وجدوا أن ميكروباً صغيراً يسمي ديازوتروف قد يلعب دوراً هاماً بهذه العملية.
تعمل الديازوتروفات على تزويد الطحالب بكميات إضافية من النتروجين، وعندما تصب مياه الفضلات والتي تكون غنية بالسكر في البحار والمحيطات، يزداد نشاط هذه الميكروبات وبالتالي تزداد كمية النتروجين التي تصل إلى الطحالب وتدفعها بالنهاية للتخلي عن مضيفيها من المرجان. هذا ما افترضه الفريق البحثي.
للتحقق من صحة الفرضية، تم وضع عينتين من المجتمع المرجاني-الطحلبي، واحدة ضمن مياه غنية بالسكر والأخرى ضمن مياه قليلة السكر، ليتبين أن ظاهرة الابيضاض تحدث في العينة الأولى أكثر من الثانية. وهكذا تمت إضافة عامل آخر إلى العوامل التي تؤدي إلى شحوب الحواجز المرجانية، وهو بالتأكيد شحوب ما قبل الموت. لأن ترك الطحالب للمرجان، يشبه قطع أنبوبة الغذاء والأوكسجين عن المريض. حيث لن يكون هناك الكثير من الوقت لتدارك الموقف.
تعددت العوامل والمسبب واحد
لعل أبرز ما قدمه هذا البحث، والذي نشرت نتائجه على الموقع الرسمي للجامعة مطلع الشهر الماضي، هو التخفيف من عقدة الذنب التي تقض مضجع الاحترار العالمي، والذي ثبت أنه ليس المسبب الأول لحالات الانفصال بين الأحياء المرجانية وضيوفها الملونين، لكنه بالتأكيد لن يعفي المسبب الأول، أي البشر، من هذه المسؤولية.
فما نتج هو نداء غير مباشر للجهات التي تلوث المياه بالفضلات بشكل يومي. وعلى كل صورة لأعماق البحيرات والمرجان المبيضّ، أن تستثير همة الأشخاص الغيورين على المحيط الحيوي وتدعوهم للمزيد من الحملات التي تدعو لمعالجة أفضل للفضلات وإلى إدارة واعية ومسؤولة للصناعات التي تفرزها. ويذكر أن فريقاً آخر من ذات الجامعة كان قد درس تأثير عمليات الصيد على الشعب المرجانية الموجودة في البحر الأحمر، وكنا قد تحدثنا عنها في وقت سابق. بالنهاية لا يمكن سوى إطراء الجهود الرامية لتعرية دور البشر بتخريب البيئة، عسى أن تتحول إلى منفعة بعد أن تقترن باستجابة فعلية على الأرض.