على عكس الأميبا، يمكننا رؤية الأفيال بسهولة، لذا من غير المفاجئ أن الميكروبات مثل؛ البكتيريا والفطريات والأميبا والطحالب على حد سواء قد نسيناها أو أغفلناها في المعركة الدائرة حول معرفة كيف يؤثر التغير المناخي على حيوانات كوكبنا. لكن فهم كيفية تأثير الميكروبات على التغير المناخي، والعكس، ضروري لفهم ما يحدث في العالم، وهي الحجة التي تطرقت إليها ورقة بحثية حديثة ألفها 33 من علماء الأحياء الدقيقة، ونشرت في «مجلة نيتشر لعلم الأحياء الدقيقة».
توجد الميكروبات أسفل كل سلسلة غذائية، وتعيش في أماكن يستحيل أن تعيش فيها باقي الكائنات الحية. ظهرت الميكروبات قبل أشكال الحياة الأخرى، وتعتمد الحياة كما نعرفها على وظائفها. وهذا ما يؤكده الباحثون؛ إذ يرون أن «عالم الميكروبات يعدّ نظام دعم الحياة في المحيط الحيوي». لكن، على الرغم من تأثيرها الحيوي هذا، فإنه يتعذر فهم العلاقة بين الميكروبات والتغير المناخي.
يقول «ريك كافيتشولي»، عالم الأحياء الدقيقة بجامعة Jنيو ساوث ويلز» في سيدني والباحث الرئيسي بالدراسة: «إن الميكروبات في كل مكان، وهي ديناميكية، ويمكن أن يكون لها تأثير هائل على التغير المناخي». لتوضيح هذا، فلنأخذ مولدات الميثان على سبيل المثال. هذه الميكروبات -التي تنتج كل الميثان الذي يطرح في الجو- توجد في أجسام الحيوانات المجترة، مثل الأبقار، وفي حقول الأرز، وفي طبقات الجليد المنصهرة وفي كل مكان آخر يأتي منه الميثان. ويرى أن هذه الميكروبات مثال حي يوضح كيف يساهم الإنسان في إنتاج هذا الغاز المسبب للاحتباس الحراري.
بينما يعترف كثيرون بأن الأبقار تطلق غاز الميثان، إلا أنه يتم تجاهل الخطوة الحاسمة في هذه العملية، أي مولدات الميثان التي تعيش في الجهاز الهضمي للأبقار. يعلق كافيتشولي على هذا بقوله: «إننا نربي الكثير من الحيوانات المجترة التي تطلق كميات هائلة من غاز الميثان، ولذلك فنحن بحاجة إلى فهم العلاقة بين هذه الميكروبات والأبقار، بالإضافة إلى فهم الخيارات التي تشكل أسلوب حياتنا»
يشير كافيتشولي إلى أن تغيير النظم الغذائية لتقليل عدد الأبقار، وبالتالي تقليل عدد مولدات الميثان، هو إحدى الطرق المتبعة للحد من تركيز غاز الميثان في الجو، لكن ثمة طريقة أخرى تتجلى في استكشاف الظروف التي يمكن أن تزيد أو تقلل عدد مولدات الميثان التي تعيش داخل الجهاز الهضمي للأبقار، وبالنتيجة كمية الميثان التي تنتجها، ويستكشف باحثون في غرب أستراليا إضافات الأعلاف لهذا الغرض.
على الرغم من أن الورقة البحثية تناقش أماكن عدة يكون فيها دور الميكروبات هاماً، إلا أن تركيزها الرئيسي كان على أنواع الميكروبات البحرية. يحتوي المحيط -الذي صار يتغير أسرع وأشد من أي مكان آخر تقريباً- على كتلة حيوية تمثل الميكروبات منها قرابة 90%. تؤدي هذه الميكروبات وظائف أساسية مثل تثبيت الكربون، وإطعام الحيوانات على طول الشبكة الغذائية، لكن يبقى فهم العلماء لهذه الميكروبات محدوداً، شأنها في ذلك شأن كثير مما يجهلونه عن المحيط.
يقول «كريستوفر والتر»، الباحث بجامعة مينيسوتا في درجة ما بعد الدكتوراة، والذي لم يشارك في البحث: «أهم ما توصل إليه الباحثون هو قولهم أن الميكروبات تمثل في الواقع الأغلبية غير المرئية». لكن عندما يتعلق الأمر بالكائنات التي تحظى بأكبر قدر من الاهتمام، يرى والتر أن «نظرنا يتجه صوب كائنات دون أخرى».
على الرغم من أن حيوانات مثل الطيور والأفيال حظيت بالاهتمام كله في الدراسات التي تتبعت آثار التغير المناخي على الطبيعة، فإن الميكروبات بدأت تبرز إلى الواجهة في السنوات الخمس الماضية، حسب قول والتر. يصرح قائلاً: «ثمة الآن العديد من المختبرات الوطنية التي تدرس دورات المغذيات، وتبحث كيفية جعلها جزء من هذه النماذج المناخية العالمية الضخمة».
في الأخير «يشير كافيتشولي»، الذي يشارك حالياً في برنامج هدفه توعية أطفال المدارس بطبيعة الميكروبات وعملها، إلى أن التغيير بطيء وأبطأ منه استيعاب الناس الدور الهام الذي تقوم به الميكروبات. ويقول: «معظم الناس يسيئون فهم الأشياء الدقيقة جداً، مثلما يسيئون فهم الأشياء الضخمة جداً، لهذا ثمة حاجة ملحة لتحسين معرفتنا بهذه الأمور، وفهم العلاقة بين الميكروبات والتغير المناخي».
اقرأ أيضا: