تحدث حرائق الغابات دون سابق إنذار، في منطقة طبيعية مثل الغابة أو الأراضي العشبية أو البراري؛ وذلك بسبب نشاط بشري أو بسبب ظاهرة طبيعية، ويمكن أن تحدث في أي وقت و في أي مكان، وغالباً لا يمكن معرفة سبب اندلاع الحريق؛ لكن توجد عدة عوامل تزيد من خطره؛ مثل الجفاف وهبوب الرياح العاتية.
يمكن أن تؤدي حرائق الغابات إلى تعطيل النقل والاتصالات وخدمات الكهرباء والغاز وإمدادات المياه، كما أنها تؤدي إلى تدهور جودة الهواء وخسارة الممتلكات والمحاصيل والموارد والحيوانات والبشر، وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية؛ أثرت حرائق الغابات والأنشطة البركانية على 6.2 مليون شخص بين عاميّ 1998-2017 مع 2400 حالة وفاة في جميع أنحاء العالم، تُعزى إلى الاختناق والإصابات والحروق.
أين تحدث حرائق الغابات؟
يمكن أن تحدث الحرائق في أي بلد فيه غابات كثيفة، مع توافر العوامل المساعدة على نشوب الحريق. إن الأكثر عرضةً لحرائق الغابات هي ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية؛ التي فقدت 259 ألف فداناً من الأراضي في ما يقرب من 8 آلاف حريقاً في عام 2019، ودمرت الحرائق أكثر من 115 ألف كيلومتر مربع من الغابات والأدغال في جميع أنحاء أستراليا في أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020؛ مما أسفر عن مقتل أكثر من 30 شخصاً وتدمير الآلاف من المنازل، وكان هذا الموسم من أطول فترات حرائق الغابات في التاريخ الأسترالي الحديث.
وقد التهمت النيران المستعرة عام 2020 مناطقَ حرجيةً واسعً في سوريا ولبنان في أكبر سلسلة حرائق تشهدها المنطقة، فقد بلغ عددها 2480 حريقاً، وقد اقتربت من منازل السكان بدرجة كبيرة في بعض المناطق؛ حيث امتدت الحرائق على مساحة مئات الهكتارات في 4 محافظات، ونجم عنها 70 حالة اختناق وحالتا وفاة في سوريا جرّاء الحروق الشديدة. وكان آخر الحرائق التي شهدتها المنطقة حريق عكار في لبنان، نهاية شهر يوليو/تموز من العام الجاري، وقُدّرت المساحات المحروقة بأكثر من 20 مليون متر مربع من الغابات الحراجية، واستمر لـ 4 أيام متواصلة.
كيف تحدث حرائق الغابات؟
يمكن أن تحدث حرائق الغابات بشكل طبيعي في موسم الجفاف. في هذه الظروف، يمكن للنباتات الخضراء أن تتحول إلى وقود جاف وقابل للاشتعال، وتنشر الرياح القوية النار بسرعة، وتشجع درجات الحرارة الدافئة على الاحتراق. مع هذه المكونات، الشيء الوحيد المفقود هو شرارة تأتي على شكل برق، أو حريق متعمد، أو خط كهرباء منقطع، أو نيران مشتعلة في المخيم أو سيجارة.
طبيعية أو من صنع الإنسان، يجب أن تتوفر ثلاثة عوامل لتحدث حرائق الغابات؛ تُسمى هذه العناصر الثلاثة مثلث النار؛ وهي:
الوقود
هو أية مادة قابلة للاشتعال تحيط بالنار؛ بما في ذلك الأشجار والأعشاب والنباتات وحتى المنازل. كلما زاد حمل الوقود في المنطقة، زادت احتمالية اشتعال النيران.
الأوكسجين
يوفر الهواء الأكسجين الذي تحتاجه النار للاشتعال، وغالباً ما تتفاقم حرائق الغابات بسبب الرياح الحارة والجافة؛والتي يمكن أن تحمل الشرر لأميال.
مصدر للحرارة
تساعد مصادر الحرارة على إشعال النار وتوصيل الوقود إلى درجات حرارة عالية بما يكفي للاشتعال. يمكن أن يوفر البرق وحرق النيران في المخيمات أو السجائر وحتى الشمس، حرارةً كافيةً لإشعال حريق هائل.
الأسباب الطبيعية لاندلاع حرائق الغابات
تُصنّف حرائق الغابات على أنها كوارث طبيعية، ويتسبب الإنسان بحدوث 85-90% منها؛ لكن 10-15% منها تحدث من تلقاء نفسها لأسباب طبيعية؛ منها:
البرق والصواعق
يُشعل البرق الغالبية العظمى من حرائق الغابات الطبيعية. عندما يضرب، يمكن أن يولد حرارةً كافيةً لإشعال شجرة أو مصدر وقود آخر. لا يمكن منع حرائق الغابات التي يسببها البرق والصواعق؛ لكن يمكن تقليل شدة حرائق الغابات من خلال أنشطة إدارة الوقود، والتخطيط لإدارة حرائق الغابات.
النيازك والبراكين
يمكن أن يندرج سقوط الصخور أو النيازك أو البراكين في فئة حرائق الغابات الطبيعية، فالمقذوفات البركانية مثلاً تكون حارةً بدرجة كافية لإشعال فتيل الحرائق.
الحرارة والجفاف والعواصف الرعدية
تشكل الحرارة والجفاف والعواصف الرعدية المتكررة ظروفاً مواتيةً لإشعال فتيل حرائق الغابات. إن الغابات التي تجتمع فيها هذه الظروف تحدث فيها أسوأ الحرائق.
أسباب حرائق الغابات التي يسببها الإنسان
تنتج معظم حرائق الغابات عن أسباب بشرية؛ إما عن طريق الخطأ أو عن قصد، وذلك عن أي نشاط يمكن أن يخلق شرارةً أو مصدرَ حرارة كافٍ لإشعال حريق هائل. تشمل هذه الأنشطة:
- إشعال النيران في المخيمات والمعسكرات
- إشعال النيران في الهواء الطلق
- حرق الأخشاب وأوراق الأشجار بعد تنظيف الحدائق
- إلقاء السجائر المشتعلة دون إطفائها
- إطلاق الألعاب النارية في الأماكن القريبة من الغابات
- إلقاء الرماد الناتج عن المدافئ أو الشواء في المناطق العشبية أو المشجرة دون التأكد من انطفائه
- استخدام بعض المعدات التي تعمل بالمحركات التي قد يتطاير منها الشرر مسبباً الحريق
- سقوط الأشجار على كابلات الكهرباء
- تطاير الشرر من السكك الحديدية القديمة
اقرأ أيضاً: هل يمكن للنظم البيئية التعافي بعد الحرائق الهائلة؟
فوائد حرائق الغابات
على الرغم من أنها قد تكون خطرةً على البشر؛ إلا أن حرائق الغابات التي تحدث بشكل طبيعي تلعب دوراً أساسياً في الطبيعة، ولها عدة فوائد منها:
- إعادة العناصر الغذائية إلى التربة عن طريق حرق البقايا النباتية والحيوانية الميتة أو المتحللة.
- تساعد حرائق الغابات في الحفاظ على صحة النظام البيئي، فهي تقتل الحشرات والعوامل الممرضة التي تضر بالأشجار.
- تتسبب الحرائق بإزالة الأشجار الكبيرة؛ مما يسمح لأشعة الشمس بالوصول إلى قاع الغابة ونمو جيل جديد من الشتلات والأعشاب والشجيرات الصغيرة التي توفر الغذاء والموئل للحيوانات والطيور.
- تعتمد بعض أنواع الأشجار؛ مثل البلوط والصنوبر، على النار حتى تتفتح مخاريطها وتطلق بذورها. بالإضافة إلى ذلك؛ تحتوي أوراق هذه النباتات على مادة صمغية قابلة للاشتعال تغذي النار؛ مما يساعد النباتات على التكاثر. وتتطلب بعض النباتات النار كل بضع سنوات، بينما يحتاج البعض الآخر إلى النار بضع مرات في القرن حتى يستمر في التكاثر.
اقرأ أيضاً: هل تعيد حرائق الغابات تشكيل الحياة على الأرض؟
أضرار حرائق الغابات
إن حدوث حرائق الغابات لأسباب طبيعية يمنح الطبيعة فوائدَ عديدةً وضروريةً؛ لكن تدخّل الإنسان وتسببه بحدوث حوالي 85% من حرائق الغابات، جعل أضرارها أكبر بكثير من فوائدها، وتطال هذه الأضرار المناخ والكائنات الحية والإنسان نفسه.
المناخ
تسبب حرائق الغابات تغيرات مهولةً في المناخ؛ وتشمل هذه التغيرات:
انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون
يقدر العلماء انبعاث حوالي 8 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً على مدار العشرين عاماً الماضية بسبب حرائق الغابات؛ وهي تشكل 5-10% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية العالمية. تتسبب هذه الانبعاثات بالاحتباس الحراري وظاهرة [tooltip content="هي عملية طبيعية تعمل على تدفئة سطح الأرض، والمحافظة على درجة حرارتها عند حوالي 33 درجة مئوية؛ مما يسمح بوجود الحياة على الأرض. وسمّيت بظاهرة البيت الزجاجي تيمّناً بالبيوت الزجاجية التي تُزرع فيها بعض الخضروات والفواكه التي تحتاج إلى حرارة مرتفعة ثابتة لتنمو في المناطق الباردة." url="" ]البيت الزجاجي[/tooltip].
انعكاسية الأرض
تغير الحرائق أيضاً انعكاسية الأرض. عندما تبدأ مناطق الغابات المحترقة في النمو من جديد، تشكل الأعشاب والشجيرات الفتية بقعاً ذات ألوان فاتحة على الكوكب، وبذلك تعكس المزيد من الإشعاع الشمسي؛ الذي يسبب تسخين الأرض، قبل أن تنمو أكثر ويصبح لونها داكناً، ويصبح دورها تبريد الكوكب.
الهباء الجوي
تُنتج حرائق الغابات العديد من الجزيئات العضوية المتطايرة التي تسمى الهباء الجوي؛ بما في ذلك مواد مثل الكربون الأسود والغازات التي تشكل الأوزون، وتسبب للبشر مشكلات صحية، كما أن بعضها يحجب أشعة الشمس، ويؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي.
الصفائح الجليدية
يقوم ثاني أكسيد الكربون بتسخين الغلاف الجوي، وبعض الهباء الجوي والجسيمات الأخرى تنتشر فوق محيطات وقارات نصف الكرة الشمالي، وتسقط على الأنهار الجليدية الجبلية والجليد، ويؤدي ذلك إلى تغيير لون الجليد الذي يصبح أغمق و يبدأ بالذوبان.
الإنسان
تسبب حرائق الغابات العديد من الأضرار على الإنسان، منها:
- إجبار الناس على الهجرة من منازلهم خوفاً من الحريق.
- خسارة الناس لمنازلهم وممتلكاتهم ومحاصيلهم الزراعية بسبب الحريق.
- يهدد الدخان الناجم عن الحرائق صحة الرئة؛ خاصةً عند الأطفال وكبار السن والمصابين بالربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن والتهاب الشُعُب الهوائية أو أمراض القلب المزمنة أو مرض السكري.
- تدخل الجسيمات الصغيرة الناجمة عن الحرائق الرئتين وتستقر في أعماقها؛ مسببةً نوبات الربو والنوبات القلبية والسكتات الدماغية التي يمكن أن تؤدي إلى الوفاة.
- يتسبب استنشاق غاز أول أكسيد الكربون (CO) الذي ينجم عن الاحتراق، في تقليل توصيل الأكسجين إلى أعضاء وأنسجة الجسم ويمكن أن يؤدي إلى الصداع والغثيان والدوار، وفي حالات التركيزات العالية، الوفاة المبكرة.
الكائنات الحية
لا تقتصر أضرار حرائق الغابات على المناخ والإنسان؛ بل تكون الكائنات الحية التي تعيش في هذه الغابات هي المتضرر الأول منها:
- يموت كبار السن من الحيوانات وصغارها؛ الذين لا يستطيعون الهروب، بين ألسنة النيران.
- تفقد الحيوانات موائلها ومصادر غذاءها؛ ما يسبب وفاتها لاحقاً.
- إن المناطق التي تصبح مفتوحةً بفعل الحرائق تُشكل موائلَ لأنواع من الكائنات الغازية؛ مما يُفقد الأنواع المحلية موائلها.
- تتسبب حرائق الغابات في هجرة الحيوانات إلى المناطق المكتظة بالسكان، وتجبرها على التعامل مع البشر الذين يتجنبونهم عادةً.
- تستفيد بعض الحيوانات المفترسة من النار، وقد لوحظت وهي تصطاد حيوانات أصغر تفر من الحريق.
تعد حرائق الغابات جزءاً من نظام بيئي صحي، وعلى الرغم من أنها قد تؤدي إلى إصابة بعض الحيوانات على المدى القصير، وتسبب أضرارَ جسيمةً للإنسان والمناخ؛ إلا أنها جزء من الدورة الطبيعية، وبدونها تتضخم الغابات وتحترق بشكل مكثف عندما تشتعل فيها النيران.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر أنواع الحيوانات في حرائق الغابات؟