في 8 سبتمبر/ أيلول 2023، ضرب زلزال بقوة 6.8 درجات على مقياس ريختر سلسلة جبال الأطلس الكبير في المغرب العربي، ما أسفر عن مقتل أكثر من 2500 شخص وإصابة مئات آخرين. شعر بالزلزال سكان الدار البيضاء وطنجة وألحق أضراراً كبيرة في المباني والطرق والبنية التحتية.
لكن ما لفت انتباه الكثير من الناس هو ومضات الضوء الأزرق الغامضة التي ظهرت في السماء قبل لحظات من وقوع الزلزال، لتُعيد إلى الأذهان المشهد ذاته عندما وقع الزلزال في سوريا وتركيا في وقتٍ سابق من هذا العام، الذي أودى بحياة أكثر من 45 ألف شخص. فما حقيقة هذه الأضواء وماذا تعني؟
أضواء الزلازل: أشكالٌ متعددة وتاريخٌ قديم
أضواء الزلازل (Earthquake Lights) أو (EQL)، هي ظاهرة نادرة لاحظها البشر منذ آلاف السنين في أجزاء مختلفة من العالم. تظهر عادةً بالقرب من مركز الزلزال أو على طول خطوط الصدع، ويمكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة، مثل برق أرضي أو كرات الضوء، أو الخطوط، أو الومضات، أو التوهجات.
تستمر من بضع ثوانٍ إلى عدة دقائق، ويمكن رؤيتها قبل الزلزال أو أثنائه، ولكن نادراً ما تظهر بعده. عام 1988، أبلغ شهود في كيبيك الكندية عن ظهور كرة ضوئية أرجوانية ساطعة على طول نهر سانت لورانس قبل 11 يوماً من وقوع زلزال قوي في المنطقة. في زلزال المغرب التقطت الكاميرات الأمنية في أحد مساكن المدينة، رشقات نارية مثيرة من الضوء الأزرق في السماء، قبل نحو ثلاث دقائق من وقوع الزلزال القوي.
تُشير سجلات الزلازل التاريخية في اليابان إلى وجود نحو 55 حالة من ظاهرة الأضواء خلال تاريخ البلاد. بالإضافة إلى مناطق أخرى من العالم، خاصةً خلال الزلازل التي تصل قوتها إلى 5 درجات أو أكثر. على سبيل المثال، في:
- زلزال ميسوري عام 1811-1812.
- زلزال سان فرانسيسكو عام 1906.
- زلزال ساجويناي في كندا عام 1988.
- زلزال لاكويلا في إيطاليا عام 2009.
- زلزال تشياباس في المكسيك عام 2017، وغيرها الكثير.
اقرأ أيضاً: كيف تشكل الزلزال الذي ضرب الحدود التركية السورية؟ ولماذا كان بهذه الشدة؟
تفسير ظاهرة أضواء الزلازل
لا يزال السبب الدقيق لأضواء الزلزال غير معروف، ولكن مع ظهور التكنولوجيا الحديثة، توصل الباحثون لعددٍ من النظريات حول تفسير هذه الظاهرة، وهي:
نظرية فرويند
درس أستاذ الجيولوجيا فريدمان فرويند (Friedemann Freund)، الباحث في مركز أبحاث أميس التابع لناسا، في بحثٍ نُشر في دورية رسائل أبحاث الزلازل (Seismological Research Letters)، نحو 65 مشاهدة لمثل هذه الأضواء، يعود تاريخها إلى عام 1600. افترض فرويند وزملاؤه أن الأضواء ناتجة عن شحنات كهربائية يتم تنشيطها في أنواع معينة من الصخور أثناء النشاط الزلزالي "كما لو قمت بتشغيل بطارية في قشرة الأرض".
وفقاً لهذه النظرية، عندما تتحرك الصفائح التكتونية تتعرض الصخور للضغط. يولّد هذا الضغط على أنواع معينة من الصخور تيارات كهربائية تنتقل إلى السطح وتؤين الهواء، ما يخلق البلازما التي ينبعث منها الضوء.
على سبيل المثال، يمكن لبلورات البازلت أن تُطلق شحنات كهربائية في الهواء لدى احتكاكها لوجود عيوب في بلوراتها. ومع ذلك، يُقدّر الباحثون أن نسبة حدوث أضواء الزلازل بتأثير شحنات الصخور لا تتجاوز 5% من الزلازل جميعها في العالم.
التأثير الكهرضغطي
اقترح باحثون في جامعة أوساكا اليابانية (Osaka University) في دراسة نُشرت عام 1998 في المجلة اليابانية للفيزياء التطبيقية (Japanese Journal of Applied Physics)، أنه عندما توضع الصخور تحت ضغط ميكانيكي؛ كما هو الحال أثناء تراكم الضغوط التكتونية قبل وقوع زلزال كبير، أي أثناء الإجهاد الزلزالي، يتغير الاستقطاب الكهرضغطي لحبيبات الكوارتز في الصخور الغرانيتية، بحيث تدخل الصخور في حالة فيزيائية نادرة تُعرف باسم بلازما الحالة الصلبة، وينتج عنها مجال كهربائي قوي في منطقة الصدع.
تنتقل هذه الشحنات بسرعة تصل إلى نحو 200 متر في الثانية، وعندما تصل إلى سطح الأرض، يمكن أن تتفرغ في الهواء بهيئة ظواهر ضوئية.
اقرأ أيضاً: الموجات الزلزالية تكشف أسرار أعماق الأرض
التأثير الكهربائي الاحتكاكي: الاحتكاك بين الحبيبات
على غرار الكهرباء الساكنة التي تتراكم في سترة صوفية أثناء احتكاكها بقميص قطني، يشير التأثير الكهربائي الاحتكاكي إلى توليد شحنة عندما تحتك مادتان مختلفتان ببعضهما بعضاً. ومع ذلك، وجد تروي شينبروت (Troy Shinbrot)، عالِم الفيزياء في جامعة روتجرز (Rutgers University)، أن الجهد الكهربائي يُولّد عندما تحتك مواد متشابهة (مثل الأقراص البلاستيكية أو الحبيبات الموجودة بين الصفائح التكتونية) ببعضها بعضاً.
وجد شينبروت أن الجهد الموجب يزداد مع المسافة التي تتحركها الأقراص، ولاحظ أيضاً أن اهتزازاً أفقياً لحاوية مملوءة بمواد حبيبية مثل الدقيق أو مسحوق الأسيتامينوفين، تسبب بإنشاء نفق في المادة، ما أدّى إلى توليد جهد كهربائي سلبي، بينما أدّى اهتزاز آخر إلى إغلاق النفق وتوليد جهد إيجابي، وهو ما يتناقض مع نظرية الكهرضغطية ونظرية فرويند، لتفسير سبب أضواء الزلازل.
اقرأ أيضاً: متى تنتهي فترة الخطر بعد وقوع الزلازل؟
إذاً، ما زال الجدل حول حقيقة أضواء الزلازل قائماً، ولم تتمكن هذه النظريات من تفسير السمات والاختلافات الملحوظة جميعها في أضواء الزلازل. لذلك، فإنها تظل موضوعاً مفتوحاً لمزيدٍ من البحث والاستكشاف.