4 خرافات جديدة عن تغير المناخ وكيفية تفنيدها

5 دقائق
خرافات عن تغير المناخ
حقوق الصورة: ماركوس سبايسك/ بيكسلز.

قبل 10 أعوام، كان يبدو أن إنكار تغيّر المناخ هو رأي شائع، إن لم يكن مضللاً، يتشاركه الكثيرون. في الوقت الحاضر، مع انتشار الكوارث المناخية حول العالم، فليس من الحكمة إنكار هذه الظاهرة بعد الآن. اعتباراً من سبتمبر 2021، يعتقد واحد من أصل كل 10 أمريكيين أن التغيّر المناخي ليس حقيقياً، بينما يعتقد حوالي 3 من أصل كل 4 أمريكيين عكس ذلك.

بالطبع، لا يزال بعض السياسيين يتمسكون بفكرة أن التغيّر المناخي ليس حقيقياً، وهي فكرة فُنّدت مراراً وتكراراً. لكن الشركات العالمية، وحتى تلك التي تستخرج الوقود الأحفوري، بدأت تغير آراءها قليلاً.

يقول «إدوارد مايباك»، مدير مركز «جورج ميسون» للتغير المناخي: «على الرغم من أن بعض السياسيين يروّجون لإنكار التغير المناخي، إلا أن الشركات الكبرى أذكى من أن تفعل ذلك لأن القائمين عليها يدركون أن ذلك سوف يجعلهم يخسرون معظم المستهلكين». يتجلّى إنكار تغيّر المناخ اليوم بالعديد من الآراء المنمقة والتي تبدو صحيحة، ولكن في الواقع، هذه الآراء هي خرافات مثلها مثل تلك التي تنص على أن تغير المناخ هو خدعة. سنستعرض في هذا المقال 4 أمثلة عن خرافات جديدة عن تغيّر المناخ والمحاججات المرافقة. 

الخرافة 1: الطاقة النظيفة ستضر بطبقة العاملين

من المعروف أن الطاقة النظيفة كانت في الماضي بديلاً مكلفاً وبعيد المنال عن الوقود الأحفوري. ولكن اليوم، نحن نعلم أن هذا ليس صحيحاً: كانت طاقة الشمس والرياح المصدر الأقل تكلفة للطاقة خلال عام 2020، والأسعار في انخفاض. قال «فرانشيسكو لا كاميرا»، المدير العام لوكالة الطاقة المتجددة الدولية في يونيو/حزيران الماضي: «تقدّم مصادر الطاقة المتجددة للدول التي تعتمد على الفحم آليةً جذابة اقتصادياً للتخلّي عن الفحم تضمن أن تتمكن هذه الدول من توفير ما يكفي من الطاقة لمواطنيها، مع توفير الأموال وزيادة فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق الأهداف التي تتعلق بعدم المساهمة في تغيّر المناخ».

مع ذلك، لا يزال هناك الكثير من الآراء التي تنص على أن السياسات المتعلقة بالطاقات المتجددة ستضر بطبقة العاملين، وذلك غالباً لتوفير محاججة بهدف دعم صناعات الوقود الأحفوري. لكن وفقاً لـ «جون كوك»، زميل باحث في مركز أبحاث تغير المناخ في جامعة موناش في أستراليا، هذه المحاججات سطحية وتتجاهل الصورة الأوسع والأكثر أهمية.

يقول كوك: «تتجاهل هذه المحاججات الآثار السيئة لتغيّر المناخ، والتي تضر بالمجتمع والاقتصاد. عواقب تجاهل تغيّر المناخ تتجاوز بكثير عواقب التعامل مع هذه المشكلة».

أثار بعض المعارضين مخاوفاً بشأن فقدان الوظائف، وخصوصاً في الولايات المتحدة، والتي شهدت انخفاضاً في معدلات التوظيف على الرغم من النمو الاقتصادي العالمي خلال الجائحة. يجب على السياسات أن تمنح الأولوية لطبقة العاملين في مجال توليد الطاقة، سواءً كانوا من العمال في شركات استخراج الوقود الأحفوري في الدول التي تعاني اقتصادياً، أو العمال الذين يعملون في شركات الوقود النظيف الذين فقدوا وظائفهم خلال جائحة كوفيد-19.

الخرافة 2: العلماء والخبراء يبالغون، والمنكرون واقعيون

وفقاً لكوك، إحدى الطرق الأخرى التي تُروّج فيها الآراء المنكرة لتغيّر المناخ هي عن طريق استغلال «مصطلحات الصراع المجتمعي»، أي عن طريق اتهام الداعمين لاتّخاذ إجراءات حيال تغير المناخ بأنهم «متطرّفون ومروّجون لأجندات سياسية». إحدى الأمثلة على ذلك هي فكرة «الواقعية المناخية»، والتي يُدّعى أنها وُجدت لتُوازن الذعر الناتج عن تغير المناخ. توظّف بعض المجموعات التي تدعمها شركات إنتاج الوقود الأحفوري مثل معهد «هارتلاند» أشخاصاً يروّجون ضد فكرة «القلق المناخي»، وهي الفكرة التي تنص على ضرورة التعامل مع أزمة المناخ بسرعة.

في الواقع، كنا على دراية بالتغيّر المناخي لـ 62 سنة على الأقل، وأنه ليس أمامنا الكثير من الوقت لنحمي أنفسنا من العواقب الأسوأ. إن جعل مسألة التغير المناخي سياسيّة، وتأخير اتخاذ القرارات بشأنها هي من الذرائع الجديدة لعدم اتخاذ أي إجراء على الإطلاق.

يقول كوك: «تستغل هذه المحاججات الهويات الاجتماعية للأفراد، وهي تعتبر خطيرة للغاية لأنها تزيد من استقطاب المجتمع»، وأضاف: «عندما تصبح المسائل المختلفة مستقطبة ثقافياً أو سياسياً، يصبح التقدّم أكثر صعوبة».

إحدى الطرق الأخرى التي أُقحمت فيها السياسة والهويات الاجتماعية في المؤامرات المناخية هي الترويج لحركة تربط بين الهجرة والكوارث البيئية. أطلق عالما السياسة البريطانيين «جو تيرنر» و«دان بايلي» على هذا الربط أيضاً اسم «الرسم البيئي للحدود». كتب العالمان في ورقة حديثة: «يسعى هذا الاتجاه إلى تحميل الهجرة مسؤولية تدهور الوضع البيئي، ويعتمد على تصوّرات استعمارية وراديكالية بهدف تبرير زيادة القيود على الحدود و'الحفاظ على حماية السكان الأصليين' للطبيعة». هذه الأفكار ليست حديثة، إذ مارس «جون ميور»، مؤسس نادي «سييرا» والذي يلقّب بـ «أبو المنتزهات الوطنية الأميركية»، التمييز ضد ذوي البشرة الداكنة والأميركيين الأصليين.

تعتمد هذه الفكرة على العديد من المشاكل الأخلاقية والمعلومات العلمية غير الدقيقة، مثل أن معظم مشاكل تغيّر المناخ تنبع من زيادة الإنتاج والاستهلاك في الدول ذات الاقتصاد الكبير، بينما تتحمّل البلدان الأفقر العبء الأكبر لتغيّر المناخ.

الخرافة 3: الشركات العالمية تقوم بما يجب فعله حيال تغير المناخ

ظاهرة «التمويه الأخضر» منتشرة في كل مكان (وهي عملية تضليل تقوم بها الشركات لترويج أن منتجاتها صديقة للبيئة)، من شراء الملابس إلى قضاء الإجازات إلى موازنة نسب الكربون عن طريق زرع الأشجار، ولكن أغلب الشركات التي تقوم بها هي تلك التي تعمل في إنتاج الوقود الأحفوري، والتي كانت تنكر النغيّر المناخي. 

على سبيل المثال، قد تكون اتخذت شركة «شيفرون» إجراءات للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، ولكن الغالبية العظمى من الانبعاثات التي تنتج عنها تأتي من النوع الثالث من الانبعاثات (أي تلك التي تنتج من كل العمليات المتعلقة بتصنيع وإيصال المنتجات)، وهي انبعاثات لم يتم نقاشها في سياسة المناخ الخاصة بهذه الشركة. وفقاً لمنظمة «كلاينت إيرث» القانونية، «ستطوّر الشركة أعمال تعتمد على الطاقة المتجددة، وستستثمر في 'تكنولوجيا منخفضة الكربون'، وستبيع أدوات لموازنة انبعاثات الكربون لعملائها حول العالم حتى يتمكّنوا من خفض انبعاثاتهم الخاصة» بدلاً من معالجة أسباب الانبعاثات المرتبطة باستخدام النفط والغاز. مع ذلك، فإن هذه الإعلانات البرّاقة واستخدام الشركة لمصطلحات مثل «وقود خالٍ من غازات الدفيئة» أو «وقود مستدام» لا تبين كيف ترغب الشركة في التخلي عن الوقود الأحفوري، أو إذا كانت تنوي ذلك في المقام الأول.

الموضة المثيرة للقلق أيضاً هي عندما تتظاهر الشركات بأنها تناضل لدعم حقوق الملونين والنساء من خلال الإعلانات. إعلان شركة «إكسون»، الذي يدور حول قصة مهاجر من الهند يعمل الآن في شركة الوقود الأحفوري العملاقة هذه، هو أحد الأمثلة على ذلك.

يقول مايباك: «تنفق شركات النفط الكبرى حالياً الكثير من الأموال لإقناعنا بأنها تتعامل مع مشكلة تغير المناخ، على الرغم من أن مزاعمها مضللة للغاية»، ويضيف: «تمتلك هذه الشركات ميزانيات إعلانات وعلاقات عامة هائلة تستخدمها لإقناعنا بأنها جهات فاعلة مسؤولة تعمل على حل مشكلة تغير المناخ».

الخرافة 4: فات الأوان على إنقاذ البشر

الشكل الأخير من الإنكار الجديد لتغير المناخ هو الاعتقاد بأن نهاية العالم أمر لا مفر منه، ولا يمكننا القيام بشيء حيال أزمة المناخ. على الرغم من أن ظاهرة الاحتباس الحراري هي بالتأكيد قضية مخيفة، إلا أنها لا تعني أن العالم سيتدمّر بالضرورة.

كتبت «كاثرين هايهو»، كبيرة العلماء في منظّمة «حفظ الطبيعة»، في دورية «نيو ساينتيست» (New Scientist): «الأمل الذي نحتاجه، ذلك الأمل العقلاني العنيد، لا يعني التفكير بإيجابية فقط، ولكنه لا يبدأ بإنكار وجود المشكلة أيضاً»، وأضافت: «يبدأ هذا الأمل بالإقرار بمدى خطورة تغير المناخ وما هي الأمور المعرضة للخطر: مستقبل الحضارة كلها».

لحسن الحظ، نحن نعلم ما يجب علينا أن نفعل: خفض الانبعاثات لمنع ارتفاع درجة حرارة العالم بمقدار يتجاوز 1.5 درجة مئوية، مع الاستمرار في منح الأولوية لحماية التنوع الحيوي والسكان. لكننا نقترب من تجاوز حد اللاعودة، والذي سيأتي في عام 2030 تقريباً.

يقول مايباك: «في حين أنه من الصحيح أن مناخ الأرض قد تغير بالفعل وأنه سيستمر بالتغير لعقود عديدة قادمة، إلا أن الإجراءات التي يمكننا اتخاذها للحد من شدة التغير سيكون لها فوائد ضخمة»، ويضيف: «تبدأ نتائج الكثير من الإجراءات بالظهور مباشرة، مثل تحسن جودة الهواء والماء والصحة، وزيادة فرص العمل».

المحتوى محمي