في السنوات الأخيرة؛ ازدادت الأعاصير قوة وتدميراً، وتسببت في أضرارٍ تقدر بمليارات الدولارات. في سبتمبر/ أيلول 2019، صُنّف إعصار «دوريان» من الدرجة الخامسة برياحٍ بلغت سرعتها نحو 300 كم/ الساعة، واجتاح جُزر الباهاما مدمراً جزر آباكو وجزيرة جراند باهاما. وفي السنة الماضية، ضرب الولايات المتحدة الأميركية إعصارا دوريان «فلورنس» و«مايكل»، وفي السنة التي قبلها، كان هناك إعصارا «هيرفي» و«ماريا» و«إرما».
بالرغم من الأثر المدمر لهذه الأعاصير، إلا أنّ علماء الأرصاد الجوية لا يتفقون جميعاً فيما إذا كانت الأعاصير تزداد قوةً بالفعل، أم أن الازدياد في نسبة الدمار ناجمٌ عن ازدياد من يعيشون على السواحل؛ أي في الأماكن الأكثر عرضةً لتأثير الرياح والأمطار الشديدين لهذه الأعاصير المدمرة.
لكن دراسةً جديدة وجدت أنه حتى بعد الأخذ بعين الاعتبار الزيادة السكّانية والممتلكات في المناطق التي تضربها الأعاصير، فإن الدمّار الذي تُحدثه يزداد. يقول المؤلف الرئيسي للدراسة «أسلاك جرينستيد»، عالم المناخ بجامعة كوبنهاجن: «إذا ضربت العاصفةُ مدينة كبيرة، فإنها بالطبع ستخلف دمارٍ أكبر مما لو ضربت منطقةً ريفية. لذا اشتملت الدراسة على التغير الزماني لهذه الأعاصير، وأيضاً التغير المكاني (معيار الزيادة السّكانية)، وكانت النتيجة أنّ الأعاصير أصبحت أكثر تدميراً».
من الناحية النظرية، فإن الأعاصير نتاجٌ طبيعي ومنطقي لعوامل المناخ. فمع ارتفاع درجات الحرارة في الغلاف الجوي، ترتفع حرارة سطح البحر نتيجة امتصاصه لهذه الحرارة، فتسخن المياه وبالتالي يتبخّر قسمٌ كبيرٌ منها. بالإضافة لذلك، يمكن أن يكون الهواء الدافئ فوق البحر مُشبعاً بمزيدٍ من الرطوبة، ما يؤدي لزيادة كميات الأمطار التي تحملها الأعاصير. عند تحميل هذه العوامل في النماذج المناخية التنبؤية، فإن الأعاصير ستكون في النتيجة أقوى.
إلا أنّ عدداً من المتغيرات تربك دور المناخ في زيادة أضرار الأعاصير على أرض الواقع. إحدى تلك المتغيرات تتمثل في زيادة عدد السكان الذين ينتقلون للعيش في المناطق الساحلية، فقد ذكرت دورية بوبيولار ساينس العام الماضي أن عدد السكّان الذين يعيشون اليوم في المناطق المعرّضة للأعاصير المدارية إزداد أكثر بنحو 60 مليون شخصٍ عما كان عليه عام 1970. ويقول بعض العلماء أن الزيادة في الأضرار التي تسببها العواصف على طول سواحل المحيط الأطلسي تعود ببساطة إلى ازدياد عدد العقارات ومن يعيشون هناك ببساطة، ولذلك ارتفعت الأضرار التي أبلغت عنها شركات التأمين.
اقرأ أيضا: تأثير البقع الشمسية على الأرض.
استخدم جرينستد طريقةً جديدةً للتحكّم في زيادة عدد الأشخاص والممتلكات في نموذجه. حيث قام بتحويل الأضرار المُقدرة بالدولار الأميركي إلى ما يوازيها «حسابياً» من مساحةٍ مدمّرة؛ اعتماداً على سجلات الأضرار والدمار الذي تسببه العواصف، والتي تعود حتى عام 1900. بهذه الطريقة، يحصر التركيز ببساطة على عامل المساحة المُتأثر بالعواصف، بدلاً من حصرها بالتكاليف التي ترتفع كلّما ارتفع عدد السكّان.
كشفت طريقة جرينستد الجديدة عن زيادةٍ في التدمير الذي تخلّفه الأعاصير مع مرور الزمن، وخصوصاً في العقدين الأخيرين. ووفقاً لهذه المعايير الجديدة في الدراسة، فقد كان إعصار «كاترينا» و«هيرفي» الأكثر تدميراً، فقد تجاوزت مساحة التدمير الذي أحدثها كليهما أكثر من 5000 كم مربّع، وباستخدام معيار المساحة المُدمّرة، تمكّن جرينستد وزملاؤه تضمين دراستهم تحليلاً لقوّة الأعاصير، وقد وجدوا أن الأعاصير الضخمة أصبحت تتكرر بمعدّل ثلاثة أضعاف منذ عام 1900 وحتّى الآن. تقول «أندرا جارنر»، عالمة المناخ بجامعة روان ولم تشارك في إعداد هذه الدراسة: «تؤكد هذه الدراسة أننا بتنا نشهد بالفعل أضراراً أكبر بكثير جرّاء الأعاصير المدارية في الولايات المتحدة والناجمة عن تأثير التغير المناخي».
بالإضافة إلى إثباته أنّ الأعاصير أصبحت بالفعل أكثر تدميراً، يقول جرينستد: «إن المقياس الجديد لتقدير مساحة الأضرار يمكن أن يساعد في توضيح العلاقة بين قوّة الإعصار وتكلفة الأضرار المحتملة والتي يمكن أن يتسبب بها، حيث يمكن لشركات التأمين، على سبيل المثال، استخدام هذه البيانات لتطوير تقييمات المخاطر في سياساتها».
لا يزال من غير المؤكّد ما سيقوله علماء الأرصاد الجوية الأكثر تشكيكاً في نتائج الدراسة، لكّن جرينستد يقول أن هذا التحليل لتتابع الأعاصير وأثرها يتوافق مع نتائج الدراسات الأخرى التي أجراها علماء المناخ، ويضيف: «أعتقد أن نتائجنا ستكون مقنعةً جداً للكثير من الناس».
اقرأ أيضا: