في كل ربيع، يشهد شمال المحيط الأطلسي نمواً سريعاً لطحالب صغيرة تطفو على سطح الماء وتشكل أساس الهرم الغذائي للمحيط. وفيما تتحول هذه المتعضيات الصغيرة إلى غذاء للأسماك، تقوم أيضاً بامتصاص كميات ضخمة من ثنائي أوكسيد الكربون، ما يجعلها أحد أهم القوى الطبيعية التي تحارب التغير المناخي.
ولكن الباحثين لم يتمكنوا من فهم سبب هذا النمو السريع السنوي، وهو لغز حير علماء المحيطات لعقود طويلة من الزمن. وقد اعتمدوا لسنوات طويلة على الأقمار الاصطناعية لدراسة هذه الكائنات، ولكن هذه الطريقة لا تنفع عند وجود الغيوم، ما يعني حرمان الباحثين من المعلومات بشكل متكرر.
أما الآن، وبفضل جيل جديد من الروبوتات المتطورة، يمكن للباحثين أخيراً دراسة الطحالب وغيرها.
تسمى هذه الأدوات "عوامات تحديد التوصيف البيولوجي الجيولوجي الكيميائي" أو عوامات BGC-Argo، وهي قادرة على العمل على عمق أكثر من 1.6 كيلومتر تحت سطح البحر، ما يسمح بجمع بيانات كانت مستحيلة المنال من قبل. وتعتبر هذه الروبوتات نسخة محسنة من عوامات أرغو.
يقول هيرفي كلاوستر، وهو عالم رئيسي في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي: "استخدمت المعلومات التي جُمعت بهذه العوامات بشكل أساسي لتحسين فهمنا للنظام البيئي في المحيط والعمليات البيولوجية الجيولوجية الكيميائية. وهو أمر هام على وجه الخصوص لتحسين النظريات والنماذج لنظام الكربون في الأرض". ويضيف أن البيانات ستستخدم من أجل "مراقبة وتوقع التغيرات في الحالة البيولوجية الكيميائية للمحيط".
يعتبر فهم محفزات النمو السريع أمراً هاماً لفهم كيفية استجابة الطحالب -والتي تمتص كميات هائلة من ثنائي أوكسيد الكربون- للتغير المناخي، كما يشرح ألكسندر مينيو، وهو باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في مختبر علوم المحيطات في فيلفرانش.
يلعب شمال الأطلسي دوراً هاماً في امتصاص ثنائي أوكسيد الكربون، بشكل يتجاوز ما يمكن توقعه. وعلى الرغم من أنه يشكل أقل من 1.5% من المساحة الكلية لمحيطات العالم، فإنه يمتص حوالي 20% من مجمل ثنائي أوكسيد الكربون الذي تمتصه هذه المحيطات. تساعد المياه الباردة في المحيط على التقاط ثنائي أوكسيد الكربون، الذي يزيد حرارة الكوكب، من الغلاف الجوي. ومن ثم تقوم الطحالب بامتصاصه خلال عملية التحويل الضوئي، تماماً كما تفعل الأعشاب والأشجار على اليابسة.
بالاعتماد على المعلومات التي جُمعت حتى الآن، استنتج العلماء أن النمو الربيعي السريع يسبقه "كمون شتوي" حيث يقل نشاط الطحالب. وتقترح البيانات أن الطحالب قادرة على النمو –وإن ببطء نسبي- خلال فترة الشتاء عندما تكون المياه هادئة بعض الشيء، وذلك لأن الأمواج الهائجة تشتت أشعة الشمس، فيما تسمح المياه الساكنة بمرور الضوء، ما يحفز نمو الطحالب.
يقول مينيو: "قد تكون مراحل النمو المحلية والتي تدوم لبضعة أيام الشرارة التي تحفز النمو الربيعي السريع بعد عدة أشهر". وقد لخص الباحثون عملهم في دراستين، نشرتا في مجلتي "Nature Communications" و "Nature Geoscience".
تبقى العوامة النموذجية معظم وقتها على عمق 1,000 متر تحت سطح البحر في "وضعية السبات"، وهي تتحرك مع التيارات. وتنتقل إلى وضعية العمل كل خمسة أو عشرة أيام لتصعد إلى سطح الماء وتجمع البيانات أثناء صعودها. وتحمل هذه العوامة العديد من الحساسات، ما يمكنها من جمع معلومات حول امتصاص الكربون في المحيط، إضافة إلى درجة الحموضة وتركيز الأوكسجين في المياه.
في الواقع، فقد نبّهت دراسة نشرت مؤخراً إلى تناقص مستويات الأوكسجين في المحيطات، وبينت أن كمية المياه الخالية من الأوكسجين في المحيطات المفتوحة تزايدت أكثر من أربعة أضعاف خلال السنوات الخمسين المنصرمة. كما أن المياه الساحلية تعاني من نفس المشكلة، حيث تقول نفس الدراسة أن عدد المواقع ذات التركيز المنخفض من الأوكسجين تزايد أكثر من عشرة أضعاف في المناطق الساحلية منذ 1950. إضافة إلى هذا، من المتوقع أن يستمر هذا التغير على نفس الوتيرة. وتوقعت الدراسة استمرار انخفاض الأوكسجين مع تزايد حرارة الأرض.
يقول كلاوستر: "يعتبر تركيز الأوكسجين المعامل الذي يحصل على أكبر عدد من قياسات عوامات BGC-Argo". وتعتبر هذه الأجهزة هامة لقياس امتداد المناطق التي استنفذ الأوكسجين منها.
من المتوقع أن تؤدي البيانات التي تقدمها أنظمة مراقبة المحيطات المعتمدة على الروبوتات إلى مساعدة مزارع الأسماك التجارية، حيث تعتبر الطحالب النامية في الربيع أساس الهرم الغذائي الذي يغذي الأسماك التي يستهلكها البشر. كما ستساعد العلماء على تحقيق فهم أفضل لتأثير التغير المناخي على الأنظمة البيئية في المحيطات، علاوة على هذا، فإن هذه الأجهزة "تعمل في كل مكان، وفي أي وقت، ومهما كانت حالة البحر" كما يقول مينيو.